انطلاق صاروخ القسام 2 نقلة نوعية إستراتيجية في أداء وتكتيكات المقاومة الفلسطينية فرضت نفسها على الساحتين العسكرية والإعلامية، فرغم البساطة التي تميز هذا التكتيك، ورغم ما تعاني منه القضية الفلسطينية من تأزم لم تشهده منذ عشرات السنين فإن للأمر صدى كبيرا لا يخفيه العدو في تصريحاته، وبعدما كنا نتحدث عن ميكانيكا النبلة وعن أنواع الحجارة بين مستو ومدبب وبعد ما كنا نحكي قصصا فدائية أبطالها الكلب والحمار والنبيطة.. فنحن الآن نتحدث عن إطلاق صاروخ “البنا” الذي أطلقته كتائب القسام الجناح العسكري لحماس الأحد 7-4-2002 لأول مرة في جنين، وصاروخ “القدس-1” الذي أعلنت عنه سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد لأول مرة يوم السبت 6-4-2002، وتأتي بين الحين والآخر قذائف الهاون وRBJ لتصدم العدو وتصيبه بالذهول.
القسام-2 يثير الذعر
صواريخ القسام 2 ورغم بدائية الصواريخ التي يصنعها أبطال الانتفاضة منزليا، فإن أثرها على العدو واضح وجلي، فصاروخ مثل القسام-2 تصفه الـ times البريطانية بأنه: الصاروخ البدائي الذي قد يغير الشرق الأوسط. وتصفه الـ CNN الأمريكية بأنه الورقة الشرسة في الشرق الأوسط. وتقول مراسلة الـ CNN بأن الأمر “غير واضح” كيف يمكن لهذه الصواريخ البدائية أن تؤثر في التوازن العسكري الإسرائيلي الفلسطيني، وتجعل هذه القوة العالية تقف عاجزة بلا حيلة. أما الـ BBC فتقول بأنه نقلة إستراتيجية تنخر في القوة العسكرية الإسرائيلية الفائقة. أما بن أليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي فيقول: إنه مستوى جديد من التهديد.
وصاروخ القسام هو صاروخ مدفعي بدائي مُصنَّع يدويا في البيوت الفلسطينية تقدر الـ CNN مداه بـ 8 كم، وتؤكد حماس على صفحات موقعها على الإنترنت أن مداه من 8 إلى 12 كم. وهو عبارة عن قذيفة طولها 6 أقدام (180 سم تقريبا)، مصنعة من مزيج من السكر، الزيت، الكحول والأسمدة العضوية، وهو الخطوة الأكثر خطورة من القسام -1 الذي كان يتمتع بمدى أقصر، وكان يسهل اتباعه.
ينطلق الصاروخ من أنبوبة حوالي متر في طولها و120 ملم في وسعها، ويستخدم من 4 إلى 6 كجم متفجرات لإطلاقه، ويتم ضبطه من بُعد، وهو ما يحمي المقاتلين من رد فعل إسرائيلي على موقع الانطلاق.
يستطيع صاروخ القسام- 2 أن يصل إلى قلب المستوطنات في ثوان، ويعتبره البعض أخطر من صواريخ سكود العراقية حيث لا ترصده الأقمار الصناعية، ولم تستطع قوات الاحتلال أن تقـوم بأكثـر من تركيب صفارات للإنذار المبكر على طول الخط الأخضر في قطاع غزة (نقلا عن حماس).
وقال مسافرون فلسطينيون عند معبر بيت حانون شمال إسرائيل بأنهم سمعوا صفارات للإنذار، ثم بعد ذلك جاءت الأنباء عن سقوط صاروخين من طراز القسام -2 داخل الخط الأخضر.
ميركافا الأسطورة.. تتحطم
الدبابة أميركافا.. أسطورة تتحطم ولم يكتف المقاومون باستخدام تلك الصواريخ ضد العدو الغاشم بل صعدوا القتال بمحاولة تدمير أسطورة آلة الحرب الإسرائيلية الحصن المصفح دبابة الميركافا، ففي مساء خميس أسود في غزة المرابطة تحطمت أول دبابة من نوع ميركافا 3 على أيدي المقاومة الإسلامية حيث دمرت الدبابة بالكامل وقتل طاقمها المكون من ثلاثة جنود.. وكثرت التفسيرات العسكرية والسيناريوهات لكيفية حدوث هذا رغم كل ما يحصن تلك الدبابة من وسائل حماية، وكان أحد تلك السيناريوهات أنه قام مجموعة من المقاومة بتصويب البنادق تجاه الدبابة، بعد أن زرع المقاومون في طريق الدبابة عبوة ناسفة، تقدر وزارة الدفاع الإسرائيلية كتلتها بـ 100 كجم من المتفجرات تكفلت باختراق المركبة، وقلبها على جنبها وتفجير برج الدبابة بالكامل، ورغم بساطة هذا السيناريو فإن أسطورية هذا الحصن هدمت تماماً بعد تحطم ثاني دبابة على يد المقاومة.
