المرأة بين سقطة التطبيع وإعداد جيل التحرير

Cover Image for المرأة بين سقطة التطبيع وإعداد جيل التحرير
نشر بتاريخ

شاركت الدكتورة حسناء قطني، عضو المكتب الوطني للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة وعضو ائتلاف المرأة العالمي لنصرة القدس وفلسطين، في لقاء تواصلي عن بعد حول موضوع “المرأة بين سقطة التطبيع وإعداد جيل التحرير”، يوم الثلاثاء 23 فبراير 2021. فيما يلي مداخلتها كاملة:


منطلقات

1- وجب التأكيد والتنبيه إلى مسألة مهمة وهي ألا نتصدى لموضوع “التطبيع” بنفسية المستسلم والمنهزم، نعم التطبيع مع الكيان الصهيوني قد أصبح الآن “واقعا”، ووتيرته لاشك تتسارع وتتوسع، والداعمين له والمطبلين يتكاثرون، لكن في المقابل يظل “التطبيع” خيانة، وهو مرفوض ومنبوذ من كل الشرفاء والمناضلين والفضلاء أفرادا وهيئات، سواء كانوا من داخل أمتنا العربية والإسلامية أو من خارجها.

2- أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت قضية جامعة، وعليه؛ فإن مطلب مناهضة التطبيع اليوم هو مطلب جامع يلتف حوله كل أحرار العالم على اختلاف أعراقهم ومشاربهم وانتماءاتهم الدينية والإديولوجية ومرجعياتهم الفكرية والسياسية. ولعل هذه المؤتمرات والندوات والفعاليات المنعقدة، وطنيا وإقليميا ودوليا، تتوحد على شعار: “جميعا من أجل مناهضة التطبيع”.

3- ضرورة الوعي بأن واجب الوقت الآن هو تقوية هذه الجبهة المناهضة للتطبيع، وذلك عبر تحصينها من كل ما من شأنه أن يخترق صرحها ويضعف شوكتها ويعيق أو يشل حركتها المجابهة للتطبيع بكل أشكاله.

من هو المستفيد الأول والأخير من سقطة التطبيع؟

إذا كان هدف “صفقة القرن” المشؤومة هو الإجهاز على القضية الفلسطينية، فإن التطبيع من أهم وأخطر مخرجاتها، على اعتبار أن الكيان الصهيوني سيحقق بالتطبيع ما لم يستطع تحقيقه بالحروب التي خاضها منذ عقود. والخطير الذي وجب التنبيه إليه، وأقصد هنا بالمناسبة “المطبعين لحسن نية” إن صح التعبير، أن التطبيع تهديد للاستقرار داخل بلداننا قبل أن يكون تهديدا وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني.

وسأكتفي في هذا المقام بحالة المغرب لنفهم جيدا حرص الكيان الصهيوني الشديد على إنجاح رهان التطبيع مع المغرب.

ففي مقال نشرته “جيروزاليم بوست الإسرائيلية” وعنونته بـ”المغرب.. جسر إسرائيل إلى العالم الإسلامي” كشفت عن الأهمية الخاصة التي توليها تل أبيب للتطبيع مع المغرب، لأنه بحسب وجهة نظرها هو الأكثر فائدة لإسرائيل من الناحية الاستراتيجية على المدى الطويل.

وقد حصرت هذه الأهمية في عوامل ثلاثة:

1- عامل البعد الجغرافي: بمعنى العلاقات التي ستجمعها مع المغرب ستكون متينة ومضمونة المآلات، لأن البعد الجغرافي يجعلها أقل عرضة لطبيعة الصراعات الإقليمية بالشرق الأوسط.

2- العامل التاريخي: والمتمثل في الوجود اليهودي بالمغرب منذ قرون، لأنهم يمثلون نسبة كبيرة من سكان إسرائيل (ثاني أكبر مجتمع في إسرائيل بعد المجتمع اليهودي الروسي).

3- العامل الاقتصادي: وهو نتيجة طبيعية للعاملين السابقين اللذين سيوفران “الاستقرار والأمان” للاستثمارات الإسرائيلية بالمغرب، بحيث تصبح المغرب سوقا إسرائيلية بامتياز.

