من لا بواكي لهن و”كورونا”

Cover Image for من لا بواكي لهن و”كورونا”
نشر بتاريخ

يضرب العالم فيروس ميكروسكوبي من عائلة التاجيات المسمى “كوفيد 19” في ظرفية اقتصادية عالمية يلفها الكثير من الضبابية والغموض، فيحصد أرواحا بالآلاف، وقفت عاجزة أعتى الدول عن صد انتشاره أو وقف تداعياته لا على مستوى أرواح مواطنيها التي تتهاوى ولا على مستوى اقتصادها الذي ينهار. ولم تجد بدا إلا أن تقوم ببعض الإجراءات الفورية للحفاظ على الأرواح أن تزهق على يد هذا العدو الفتاك، لن أدخل في قراءات لولبية حول من صنعه ولصالح من وهل هو من طور نفسه لينتقل للبشر أم هناك أياد آثمة طورته في عقر المختبر، لأن الأيام القادمة كفيلة بكشف المستور، ما يهمني هو تداعيات هذا الفايروس الذي هزم أو كاد اقتصاديات عالمية عاتية، فكيف بالدول النامية التي لا تمتلك أدنى مقومات خوض هذه الحرب الشرسة؟

انتقل هذا الفيروس العابر للقارات إلى بلدنا الحبيب المغرب وسجلت أول إصابة فيه، وتتوالى تسجيل الإصابات إلى يومنا هذا وبوتيرة تصاعدية. وفي خطوة استباقية للحد من تفشي الوباء، اتخذ المغرب تدابير عدة جندت لها سواعد الغيورين على هذا البلد من أطباء وأطر الصحة ودركيين ورجال سلطة وأعوانهم ورجال تعليم وإداريين وهيئات المجتمع المدني برمتها ومتطوعين، كل القوى مشكورة تداعت لأجل الوطن وانخرطت للحد من انتشار الوباء.

الكل متفق أن أقوى ما نستقوي به لصد هذا الوباء أو على الأقل تحجيم خسائره هو “الحجر الصحي”، هو الاختيار الأنجع والذي سلكته بعض الدول فاستطاعت بفضله التخفيف من أضرار الفيروس حيث جندت له كل الوسائل التكنولوجية واللوجستيكية والبشرية لإنجاحه. هذا الاختيار يضع الدول بين المطرقة والسندان: مطرقة انهيار الاقتصاد وسندان ضياع الأرواح بالجملة، فمن اختار الحجر الصحي فقد اختار الإنسان، وهذه شجاعة لا نظير لها خصوصا بالنسبة للدول التي تتواجد على حافة الغرق ويشكو اقتصادها من الركود كالمغرب الذي يعرف عجزا اجتماعيا مهولا، الأكثر إثارة للقلق، إذ أن معدل البطالة يطال رسميا حسب المندوبية السامية للتخطيط أزيد من   1.168.000في بلد يعرف نموا مطردا للساكنة النشيطة، وحالة هشاشة تشمل أكثر من نصف الساكنة (حسب تقرير البنك الدولي).

نعم هو إجراء شجاع لكن يبقى خداجا إذا لم يرفق بقرارات لا تقل جرأة عنه بالنظر إلى الأوضاع السوسيواقتصادية التي تعيشها فئات عريضة من الشعب، وحمايتهم من آثار الجائحة وخاصة النساء المتواجدات في أحزمة الفقر ودوائر الهشاشة، والتي تتحمل وزر الحجر مضاعفا، إذ إن الأرقام الحالية والتي ترسم وضع المرأة القاتم مخيفة للغاية، وسيزيدها هذا الحجر قتامة بل سيدفعها إلى الهاوية إن لم يُتدارك الوضع، وإن لم تسخر كل الوسائل الضرورية لحمايتهن من تفاقم الوضع الهش.

