الإنسان بين المنهج الإسلامي والمنهج الوضعي في التنمية البشرية المعاصرة (6).. الإنسان ودوره في التنمية البشرية

Cover Image for الإنسان بين المنهج الإسلامي والمنهج الوضعي في التنمية البشرية المعاصرة (6).. الإنسان ودوره في التنمية البشرية
نشر بتاريخ

إن جوهر التنمية البشرية هو جعل التنمية في خدمة الناس، ومن هذا المنظور فإن التنمية البشرية تعني ضمنيا تخويل البشر سلطة انتقاء خياراتهم بأنفسهم، سواء فيما يتصل بموارد الكسب أو بالأمن الشخصي، ويتجلى هذا الأمر في الأبعاد التالية:

التنمية الذاتية ودلالاتها

إن مفهوم التنمية البشرية وتطوير الذات يعكسان هدفا واحدا وهو تنمية الإنسان وتطويره. فبحسب تصنيف الأمم المتحدة فالتنمية البشرية تهدف إلى النهوض بالكفاءات البشرية، وضمان الحريات والحقوق المختلفة، بالإضافة إلى توفير خيارات وبدائل أفضل لهم، أما التنمية الذاتية فهي مجال متعلق بتأهيل الشخص لنفسه للتعامل مع مشكلاته الشخصية وأفكاره السلبية، والتعامل باحترافية في العمل والعلاقات الشخصية والمجتمعية، بمعنى آخر تعني تطوير الشخص لذاته وإمكانياته. وبالتالي تتلخص العلاقة بين التنمية البشرية وتطوير الذات في أنهما يعكسان سويا: تحسين قدرات الفرد ومهاراته وإمكانياته المختلفة.

1. مفهوم التنمية الذاتية

التنمية الذاتية هي ركن أساسي من أركان التنمية البشرية، لذا يتم تعريفها دائما على أنها جزء من الكل، ومن أبرز مفاهيمها تطوير الذات، ومعناه سعي الإنسان نحو الأفضل بشكل مستمر، وذلك من خلال معرفة الذات، وتعزيز مواهب الفرد وإمكاناته، والعمل على تحسين نوعية الحياة، وتحقيق تطلعاته وأحلامه، عن طريق استثمار النقاط الإيجابية في شخصيته والعمل على تنميتها، وهذا رهين بمدى تقدير الإنسان لذاته ومدى إيمانه بمواهبه وبقدرته على إحداث التغيير وترك أثر إيجابي في المجتمع.

2. أساسيات التنمية الذاتية

تتركز التنمية الذاتية على مجموعة من الممارسات التي تساعد الإنسان على تحسين نفسه من حيث المواهب والإمكانيات التعلمية والتوظيفية والمالية. ويكون ذلك عبر اكتسابه مهارات جديدة وتعزيز الثقة بالنفس، كي يتمكن من حسن التعامل في مواقف الحياة. فهي تهدف إلى تحسين الجانب الشخصي والحياة المهنية والمهارات الاجتماعية على مدى الحياة. بمعنى أوضح، تبدأ رحلة تطوير الذات عبر اكتساب العلم والمفاهيم والسلوكيات من العائلة والمدرسة. وتستمر هذه الرحلة في حال وجود إرادة فردية للتعلم والتغيير بهدف التميز. ولتحقيق هذه الأهداف، حدد رواد التنمية الذاتية الأسس التالية: محاولة فهم ما هو جديد واكتساب الخبرات، القدرة على التعلم المستمر، مهارات التواصل الاجتماعي، تنمية المهارات الفردية واكتساب مهارات جديدة، الحكمة في تدبير أولويات الحياة.

3. مجالات التنمية الذاتية

يمكن حصر مجالات التنمية الذاتية في ثلاثة أنواع، وذلك بناء على ماهية ما يريد الفرد تغييره، وفيما يلي أهمها:

المهارات المعرفية (Savoir)

تعني المعرفة قدرة الإنسان على فهم الحقائق والأحداث، واستيعابها سواء من خلال المعلومات المتاحة أمامه أو عبر قدرته على تحليل التفاصيل أو مروره بتجربة مشابهة أو الاستفادة من تجارب وخبرات السابقين، وبالطبع تحتاج المعرفة إلى ذكاء الفرد، ورغبته في الاكتشاف، والبحث وراء كل ما هو جديد ومحاولة تطوير ذاته.

المهارات الحياتية (Savoir-être)

يشير مصطلح المهارات الحياتية إلى مجموعة المهارات التي يجب أن يمتلكها الفرد لتحقيق أقصى استفادة من الحياة وللتعامل بشكل جيد وفعال مع تحديات الحياة، حيث تعتبر أي مهارة مفيدة مهارة حياتية، وتشمل المهارات الحياتية كلا من مهارات الإبداع والتفكير النقدي وحل المشكلات واتخاذ القرار والقدرة على التواصل والتعاون جنبًا إلى جنب مع المسؤولية الشخصية والاجتماعية التي تساهم في المواطنة الصالحة.

