آخر مشهد من المسرحية

Cover Image for آخر مشهد من المسرحية
نشر بتاريخ

إننا على مشارف انتهاء المسرحية فليسدل الستار على آخر فصل من فصولها وليعلو التصفيق ولتطلق الزغاريد ولتهتف الجماهير “داها وداها…” ولتمشي مواكب الفلكلور فرحة مستبشرة مهللة صاخبة مطبلة مغنية، ولتبيتي أنت يا أمتي يا أمة البطون الجائعة والأسمال المتناثرة والأقدام الحافية والعيون الباكية والأفواه الفاغرة والحناجر الجافة والآمال المعقودة على أمل احتمال رؤية غد أفضل.

نعم لنصفق بحرارة وإن استطعنا أن نسكب دمعة فرحة -ولن نعوزها فلكم بكينا من شدة المآسي- فلنسكبها اعترافا منا باحترافية الطاقم الساهر على المسرحية من كاتب ومنتج ومخرج وممثلين، وليسمحوا لي جنود الخفاء إن لم أذكرهم بتفصيل فحصتهم في التصفيق مضمونة.

حشدت كل الوسائل وسخرت كل الإمكانيات واختير أفضل الممثلين ليقدموا في حبكة لا متناهية فصول المسرحية، فلنصفق بشدة للممثلين الذين أتقنوا فن العرض ولم يألوا جهدا ببراعة وحذق وتفاني المتمرس كي يقدموا أحسن ما عندهم لإقناعنا بصدق العرض.

رغم كل هذا فقد بان العور وبان التخبط بل وظهر الارتباك حتى كاد ينزل الستار معلنا الفشل الذريع للمسرحية لكن المخرج محنك ومدرب على أعلى مستوى فجعبته ليست بخاوية فكلما كاد المشهد يؤول إلى الفشل أخرج ممثل الاحتياط سمته أبرع ممن قبله، لينقذ الموقف ويأتي بصيحة جديدة لتتقن اللعبة وتمضي فصول المسرحية في ثبات لما سطر لها حتى آخر مشاهدها.

أحيانا يلتبس الأمر على المتفرج ويشرد بفكره متسائلا في اندهاش شديد هل المشهد مقتبس من مسرحيات سبقت، ويحاول جاهدا أن يرفع صوته مقاطعا طالبا إسدال الستار لأن المشهد مكرر ومنقول لكن تفاجئه طلة جديدة ويبهره أداء الممثل البارع وتشده الكلمات ويخرس لسانه فلا يكاد ينطق. وهب أنه نطق فجنود الخفاء دورهم إسكاته، نعم دورهم إسكاته يعلون الموسيقى أحيانا يأمرون طائفة من الجمهور بالتصفيق عاليا للتشويش وإن اقتضى الحال يخرج الممثل ويدخل ثان في تقاسم للأدوار ولو لم يثنه كل هذا فهناك في الاحتياط ما يناسب من حلول، يأتي الأمر بعزله في زاوية مظلمة ولينطلق الركل والرفس والهراوات أو يختطف من وسط القاعة أو يحبس في الزنزانة بسبب التشويش والإرباك… المهم أن تكتمل فصول المسرحية…

وإن عظم جمهور المستنكرين وعظم الصخب في قاعة المسرح، فليخرج إليهم المتحدث باسم الطاقم ليعلن على مضي العرض لشغل أنظار المتتبعين ويأمر الجمع بعدم الانتباه لبعض المشاغبين العملاء الخونة الذين أرادوا إفشال المسرحية لحساب أجندات غريبة دخيلة، وليستنهض همم باقي أفراد الطاقم للمزيد من التفاني في أداء الأدوار كل حسب موقعه حتى لا تتفلت القاعة وتسدل الستائر قبل انتهاء الفصول.

اليوم كلمة الفصل وأي فصل هل هو فصل السلط عفوا درج لساني على هذه العبارة بل أقصد فصل الأدوار ليصطف ما عرف بوكالين رمضان والشواذ والكفار والخرافيين والحالمين وقل ما شئت من نعوت السفسطة والزندقة بل لخصها في كلمة واحدة يحفظها التاريخ جيلا بعد جيل “الخارجون عن الإجماع المسبح بحمد السلطان الراكعين الساجدين في محرابه”، المهم إنهم اصطفوا هنا معلنين مقاطعة المسرحية بل الرفض التام لكل فصولها فاضحين لكل من شارك فيها شارحين موضحين صابرين محتسبين غير آبهين بمن خالفهم وكاد لهم، وهناك اصطف من صفق بحرارة مع جموع المصفقين أغلبهم لا يهمه أفهم المغزى أم لم يفهم أوعى العواقب أم لم يعي.

ولتشهد يا تاريخ على من اصطف هنا ومن اصطف هناك من اصطف هنا مع جموع الرافضين ومن اصطف هناك مع جموع المصفقين.

ولتشهد يا تاريخ على من باع القضية، من سفه أحلام الأمة، من زور تاريخ الوطن، من قطع الطريق، من دلس من خان من حبر من طبل من زمر من سخر أموالنا المستباحة ليسوق الأحلام التي سرعان ما ستتلاشى مع بزوغ فجر جديد.

ولتشهد يا تاريخ أن الستار قد أسدل معلنا انتهاء آخر فصل من فصول المسرحية هكذا تصوروا زعما منهم لكن لسان الرافضين لن يخرسه شيء وعزمهم لن يثنيه شيء ويأبى الله إلا أن يتم نوره.