المرأة المسلمة وإرادة التغيير: جولة في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين

Cover Image for المرأة المسلمة وإرادة التغيير: جولة في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين
نشر بتاريخ

لا تخرج قضية المرأة في أدبيات جماعة العدل والإحسان عن جوهرية الإنسان في مسلكه نحو التغيير الشامل، فالإنسان في فكر الأستاذ ياسين هو محور التغيير، أسه وأساسه، مادته وهدفه؛ تغيير يسعى إلى إقامة العدل بما هو مطلب دنيوي يحقق للإنسان المرأة والإنسان الرجل مطالبه في العيش الكريم، ولا يقف عند ذلك، بل يتعداه إلى تحقيق سعادته في بنائه الروحي ومقصده إلى الله عز وجل، فيكون التغيير شاملا لمطالب الدنيا وغير محدود بحدودها الضيقة، بل يتعدى إلى اللامحدود، إلى ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة، وإذ نحاول استخلاص مجمل ما أدلى به الاستاذ عبد السلام ياسين فيما يتعلق بقضية المرأة -التي يعالجها في إطار التجديد- نجد أن بضع صفحات لا تفي بالغرض ولا تسع الموضوع كله، لذلك سنحاول باحتشام شديد بسط بعض من الخطوط العريضة في هذا الصدد، نسأل الله تعالى ألا نبخس الموضوع حقه وألا نتجنى على فكر الأستاذ بفهم قد يحيد عن مقصده.
لن نخرج في بسط الموضوع عن ثلاث نقاط:
1- التشخيص
2- عقبات التغيير
3- مداخل التغيير
هي محددات عامة تنبني عليها قراءة جماعة العدل والإحسان لقضية المرأة بناء على فكر الأستاذ عبد السلام ياسين.

1- التشخيص

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “انحطت المرأة المسلمة بانحطاط المسلمين. بدأ الانحطاط منذ تدهور نظام الحكم من خلافة على منهاج النبوة إلى ملك عاض وراثي بمقتضاه ينتخب الوالد ولده ويعهد إليه أمر المسلمين يورثه إياه كبعض ما يورث من المتاع. ولم تلبث المرأة أن أصبحت سلعة في السوق وجارية في القصور وكما مهملا. حتى إذا جاء عصر اللاييكية عصر وكلاء الاستعمار يبشرها أنها دخلت عصر الحرية لتكون كمثيلاتها في الغرب سيدة جسدها انتحلت المغربات نحلة الغالب، فهن داعيات مناضلات بجنب حقوق الإنسان، أي حقوق المرأة في أن تنعتق من ربقة كانت فيها كما مهملا وسلعة.
كيف حصل هذا الانحدار دركا دون درك؟” 1.
قراءة هادئة متأنية تشخص واقع المرأة المسلمة من خلال تاريخها تنتهي بسؤال استنكاري يحمل بين جنباته كل الأجوبة الجريئة التي تضع الأصبع على مكمن الداء وأصل البلاء، فإذا كانت المرأة  عبر تاريخها لم تحتل المكانة المرموقة وتتحرر بوصفها إنسانا كامل الأهلية إلا في ظل الإسلام إبان عصره الذهبي في مرحلة النبوة والخلافة الراشدة، حيث انعتقت من كل العبوديات إلا لله تعالى، واعترف بأهليتها الكاملة في جميع أحوالها الاجتماعية والشخصية والسياسية… فإن هذه المكانة تسلل إليها الوهن والخلل زمن  الانحطاط، حين ابتعد المسلمون شيئا فشيئا عن منابع قوتهم؛ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فما الذي حدث في الأمة لتتدنى مكانة المرأة إلى الحضيض بعد أن كانت في قمة مجدها زمن النبوة كما أطلعنا على ذلك التاريخ؟ حتى إذا حصل لدينا الفهم الصحيح تجدد الوعي بأهمية دورها للنهوض بحال الأمة.
ما حدث نستحضر فيه عصور الانحطاط التي أعقبت نكبة الانقضاض على عروة الحكم من طرف سلاطين فتنوا بالدنيا وزينتها، وأي لذة أكبر من التباهي بعدد الجواري اللواتي ضاقت بهن جنبات القصور، فأصبحت المرأة سلعة مطلوبة في سوق النخاسة وعادت إلى الرق بعد أن حررها الإسلام، ومن ثم تغيرت نظرة المجتمع إليها، فقد أصبحت مصدرا للإغراء والمتعة بعد أن كانت من صناع مجد الأمة. فمحنة المرأة المسلمة إذن، ارتبطت ارتباطا وثيقا لا ينفك عن الخلفية التاريخية لفتنة الأمة وواقع الانكسار، وما أعقبه من مخرجات كان أبرزها فقه سد الذرائع الذي اعتبرها فتنة وجب حماية المجتمع منها بعد أن تلاشت التربية النبوية التي حصنت المؤمنين، فضاق الخناق حول المرأة التي باتت حبيسة الجدار والأمية، وباتت كما مهملا لا يلتفت إليه أحد، وضاقت حولها دائرة الظلم التي كسرت إرادتها وولدت لديها إحساس الدونية ففقدت الثقة بنفسها وبربها عز وجل.