هذا عن استفادة إسرائيل من التطبيع مع المغرب، فماذا سيستفيد المغرب في مقابل ذلك؟

1- على المستوى السياسي (السياسة الخارجية):

في مقال أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” رصد الكاتب بعض الجوانب الهشة في صفقات ترامب، فذهب إلى أن “إدارة بايدن ستحاول التراجع أو التخلي عن الأجزاء التي تتحدى الأعراف الدولية من صفقات التطبيع، كما في حالة سيادة المغرب على الصحراء”.

وفي تصريح أخير للناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية بشأن الصحراء، أشاد بكل وضوح بعلاقة المغرب بإسرائيل، لكنه في المقابل قال كلاما عاما حول قضية الصحراء، فلم يثبت قرار ترامب ولم ينفه، بل أكد على الموقف التقليدي لدعم مسار الأمم المتحدة في الموضوع.

2- على المستوى الاقتصادي: نتوقف عند بعض الأرقام:

الناتج الداخلي الإسرائيلي يبلغ حوالي 400 مليار دولار، بينما يصل الناتج الداخلي للمغرب 115 مليار دولار.

نصيب الفرد من الناتج الداخلي: بين 40 و45 ألف دولار في “إسرائيل”، بينما لا يتعدى في المغرب 3 آلاف دولار.

هذه إذن مؤشرات تؤكد أنه إذا كانت هناك علاقة اقتصادية بين المغرب وإسرائيل فهي علاقة غير متكافئة بتاتا، على اعتبار أن الاقتصاد الإسرائيلي يمثل كميا ما يمثل أربع مرات الاقتصاد المغربي.

كذلك إذا نظرنا إلى بنية الصادرات الإسرائيلية وبنية الصادرات المغربية؛ نجد أن “إسرائيل” لديها ما تصدره للمغرب، لأنها تمتلك صادرات ذات قيمة مضافة معرفيا وعلميا، ولها قيمة تجارية مهمة. في المقابل، المغرب ليس لديه ما يصدره، وحتى إن وجدت فهي غير مغرية للسوق الإسرائيلية.

إذن في جميع الأحوال سيميل ميزان الربح لصالح “إسرائيل”، ولن يستفيد المغرب إلا من نُتاف بسيط، والذي قد يضرنا أكثر مما ينفعنا، والدليل على ذلك أنه حين حدث تعاون مغربي-إسرائيلي منذ عقود في المجال الفلاحي، استورد المغرب مرضا خبيثا أصاب الطماطم، وخسر بذلك عدة أسواق خارجية.

3- على المستوى التربوي والتعليمي:

لم يكد يمر أقل من شهرين على توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل حتى سمعنا عن مباحثات هاتفية أجريت بين وزير التربية الوطنية وأحد وزراء الكيان الصهيوني تحكي عن تفاصيل الشراكة التي ستعقد بين الوزارتين المعنيتين، يأتي على رأسها: إدراج ما سمي بـ”التراث اليهودي” في المنهاج الدراسي المغرب انطلاقا من الموسم الدراسي القادم، وإقامة علاقة توأمة بين مدارس ثانوية، وإجراء مسابقات تعليمية بالعربية والعبرية، وتنظيم عروض موسيقية وفنية في عيد “الميمونا”، وكذا تبادل الوفود الطلابية، وتنظيم جولات دراسية في فلسطين المحتلة والمغرب لتعميق العلاقات الدبلوماسية.

أكيد أن هذا الهدف المعلن عنه يخفي وراءه أهدافا وغايات أخرى غير معلنة؛ تستهدف بالدرجة الأولى عقول الناشئة بغية تخريج أجيال ممسوخة الهوية، لا تعرف عدوها، لأنها تلقت مناهج ومقررات تعليمية مزورة لحقائق التاريخ والجغرافيا.

المرأة وصناعة جيل التحرير

لعل أخطر مستويات التطبيع هو التطبيع التعليمي والتربوي والثقافي، لأنه يستهدف إعادة صياغة العقلية العربية والإسلامية في اتجاه محو الذاكرة المقاومة للكيان الصهيوني، وتحويلها طوعا وكرها للقبول وتقبل العدو الصهيوني صديقا.

إن التطبيع التربوي التعليمي هو حرب حقيقية لا تقل خطورة عن الحرب العسكرية، وعلى المجتمع ومؤسساته الحية استنفار الجهود لمواجهتها ابتداء من الأسرة، أي بالضمن مسؤولية المرأة، حيث أصبحت مسؤوليتها مضاعفة بعد أن تصبح المدرسة هي من تتولى المسخ الفكري والتربوي.