المهارات السلوكية (Savoir-faire)

المهارات السلوكية هي واحدة من العوامل الرئيسية المستخدمة لتقييم أداء المرء وموقفه، وتتجلى مظاهرها في حسن خلق الفرد ونضج حس المسؤولية عنده وغيرها من السلوكيات التي تعتبر مهارات شخصية اجتماعية تمكن الشخص من التواصل الفعال مع بيئته ومع الآخرين، سواء كان ذلك في بيئة العمل، أو في حياته الشخصية.

تنمية الموارد البشرية 

يعتبر الإنسان الثروة الحقيقية لأي مجتمع وأساس تقدمه، فهو المنتج عندما يبذل طاقته الذهنية والجسدية، وهو المستهلك عندما يقوم باستهلاك السلع والخدمات التي تلبي حاجاته، وهو المستثمر عندما ينتج وسائل الإنتاج ويبحث عن مجالات الاستثمار ما يجعله المحرك الرئيسي لعجلة التنمية. وعليه لا يمكن أن تتحقق أهداف التنمية إلا من خلال تحقيق مستويات مقبولة من حجم ونوع الاستثمار البشري. من هذا المنطلق؛ أصبحت الموارد البشرية تحتل مركز الصدارة في الاهتمام على مستوى العالم المعاصر باعتبارها أهم عنصر من عناصر التنمية البشرية.

1. مفهوم تنمية الموارد البشرية 

تعرف تنمية الموارد البشرية بأنها: “إعداد العنصر البشري إعدادا صحيحا بما يتفق واحتياجات المجتمع، على أساس أنه بزيادة معرفة وقدرة الإنسان يزداد ويتطور استغلاله للموارد الطبيعية، فضلا عن زيادة طاقاته وجهوده” 1. فهي عملية متكاملة ومخططة تهدف إلى تنمية الإنسان في النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية، من أجل ضمان حياة جيدة ومستقرة. وتنطوي هذه العملية على أربعة أنشطة أساسية متكاملة ومترابطة وهي اختيار الأفراد الحاصلين على التأهيل، والإعداد العلمي الأساسي، والقدرات الشخصية والنفسية، والتدريب العلمي المستمر المنظم.

2. إدارة الموارد البشرية

تمثل إدارة الموارد البشرية إحدى أهم الوظائف بالدول والمنظمات وخصوصا الاقتصادية منها على اختلافها، لكونها تضمن تزويدهم بما تحتاجه من الموارد البشرية الضرورية لنشاطها، والتي تعتبر بدورها أهم عوامل الإنتاج والتنمية على الإطلاق، لذلك فنجاح الدول أو المنظمات وتميزها مرتبطان بمدى امتلاكها لموارد بشرية عالية الكفاءة. حيث يقول جورج. ك. لودج: “إن قوة التنافس كانت تتركز سابقا حول الموارد الطبيعية أو رأس المال والثروة، أو التكنولوجيا، إلا أن التطورات المعاصرة وبخاصة في مجال التكنولوجيا الموجودة في المؤسسات الجديدة أصبحت تتضافر لكي تغير بشكل جوهري هذه العوامل التقليدية للتمايز والتنافس، فالموارد الطبيعية قد خرجت من المعادلة، والتكنولوجيا أصبحت تنقلب رأسا على عقب لتصبح تكنولوجيا الإنتاج ذات مكانة ثانوية مقارنة مع تكنولوجيا العمليات الجديدة، وبذلك تصبح مهارات قوة العمل والتعليم والمعرفة هي السلاح التنافسي الأول”، ونفهم من هذا الكلام أن تحقيق التنمية لا يتم إلا من خلال عنصر بشري متميز ذو مهارات عالية متعلم ومتدرب.

3. الاستثمار في رأس المال البشري

يعرف رأس المال البشري بأنه كل ما يزيد من إنتاجية الفرد أو القوة العاملة من خلال المهارات المعرفية والتقنية التي يكتسبونها، أي من خلال العلم والخبرة التي تكتسب من خلال التدريب والتعلم. ولرأس المال البشري بعدين: بعد كمي يتمثل في اليد العاملة المتوفرة، وبعد نوعي ويتمثل في مجموعة الخصائص والمميزات الذاتية للفرد والتي لها أثر على الإنتاج. وهو يشمل المهارات والقدرات والقيم والصحة وهو ما ينتج الآثار الإيجابية، وقد عرفه المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة بأنه “عبارة عن عملية تنمية مهارات ومعارف وقدرات أفراد الجنس البشري الذين يساهمون في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلد ما أو يمكنهم أن يساهموا فيها على ألا يقتصر هؤلاء الأفراد على السكان العاملين بل يمتد إلى الإشراك الفعلي أو المنتظر أو الذي يمكن الحصول عليه من الأشخاص الآخرين في عملية التنمية الاقتصادية” 2.