2- عقبات التغيير

تشخيص لواقع المرأة المسلمة من خلال فكر الأستاذ ياسين، يظهر أنه خطوة أساسية للفهم قبل الولوج إلى مداخل التغيير الذي يجب أن تسبقه إرادة قوية للقفز فوق عقبات كأداء تعيقه، عقبات الواحدة منها نتيجة لسابقتها يمكن أن نلخصها في ثلاث:

1.2- ذهنية التقليد والجمود

ارتبطت بالقراءات الفقهية المذهبية الضيقة والتي تستند في معظمها إلى اجتهادات هي أقرب إلى الأعراف والتقاليد منها إلى سنة رحيمة حررت المرأة وجعلتها في صلب مشروع بناء الأمة، هذه القراءات كبلت إرادة المرأة وحالت دون استثمار مجهوداتها حين أحالتها كائنا منعزلا عن المجتمع لا رأي له ولا همة ولا مشاركة، فعطلت عملية البناء.

2.2- صدمة الاستعمار

لم يكن خطر الاستعمار منحصرا في التدخل العسكري الذي يهدف إلى استنزاف خيرات البلد وحسب، بل كان خطره الأكبر حربا على القيم والثقافة والمرجعيات، فقد غزى ليفرض خياراته على المجتمعات المسلمة التي تلقتها بالقبول والإذعان إذ كان المتفوق الذي يجب أن يحذى حذوه، متفوق غالب متفاخر بقوته يفرض نحلته على مغلوب سليب الإرادة منبهر بقوة غالبه، فقد الثقة في قيم باتت في نظره سببا لتخلفه وهزيمته، ومما راهن عليه الاستعمار موضوع المرأة مستهدفا بذلك تمزيق المجتمع واختراق مرجعياته، حيث أصبحت الجناية على واقع المرأة مرتبطة بدين الجدات الذي أقعدهن حبيسات البيت والأمية مهضومات الحقوق بلا كرامة ولا فعل ولا مشاركة.
وما لبثت المرأة المسلمة أن وجدت نفسها بين مطرقة الفقه المنحبس الجامد الذي يقعدها عن معالي الأمور، وسندان التغريب الذي يغرقها في الدوابية  وينزع عنها هويتها الإسلامية وفي أحيان كثيرة هويتها الإنسانية.

3.2- الرؤية التجزيئية

التي رافقت التحليل المرتبط بواقع المرأة والذي يفصله عن مطلب التغيير الشامل الذي يجعلها في صلب المشروع العام لإعادة بناء المجتمع، يخاطب إنسانيتها وفعاليتها وضرورة حضورها لارتباطه بمصير الأمة.
وعقلية التجزيء هاته كانت من تداعيات الاستعمار الذي وجه بوصلة القضية نحو المنطق الصراعي مع الرجل مستهدفا تفكيك حلقات المجتمع، وما هو إلا صراع وهمي يحرف مسار التغيير ولا يخدم إلا واقع الاستبداد ويكرسه.

