الاعتراف بدولة فلسطين الآثار والخلفيات

Cover Image for الاعتراف بدولة فلسطين الآثار والخلفيات
نشر بتاريخ

على هامش انعقاد الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حصلت دولة فلسطين على اعترافات دول جديدة من بينها دول كبرى كبريطانيا وفرنسا، ليصل عدد الدول المعترفة بها إلى 159 من أصل 193 دولة وهي رحلة طويلة قطعتها مسيرة الاعتراف منذ الإعلان الثاني عن قيام دولة فلسطين، الذي تم في 15 نوفمبر 1988 من طرف منظمة التحرير الفلسطينية، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الـ 19 المنعقدة في الجزائر، بعد الإعلان الأول عن الاستقلال وإقامة “حكومة عموم فلسطين” في المؤتمر الفلسطيني والذي -لجميل الموافقات- عقد بغزة وفي أكتوبر 1948.

دون شك أن اعتراف 159 دولة بفلسطين هو مكسب تاريخي يُرسّخ شرعية الدولة الفلسطينية قانونياً، ويُحدث تحولات سياسية في موازين الشرعية الدولية ضد الاحتلال، لكنه لا يغير المعادلة الميدانية إلا إذا رافقته إستراتيجية فلسطينية موحدة وضغط دولي متواصل وحقيقي لترجمة هذه الشرعية إلى سيادة فعلية على الأرض.

أولاً: الأثار القانونية للاعتراف

الاعتراف الدولي:

  • اعتراف أكثر من 150 دولة (أي ما يقارب ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة) بدولة فلسطين يعني أن الكيان الفلسطيني بات يتمتع بشرعية دولية واسعة، باعتباره شخصًا من أشخاص القانون الدولي.
  • هذا الاعتراف يؤسس لمكانة فلسطين كـ “دولة” وليست فقط “كياناً تحت الاحتلال”.

المكانة في الأمم المتحدة:

  • رغم أن فلسطين اليوم تحمل صفة “دولة مراقب غير عضو”، فإن تراكم الاعترافات يشكل ضغطًا قانونيًا وسياسيًا على الأمم المتحدة لقبولها كعضو كامل العضوية (متى ما زالت العراقيل السياسية، خصوصًا الفيتو الأميركي).

الحقوق المترتبة:

  • الحق في ممارسة السيادة الكاملة على الأرض والشعب.
  • الحق في الانضمام إلى المعاهدات الدولية (وقد انضمت فلسطين بالفعل إلى العديد منها منذ 2012).
  • الحق في اللجوء إلى المحاكم الدولية (محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية) ضد ممارسات الاحتلال.

ثانياً: الآثار السياسية

إن قرار الاعتراف الدولي تترتب عليه العديد من النتائج السياسية على مستوى الوضع الفلسطيني داخليا وخارجيا من أهمها:

1-إضعاف الرواية الصهيونية:

كل اعتراف جديد يقوّض سردية الكيان الصهيوني بأنها الطرف الوحيد “المعترف به”، ويجعل الاحتلال يُنظر إليه دولياً كاحتلال لأرض دولة ذات سيادة.

2-تعزيز الموقف التفاوضي الفلسطيني:

بدل الظهور كحركة تحرير أو سلطة انتقالية، يصبح التفاوض باسم “دولة فلسطين”، ما يرفع منسوب الشرعية السياسية.

3-تكريس العزلة السياسية للكيان الصهيوني:

فازدياد الاعترافات الدولية يوسع الهوة بين الكيان الصهيوني وغالبية المجتمع الدولي، ويجعل حلفاءها (خصوصاً الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية) في موقف دفاعي دائم.

4-تعزيز الحضور الدولي:

يُتوقع أن يدفع الاعتراف إلى توسيع انخراط فلسطين في منظمات مثل دولية إقليمية كالاتحاد الإفريقي، مجموعة الـ 77، ومنظمات آسيا وأمريكا اللاتينية.

5-تسريع الوحدة الفلسطينية:

لا يغير الاعتراف بالضرورة الواقع على الأرض، لكنه يوفر للقيادة الفلسطينية الحالية أو القادمة سنداً سياسياً في مواجهة الاحتلال، ويعزز المطالبة بالوحدة الوطنية تحت سقف الدولة المستقلة.

ثالثاً: العقبات والتحديات

من المؤكد أن هذا الاعتراف الدولي الذي يأتي في سياق شديد التعقيد والحساسية تحيط به العديد من التحديات وتجابهه عقبات مختلفة قد تجعله حبرا على ورق وقرارا آخر يطويه أرشيف الأمم المتحدة، لعل أهمها أن الاعتراف الدولي لا ينهي الاحتلال تلقائياً، فالكيان الصهيوني يظل قوة قائمة بالقوة العسكرية، وهو ما يحد من التمتع الفعلي بالسيادة، وأيضا الفيتو الأميركي الذي يظل عقبة أمام تحويل الاعترافات إلى عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وأخطرها الانقسام الفلسطيني الداخلي والذي يقلل من الأثر العملي للاعترافات.