وسنستعرض بعض الأرقام هنا للتذكير بهذا الوضع الذي يتطلب حلولا استعجالية وأكثر واقعية تتماشى والوضع الراهن، حتى نحافظ على سلامة الأسر، ونحفظ ماء الوجه، ونساهم في انخراط المواطنين وعلى رأسهم النساء اللواتي يرعين الأسر في عزمة الحجر الصحي وتخليص الوطن من الكارثة لا قدر الله. من المعلوم أن عدد النساء يقدر بحوالي 17.67 مليون، أي أكثر بقليل من نصف سكان المغرب، وأبرزت المندوبية السامية للتخطيط أن واحدة من كل ستة أسر تـرأسها امرأة، ولفتت المندوبية، أن اثنتان من كل ثلاث نساء ربات الأسر مطلقات أو أرامل، إذ بلغت نسبتهما من بين النساء اللواتي يرأسن أسر 55 %، وسجلت الأرقام أن 30 % منهن تلج سوق الشغل. وتتوزع النساء النشيطات على المستوى الوطني، بقطاع “الفلاحة والغابات والصيد”، حيث يشغل 46,9 %من مجموع النساء النشيطات المشتغلات.  ويأتي قطاع “الخدمات” كثاني قطاع مشغل للنساء بنسبة%38,5 ، متبوعا بقطاع “الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية” بنسبة %14.

بهذا التوزيع يتبين أن قطاع الفلاحة وقطاع الخدمات هما أكثر القطاعات المستقطبة للنساء، فهل نتوفر على إحصاء مضبوط لعدد النساء المشغلات، وكيف هي ظروفهن في ظل أوضاع الجائحة؟ هل من تدابير واضحة وآنية لسد الخصاص المادي لهذه الفئة من النساء؟ سيقول قائل أن الدولة قد اتخذت تدبيرا بإزاء النساء المتوفرات على رقم التسجيل في صندوق الضمان الاجتماعي والذي يقتضي صرف 2000 درهم لكل من توقف عن العمل. مبلغ زهيد لا يكاد يفي بالغرض من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأرقام تشير إلى أن النساء اللواتي يشتغلن في القطاع المهيكل في الوسط القروي ,898% منهن ومـا يربـو علـى النصـف فـي الوسـط الحضـري 53,3% لا يتوفـرن علـى أي تغطيـة طبيـة حسب تقرير المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي (الصادر في نونبر 2014).

كما تجدر الإشارة بالنسبة للقطاع غير المهيكل، كما جاء في التقرير الأخير لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة بعنوان “المرأة والرجل في الاقتصاد غير المهيكل”، أن نسبة العمالة الإجمالية تصل إلى 79.9% بالمغرب، وهذا يفسر كون الولـوج الضعيـف للنسـاء إلـى سـوق الشـغل المهيـكل يـؤدي إلـى ضعـف تغطيتهـن الاجتماعية، وفـي مجـال التأميـن عـن المـرض تصـل النسـبة إلـى 18.5% للذكـور، مقابـل 8.5 % للإنـاث.

أرقام تظهر حجم الهشاشة بالمقارنة مع ضعف التدابير المتخذة لحماية هاته الفئات في وضع مؤزوم ينذر بفشل تدبير الأزمة. فمن يدافع عن هؤلاء النساء؟ من يخفف آلامهن ويحمل عنهن الكلَّ؟ هل للقطاعات الوزارية تصور واضح لحجم الكارثة؟ هل من تخطيط محكم حتى لا نضع هؤلاء النساء في فوهة انفجار وشيك عنوانه “ندبر على القوت ومرحبا بالموت”؟

تدابير محتشمة وغموض يكتنف كيفية تدبير المرحلة، وعلى رأسها صندوق التبرعات الذي أحدث للوقوف في وجه الجائحة، رغم ما قيل عن تخصيص جزء منه لدعم النفقات المتعلقة بالحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة، إلا أنه يبقى كلاما ضبابيا أمام الحاجيات الملحة للأسر التي تنتظر قوت يومها.