حقوق الإنسان والتنمية البشرية

تؤكد تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة بأن التنمية وحقوق الإنسان مفهومين مترابطين، حيث يلتقي الحق في التنمية مع حقوق الإنسان عند مفهوم التنمية البشرية باعتبارها جوهر وأساس ليس فقط التنمية بمفهومها الشامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، ولكن باعتبارها أساس حقوق الإنسان. ومن ثم يمكن القول إن الحق في التنمية، والذي تضمنته الوثائق والبرامج الخاصة به والتي صدرت من الأمم ومنظماتها، يؤدي بشكل مباشر إلى تدعيم حقوق الإنسان التي صدرت في الإعلان العالمي والمواثيق والمعاهدات الدولية، التي أدت إلى تشكيل وتكوين القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي أصبح الحق في التنمية جزء لا يتجزأ منه.

1. التنمية القائمة على نهج حقوق الإنسان

إن النهج القائم على حقوق الإنسان هو إطار مفاهيمي مطبق على عملية التنمية البشرية مع الأساس المعياري لمتطلبات حقوق الإنسان الدولية. يسعى هذا النهج إلى تحليل التفاوتات التي تكمن في صميم مشاكل التنمية ومعالجة الممارسات التمييزية والتوزيع غير العادل للسلطة الذي يعيق تقدم التنمية.  بموجب هذا النهج، ترتكز خطط وسياسات وعمليات التنمية على نظام من الحقوق والواجبات المنصوص عنها في القانون الدولي، بما في ذلك كل الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. من هذا المنطلق؛ فالتنمية القائمة على حقوق الإنسان تعني تأسيس التنمية على “الحق” لكفالة حق الإنسان في العيش بكرامة. هكذا يستند مفهوم التنمية على نهج الحق، على إدماج المعايير الدولية الملزمة في سياسات وخطط ومشاريع التنمية.

2. دمج حقوق الإنسان في التنمية

الحق في التنمية هو حق من حقوق الإنسان، يوحـد بـين الحقـوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مجموعة واحدة مترابطة غير قابلة للتجزئة، وهـو السبيل إلى إعمالها، وإن أي إنكار لأي حق من هذه الحقوق ينطوي على إنكار الحق في التنمية، وعليـه فإن أي محاولة لإعمال الحق في التنمية يجب أن تقوم على أساس كفالة أو ضمان حماية جميع هذه الحقوق. ويتمثل هذا الارتباط في الآتي: حياة مديدة وصحية (خالية من الأمراض)، اكتساب المعارف (التعلم)، الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائق. والتمتع بهذه الحقوق رهين:

– بمدى إشباع الحاجات الأساسية للنمو الجســدي، وتشمل الغذاء والماء والكساء والصحة والسكن.

– بمدى إشباع الحاجات الاجتماعية والثقافية، وتشمل التعليم وتحصيل المعرفة، وتنمية المهـارات.

– بمدى إشباع الحاجات النفسية، وتشمل الطمأنينة والأمن وإبعاد عوامل الخوف والقلق.

– مدى القدرة على المشاركة في صنع القرار ومتابعة تنفيذه وتقييمه، والمشاركة العادلة في ثمرات العمل.

– مدى إشباع الحاجات المعنوية، وتشمل القدرة على التعبير دون كبت أو قهر، القدرة على الفعل والتأثير.

3. التمكين والمساءلة للجميع

لا يقتصر الحق في التنمية على الأعمال الخيرية، بل يستوجب إيجاد بيئة مواتية وإعمال الحكم الرشيد على الصعيدين الوطني والدولي، ويعزز مساءلة المسؤولين والحكومات والجهات المانحة والمتلقية والمنظمات الدولية والشركات عبر المجتمع المدني. ولذلك فإن التنمية البشرية قـد تجـاوزت الاعتبـارات الاقتصـادية، بل أصبحت “تعطـــي للحقـــوق السياســـية والمدنيـــة الحقـــوق الاقتصـــادية والثقافيـــة والاجتماعية لتكون قاعـدة عريضـة تسـتند إلى مفهـوم واسـع لحقـوق الإنسـان، وأصـبح للتنميـة كمـا في حقوق الإنسان محورية أساسية هي الإنسان باعتباره المستفيد الأول من خلال الحفاظ على الكرامة الإنسانية، وإن الغاية القصوى هي تحقيق العيش بكرامة ورفاهية” 3.


[1] عبد المعطي محمد عساف، يعقوب حمدان، التدريب وتنمية الموارد البشرية “الأسس والعمليات”، ص22.
[2] هشام مصطفى الجمل، دور الموارد البشرية في تمويل التنمية، ص:193.
[3] دراسات في التربية والثقافة في التنمية البشرية وتعليم المستقبل، ص:  16/17.