يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُر نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ 1 .وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَاْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ 2 .
منذ انضمامها لجماعة العدل والإحسان سنة 1987م (أسرة الجماعة آنئذ) لم تأل هذه المؤمنة المجاهدة جهدا في استيعاب تجربة مرشدها والسعي للإحاطة بمعالم تصوره لتجديد الدين وانبعاث هذه الأمة. ويبدو أن صدق الرجل وعلو همته وقوة عزمه واقتحامه ورسوخ علمه ورجاحة رأيه وسداد قوله, يبدو أن كل هذا جذبها بقوة في السنوات الأخيرة، لِمَا ظهر عليها من حرص شديد على طلب صحبته وتوقيره وتعظيمه, منمية بذلك حِسَّ وخلق الولاء للدعوة, بكل ما تعنيه هذه الكلمة المباركة من قيم وأقوال وأفعال وعهود وأمانات. وَلاءٌ مبتغاه في الدنيا إقامة الدين, ومقصوده في الآخرة نور الحسنى والنظر إلى وجه المنعم الكريم سبحانه.
نعلم نحن أبناء جماعة العدل والإحسان أن أستاذنا ومرشدنا عبد السلام ياسين زاده الله من نور خزائن عزته وعلمه ورحمته وفضله لم يكتف بموقع العالم الذاكر الخبير الذي رسم البنيان على هدى وبصائر وبينات الوحي الكريم, واختار الأهداف والغايات, وحدد الوسائل وضبط المجالات بل ركن واطمئن للتي هي أخشن وأثقل على ذوات العلماء: أمانة وطريق المكابدة والبذل لصناعة مؤمنين ومؤمنات قادرين على الإنجاز والبناء والاقتحام.
استنادا إلى هذا الميزان نعتبر أختنا السعدية قاصد رحمها الله ونور قبرها ثمرة من ثماره, وغرسا من أغراسه, وحسنة من حسناته. استطاع بفراسته وعمق نظره وسعة صدره وانشراحه ومكارم أخلاقه أن يدلها على أيسر السبل, ويأخذ بأفضل مزاياها لتساهم في بناء صرح هذه الجماعة المباركة بإذن الله على الصلابة والمتانة. وفعلا كنا نلاحظ إلى أي مدى تَصَقَّلَ ذهنها وذوقها, واستوفت فضيلة وآداب التلقي والتعلم, وأمانة التبليغ والتعليم, وتمكنت بتدرج من سلاح الحكمة والعلم. فكان كلامها رحمها الله مصبوغا بروح المباسطة والتودد ولو في مواطن المحاججة؛ خاليا من التكلف والغموض؛ يشهد على أن المتكلمة قد أحاطت بمقاصد الجماعة, سائرة إلى تمثل الفكرة الأساسية التي تمثل القاعدة والمنطلق والمصير: مسألة التربية.
عاشت أختنا السعدية قاصد رحمها الله مراحل نيرة عصيبة من مراحل جهاد جماعتنا. وقامت في نهاية حياتها الطيبة بإذن الله على إحدى أعقد ثغور الإسلام: ثغر المرأة وقضاياها.
عاشت فترة من تاريخ الجماعة اشتد فيها غضب المُغَرَّبين اللائكيين المبطلين على مشروع الجماعة وتميزها وظهورها وسرعة انتشارها وذيوع صيتها. فأصوات التلويث والتلطيخ ارتفعت, وتيارات التصدية والضجيج والشماتة تنوعت، وحملات التشويش والتشويه اشتدت. بيئة معاندة تبعث في ذوي الإرادات الضعيفة العجز والكسل واليأس.
كان صدقها رحمها الله من العمق بحيث استرخصت ما لديها واستهانت بكل العقبات والصعاب. ولعلها أدركت أن قدر الله ساقها لأمر عظيم قَصُرَتْ عن طلبه وجمع طرفيه همم الرجال: أمر العدل والإحسان.
وكنا نلاحظ داخل الجماعة استقامة فكرها على التصور الذي اختارته الجماعة فيما يتعلق بقضية المرأة. تبلغه بتعزز, وتجند أخواتها في المجالس وعلى المستوى القطري وتعبئ. ولقد استطاعت مع أخواتها “الزائرات” الكريمات أختينا ندية ياسين ومنى الخليفي, وثلة من المؤمنات الطيبات وَبِمَجْهُودٍ لا ينطفئ ووثاق وثيق وعزم وإلحاح وتبصر على أن يجعلن قضيتهن -قضية المرأة- بأيديهن. وكم كان هذا الإنجاز وسيبقى عظيما وإن كان لا يزال في أطواره الأولى.
لا ننازع الله في مُلْكِهِ ولا مِلْكِهِ, بل بكامل الرضى والتسليم نسأله أن يفسح لأختنا السعدية قاصد في قبرها, وينور لها فيه, ويتقبلها في الطيبات المجاهدات, ويكتب لها العمل وآثاره كاملا ويجزيها عنا خير الجزاء, ويجعلنا بعدها مفاتيح للخير مغاليق للشر, آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى أهله وأصحابه وإخوانه وحزبه.
الأستاذ عيسى أشرقي
تطوان 20 شوال 1422 هـ
الموافق 05/01/2002 ملف وفاءً لذكراها..