في ندوة علمية: الجماعة تناقش موضوع “الدعوة إلى الله في مشروع العدل والإحسان”

Cover Image for في ندوة علمية: الجماعة تناقش موضوع “الدعوة إلى الله في مشروع العدل والإحسان”
نشر بتاريخ

احتضنت مدينة طنجة ندوة علمية في موضوع: “الدعوة إلى الله في مشروع العدل والإحسان: منطلقات، تحديات وتجارب”، نشرت قناة الشاهد الإلكترونية ملخصا لها.

الندوة، التي نظمتها الجماعة في إطار سلسلة من الندوات الوازنة تخليدا للذكرى الأربعين لتأسيسها، والتي حضرها ثلة من العاملين والباحثين في قضايا الدعوة، تغيّت مدارسة الموضوع في أفق الإجابة على مجموعة من الأسئلة الجوهرية، قدمها مدير الندوة الدكتور عبد الصمد المساتي، باحث في مقاصد الشريعة وقضايا الاجتهاد والتغيرات المعاصرة وكاتب عام للمركز العلمي للنظر المقاصدي في القضايا المعاصرة، جمعها في:

ما مدى إسهام جماعة العدل والإحسان في التنظير للدعوة الإسلامية؟

ما الجديد الذي جاءت به هذه الجماعة في مقاربتها للدعوة إلى الله؟

ما هي الطرق والأساليب التي تعتمدها هذه الجماعة من أجل انتشار الدعوة واستمرارها؟

إلى أي حد نجحت جماعة العدل والإحسان في تبليغ هذه الدعوة؟

ما هي الصعوبات والعراقيل والتحديات التي واجهت وتواجه دعوة العدل والإحسان؟

كيف أسهمت الجماعة منذ تأسيسها في احتضان المدعوين وفي تأطيرهم وخاصة الشباب، وتربيتهم على الخير وتحصينهم من عوامل الهدم والتخريب والتطرف؟

حاولت الندوة مقاربة الموضوع انطلاقا من هذه الأسئلة، فتوالت المداخلات من أجل ذلك، ثم فتح المجال للحضور للإسهام في هذا النقاش، وقدم الشريط ملخصا للندوة. نبسط في هذه القصاصة ملخص ما جاء في المداخلات الرئيسية.

في المداخلة الأولى، أوضح الدكتور مصطفى العلام، باحث في قضايا الدعوة والتربية، منطلقات وخصائص الدعوة إلى الله، وذكّر أنها “من أعظم القربات إلى الله تعالى، فهي مهمة المرسلين وسبيل المصلحين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، إنها لقربة شريفة، بل من أعلى شعب الإيمان، بل من أسبق سابقات الجهاد، إنها مهمة الرسل والأنبياء عليهم السلام، ومهمة المصطفين من خلق الله”. وبيّن أن “دعوة العدل والإحسان نداء للرجعة إلى الله”، مستندا على أقوال الإمام المرشد رحمه الله تعالى: “الدعوة إلى الله أول كل شيء نداء بالرجعة إلى الله عز وجل، والسلوك إليه وتحقيق العبودية له. ثم هي معارضة للباطل حتى تنقض بناءه”. وفي آليات الدعوة يقول الإمام المرشد: “تحتاج الدعوة إلى “علوم الخطاب والبلاغ” بقدر ما تحتاج إلى “علوم الصمت” حتى لا تقول إلا الحق ولو سكتتْ مرحليّاً عن بعض الباطل”.

الأستاذة زينب التدلاوي، باحثة في قضايا التاريخ الإسلامي المعاصر، تناولت موضوع العمل الدعوي لنساء العدل والإحسان؛ منطلقاته وتحدياته، وأحالت على خصوصية هذا الأمر عند جماعة العدل والإحسان، حيث خص مرشد الجماعة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى قضايا المرأة في شموليتها بكتاب تنوير المومنات، الذي صدر سنة 1995، و”الذي يعد حدثا تاريخيا مؤسسا لمرحلة جديدة في مسيرة العمل الدعوي للمومنات داخل جماعة العدل والإحسان، على اعتبار أنه حمل في طياته إجابات شافية لقضايا كبرى تتعلق بالمرأة عموما وفق نظرة تجديدية منهاجية”، والدعوة، وفق ما جاءت به هذه النظرة “بحاجة إلى من تعطف وتؤلف القلوب وتطبب الجراح في زمن غابت فيه الرحمة الإنسانية”.

أولى واجهات دعوة النساء في مشروع العدل والإحسان “هي الأسرة، وسمى الإمام رحمة الله عليه الأسرة بالبرج الاستراتيجي للدلالة على الحجم الوظيفي لها، فالمومنة داخلها هي القائد اليقظ والمربية الرحيمة والمؤثرة في الأسرة، تنطلق من بيتها زوجةً تحفظ زوجها في نفسه وماله وعرضه ودينه، وأمًّا تهتم بتربية أبنائها على القيم والمبادئ الإسلامية كما تهتم بتغذية روحهم وصحة أجسادهم، وبذلك تضفي على بيتها الاستقرار الذي يشع فيعم المجتمع”. وهذه الدعوة “تشمل كل حيثيات فئات المجتمع مع مراعاة هامش التفاوت، تعمل جاهدة على إشراكهن في شتى مجالات الدعوة”.