والدبابة ميركافا 3 أو M-3 التي بدأت عملها في 1990 هي أكثر دبابة حماية في العالم، وعدد المتوافر منها سواء من طراز M-2 أو M-3 في الجيش الصهيوني يقدر بالألف دبابة.
السلاح الرئيسي للميركافـا- 3 هو مسدس 120 ملم مزود بغطاء حراري يزيد من حمايتها ضد الحرارة والصدمات، وهناك 50 طلقة عيار 120 ملم في مخزن ذخيرة المسدس الرئيسي، وقد بدل برج الميركافا-3 تماماً ببرج مغاير لميركافا 1 و2 الذي كان لا يتمتع بحماية أكيدة وكان معرضاً لأخطار الحرائق؛ فالجزء الأمامي من البرج زود بدروع إضافية لحماية أكبر من الصواريخ المضادة للدبابات والنصف السفلي يتحصن بسلاسل منيعة تتحطم عليها الصواريخ قبل دخولها إلى محيط الدبابة، كما أن هناك دروعا قوية رغم خفتها لحماية العجل ومسارات الدبابة، وتم تبديل النظام الهيدروليكي في ميركافا – 3 بنظام إليكتروني وكهربائي متكامل زيادة في الحماية والأمان، كما زودت الدبابة بنظام تحذير عالي الجودة يعمل بالليزر ويظهر أي خطر قادم للقائد في كبينته وجهزت محطة ضابط المدفعية بقناة تليفزيونية ومتعقب للهدف أتوماتيكي يعمل ليلاً ونهاراً يستطيع أن يحدد قدرة المقاتل التي تواجهه، وباستخدام الليزر يظهر أمام الضابط مدى الرؤية.
ورغم فداحة كارثة تدمير هذا الصرح المحصن على الجانب الإسرائيلي فإن الكارثة النفسية تعد أعمق وأكبر أثراً من الكارثة العسكرية كما تقول الـBBC التي وصفت العملية بأنها انفجار شديد في “رمز العسكرية الإسرائيلية”.
قذائف الهاون والآر، بي، جيه RBJ
أما عن قذائف الهاون التي تُلقى على المستوطنات بين الحين والآخر فحدّث ولا حرج، فقد سقطت على إسرائيل ما يقرب من 160 قذيفة هاون منذ بداية الانتفاضة العام الماضي (CNN) وسقط 13 قتيلا بسببها.. ويحاول العدو البحث بجدية عن أماكن هذه القذائف ويدعي كل فترة وأخرى بأنه وجد مكاناً جديدا لتصنيعها، كما ذكرت CNN حينما أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف على مصنع شمال غزة ادعى تصنيعه لقذائف الهاون، وقذيفة الهاون هي أقرب ما يكون لقنبلة ثقيلة وهي عبارة عن عبوة عالية الانفجار مصممة للوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها من قبل القوات الأرضية.
أما R.B.J. الذي أطلق مؤخراً في غزة منذ أيام فهو صاروخ موجه بموجات الراديو.. يستطيع الانطلاق بزاوية منحدرة (من 30 إلى 40 درجة)، ويتم التحكم بنظام الراديو في اتجاه الطيران وانحداره وعملية الدفع.
كما طالعتنا الصحف اليهودية أنه تم الاستيلاء على أنواع عديدة من البنادق في هجومها على مبنى الأمن الوقائي الفلسطيني أثناء اجتياحها لرام الله (40 بندقية هجومية من نوع M16، وخمس من البنادق الصغيرة المسماة بـ M16 Carbines القربينية، و21 بندقية صيد، و3 مدافع رشاشة، و93 كلاشنكوف، و2 بندقية آلية، و3 قطع من نوع العقرب، و58 مسدسا يدويا)، ورغم حزننا على كل سلاح يقع في يد العدو وبرغم عدم دقة المصدر ونقائه، فإن ما يسعدنا أن هذه الأنواع هي الآن على أرض فلسطين بشكل أو بآخر.
مصيدة الموت
وهكذا ستستمر الانتفاضة معلنة كل يوم عن تطور جديد في صفوفها.. هذه الانتفاضة المباركة التي حظيت بأسماء عديده يطلقها العدو بنفسه.. فهي المسماه بـ “مصيدة الموت” و”رقصة الموت” و”حرب الاستنزاف”، بل استشهد من 2 إلى 3 فلسطينيين مقابل 1 قتيل إسرائيلي في هذه الانتفاضة وبعملية حسابية بسيطة تدخل عامل القوة العسكرية نجد أن التفوق الفلسطيني كان أقوى.
ولم يكن شارون ليعلم حين قرر أن يدنس ساحة المسجد الاقصى أن مصائد الموت قد نصبت له بأشكال متنوعة تزداد كل يوم روعة في أدائها.. ورغم الحصار.. ورغم المآسي التي تدمي القلب.. ورغم المحن القاسية يخرج بصيص من نور وأمل يربت على القلوب الحزينة، ويعلن لكل ذي لب أن المحنة تزيدنا ثقة بأن النصر حليفًا لفتيان الحجارة.. الكبار.. بإذن من الله تعالى.