3- مداخل التغيير

أما مداخل التغيير فقد تتعدد فيها الروافد، إلا أنها قد تجتمع في ثلاث مداخل أساسية:

1.3- المدخل السياسي

ولا ننتظر فيه أن يكون الاستبداد مبادرا إلى حل مجموع ما تعاني منه النساء، إذ أن وضعها ما هو إلا مخرج من مخرجاته، لذلك فالمدخل السياسي هو التقاء جميع جهود الفاضلات والفضلاء، وتكتلهم في جبهة وطنية من أجل فرض إرادة التغيير الشامل وما قضية المرأة إلا جزء منه. تكتل يسبقه الحوار الهادئ والجاد من أجل توسيع دائرة المشترك لمصلحة الوطن.
حوار أساسه النيات الصادقة، وآلياته النزول من برج المطلق إلى واقع النسبية، والتحرر من تحجر الفكر المتخندق داخل ترسانة عتيدة من المقولات التي تقطع سبل التواصل، تمجد الأنا وتشيطن الآخر، أما هدفه فهو الزحف نحو تضييق دائرة الاستبداد الجاثم على الصدور قرونا يرخي بظلاله المظلمة على مختلف جوانب الحياة، لمقاربة قضية المرأة مقاربة تجعل علاجها جزءا من مطلب التغيير الشامل.

2.3- المدخل الفقهي

لعل أكثر ما أساء للمرأة المسلمة هو جمود الفقه وضمور الاجتهاد، وانحباسه في خندق التقليد الذي ضيق مساحات المرأة في الفعل داخل دوائر التأثير، فعوض أن تكون مساهمة في البناء أصبحت هي ذاتها عبئا على الأمة. لذلك فضرورة الاجتهاد الفقهي اليوم أكثر إلحاحا من ذي قبل، شريطة أن يكون اجتهادا جماعيا وبعيدا عن المذهبية الضيقة، يتطلع إلى أعالي التاريخ وينهل مباشرة من كتاب الله تعالى وخادمته سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، التي حررت النساء من الاستبداد الذكوري حيث لم يكن شيئا يذكر لتحدث تحولا جذريا جعل المرأة في قلب المساهمة والبناء. اجتهاد يجيب على الأسئلة المؤرقة للقضايا الآنية ولا ينظر بعيون الموتى إلى واقع حي يتحرك كما عبر عن ذلك الأستاذ عبد السلام ياسين.

3.3- المدخل التربوي

وهو خيارات للمجتمع الذي قرر النهوض من كبوته التاريخية التي أدت به إلى الاندحار دركا بعد درك، يعيد فيها وبها الاعتبار للإنسان متجاوزا النظرة التي تقزم المرأة وتعتبرها في أحسن الأحوال جزءا ثانويا في عملية التغيير، وتسمو إلى النظر إليها بوصفها عاملا حاسما في المصير المشترك، إذ أن أمة تعاني التخلف والانحدار لهي أحوج إلى جهود جميع أبنائها وبناتها، إيمان راسخ يؤسس لأرضية صلبة منها ينطلق العمل الجماعي الذي يبنى على التكامل بين وظائف النساء والرجال سواء في الشأن الداخلي داخل الأسرة أو في الشأن العام وسط المجتمع، تتربى على ذلك الأجيال التي ساء تصورها لدور المرأة، وساء تبعا لذلك سلوكهم معها.
ولا شك أن المدخل التربوي هو أساس البناء والفعل التغييري وهو حجر الزاوية، فهو الأصل والباقي فروع تخضر وتزهو بمدى ثباته وتجدره في النفوس والعقول ليترجم تحريرا للإرادات التي تنطلق نحو العمل.


[1] تنوير المومنات ص:25 ج: 1.