الدكتور عز الدين ناصح، عضو الهيئة العامة للتربية والدعوة، بسط التجربة الدعوية لجماعة العدل والإحسان، ووصف عملها في الباب بـ”حركة دؤوبة أطراف الليل والنهار للتذكير والتبليغ، حركة روحها التربية على منهاج النبوة، هي الأساس ومعقل الفاعلية الدعوية، باطنها قلبٌ بالرحمة على خلق الله عز وجل مفعمٌ، وظاهرها قدوة ماثلة ومجالسة نافعة، وثمرتها خدمة تأسو جراح الناس وتنفس عن كربهم”، فالتربية في تطور الجماعة كانت وستظل “أولا ووسطا وآخرا ودائما” يؤكد الدكتور ناصح.

هكذا كانت عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى منذ بداياته الأولى في طريق السلوك إلى الله تعالى، وهو ما بثه في الجماعة منذ نشأتها؛ “يقول عنه الأديب والمؤرخ محمد السعدي الركراكي: “كان ياسين رجلا يحب الخير للناس، فعندما انخرط في الطريقة البودشيشية المعروفة أبى إلا أن يشترك معه في الخير كل معارفه وتلامذته وكنت من بينهم. انفصل الإمام عن الزاوية ونحا بدعوته منحى مغايرا، فكتب رسالة لحاكم البلاد يدعوه فيها إلى توبة عمرية وإقامة العدل ورد المظالم، وهل النصيحة إلا دعوة صادقة ترتجي انتشال المنصوح من الغفلة عن خالقه ودلالته على سبل الهدى. وبعد تأسيس الجماعة سنة 1981 بث الإمام رحمه الله تعالى هذا الهم والوعي في أعضائها ومؤسساتها، ولقنهم أن إيمانك أخي وأختي له أبواب مترعة حين يشغل بالك بعد ذكر الله الدائم المقيم همّ تبليغ رحمة الإيمان لغيرك. فسرى الهم والعزم في أوصال الأعضاء حتى غدت الدعوة لديهم هواء وغذاء”.

وساق الدكتور ناصح تجربة الأستاذ آيت عمي، أحد قيادات الجماعة بمدينة الجديدة، حكى أنه “بعد استقراره بمدينة الجديدة سنة 1986 بطلب من الإمام رحمه الله: “جُلت على مساجد المدينة للتعرف على روادها والتعريف بدعوة الجماعة ولكن لم أجد إلا خوفا ونفورا، وكنت كلما زرت الإمام ونفثت إليه شكواي وما أجده من صعوبات وإعراض قال لي: ‘غير اصبر’ إن شاء الله ستجد في الحي رجالا يستجيبون لدعوتك ويشدون عضدك، فترتفع معنوياتي من جديد وأجدد العزم وأعيد الكرة، وهكذا بفضل الله عز وجل ثم مواساة الإمام رحمه الله، تأسست أول أسرة بالمدينة ثم صارت شعبة فجهة ولله الحمد والمنة”.  

وعلى هذا المنوال انتشرت الدعوة بأكادير ونواحيها وتطوان وخريبكة وبولمان والحاجب وغيرها من المدن والقرى. يكشف ناصح.

واستحضر المتحدث، وهو من القيادات الذين عايشوا تجربة الجماعة منذ التأسيس، أن الجماعة تعمل “في واقع موبوء؛ أوصدت فيه كل الأبواب في وجه كل نشاط ميداني، كيفما كان نوعه أو حجمه، فمنعت جميع جمعياتها، وشمعت بيوت لأعضائها وعلى رأسها بيت السيد الأمين العام حفظه الله بوجدة، وحرمت من ولوج دور الثقافة والشباب، وحوصرت جرائدها ومجلاتها، وحظرت احتفالاتها بالمناسبات الدينية والخاصة، ولكن لم يثن كل ذلك الجماعة عن مواصلة عملها، بل كانت تبدع أشكالا جديدة ووسائل تكسر بها الحصار وتتجاوزه”.

وشدد أن “الجماعة بوأت منذ نشأتها المسألة الدعوية موقع الصدارة ضمن انشغالاتها وفي برامجها، ونتج عن ذلك بفضل الله عز وجل انتشارا واسعا للدعوة وحضورا متميزا ومعتبرا في المجتمع، وأخرج الله جل شأنه -على يديها- رجالا ونساء طابت أنفاسهم بذكر الله عز وجل، ولا نزكي على الله أحدا، ورقت قلوبهم بمناجاة الليل، وفاضت بحب الخير للناس، وشغل همهم نشر دعوة الله، فكانوا مفاتيح للخير مغاليق للشر، يسعون في مصالح الناس وقضاء حوائجهم ما استطاعوا لا يريدون منهم جزاء ولا شكورا”.