دون شك هناك خلفيات سياسية وسياسية مهمة وراء اتساع موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، ولا يمكن فصلها عما يقع على الأرض في الميدان العسكري على ضوء المعادلة الجديدة التي فرضتها المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، ويمكن تفصيل الخلفيات كالتالي:

 1- الواقع الميداني: صمود المقاومة الفلسطينية

صمود غزة بهذا الشكل الأسطوري على مدى سنتين، بعد حرب طويلة ودموية نازية، مع عجز الكيان الصهيوني عن تحقيق “نصر حاسم”، جعل المجتمع الدولي مضطراً إلى إعادة التفكير في مقاربة القضية الفلسطينية التي ماتت سياسيا قبل 7 أكتوبر، فقد أظهرت حماس وفصائل المقاومة المسلحة قدرة على فرض معادلات جديدة ،أسرى، استنزاف جيش الكيان الصهيوني، بطأت إن لم تكن عطلت المشروع التوسعي الاستيطاني الصهيوني، وهو ما رفع كلفة استمرار الاحتلال على كافة المستويات، هذا الوضع كرس الاقتناع لدى عواصم عديدة أن الحل العسكري لم يعد كافياً، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يكون بوابة لتسوية سياسية مستقبلية.

 2- الضغط الدولي على الكيان الصهيوني وحلفائه

يواجه الكيان الصهيوني عزلة غير مسبوقة بسبب حجم الدمار في غزة واتهامات الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، فالاعترافات جاءت أيضاً كرسالة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية الموالية للكيان الصهيوني بأن مواقفها لم تعد تمثل الإجماع الدولي.

 3- إعادة الاعتبار للمسار السياسي

ترى بعض الدول أن تقوية موقع “الدولة الفلسطينية” في المحافل الدولية قد يوازن قوة حماس على الأرض، أي إعادة الاعتبار للسلطة الفلسطينية كفاعل شرعي، في مقابل تزايد شرعية المقاومة الشعبية والمسلحة، بمعنى آخر أن الاعتراف بالدولة قد يُستخدم كوسيلة لتهميش أو محاصرة حماس عبر تكريس إطار “دولة فلسطين” بمرجعية السلطة والمنظمة، بدل المقاومة المسلحة.

 4- ضغط التوازنات الإقليمية والدولية

سعت دول أوروبية خصوصاً (إسبانيا، إيرلندا، النرويج…) من خلال الاعتراف إلى تخفيف الضغط الشعبي الداخلي المؤيد لفلسطين، وقوى دولية أخرى (في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية) أرادت إرسال رسالة إلى واشنطن بأنها لم تعد المهيمن الوحيد على صياغة “الحل”. وهذا كله يندرج ضمن إعادة تشكيل النظام الدولي، حيث قضية فلسطين أصبحت ساحة لإبراز التمايز بين القوى الصاعدة والمعسكر الغربي التقليدي.

 5- ازدواجية في الدوافع

يعزز الاعتراف من جهة شرعية القضية الفلسطينية ويفضح الاحتلال، ومن جهة أخرى هو محاولة من بعض الأطراف لفصل “القضية الوطنية” عن “المقاومة المسلحة”، أي دعم الدولة الفلسطينية ككيان سياسي مع إضعاف منطق الكفاح المسلح، ويمكن القول إجمالا إن خلفيات الاعتراف ليست بريئة بالكامل فهي عملة ذات وجهين، وجه إيجابي، يمثل نصراً سياسياً للمقاومة لأنه جاء بعد فشل الكيان الصهيوني عسكرياً، وهذا ما يصرح به قادة الاحتلال مرارا باعتبار الاعتراف “مكافأة سياسية” للمقاومة، وآخر سلبي قد يُوظف لاحتواء المقاومة، عبر تقوية السلطة الفلسطينية كبديل سياسي مقبول دولياً، أي بعبارة أخرى الاعتراف هو ثمرة تضحيات المقاومة، لكنه في الوقت نفسه قد يكون أداة لمحاولة ترويضها أو عزلها، تبعاً لتوازن القوى الداخلية الفلسطينية، وهذا ما لا يخفيه الغرب فالرئيس الفرنسي ماكرون في حوار مع القناة “الإسرائيلية” 12 يقول بصراحة وضوح “إن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة هو أفضل سبيل للقضاء على حماس”.