سمي العيد عيدا لعوده وتكرره، وقيل لأنه يعود كل عام بفرح مجدد، وقيل تفاؤلا بعوده على من أدركه.
حكمة العيد
وقد شرع الله العيد لحكمة جليلة عظيمة، فبالنسبة لعيد الفطر يكون الناس قد أدوا فريضة من فرائض الإسلام وهي الصيام، فجعل الله لهم يوم عيد يفرحون فيه إظهارا لهذا العيد وشكرا لله على هذه النعمة فيفرحون لأنهم تخلصوا من الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها، وفرحا بنعمة المغفرة ورفع الدرجات وزيادة الحسنات والنجاة من النار.
وأما عيد الأضحى فإنه يأتي في ختام عشر ذي الحجة التي يسن الإكثار فيها من الطاعات، وفيها يوم عرفة الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر ذنوب سنتين، وأما الحجاج الواقفين بعرفة فإن الله تعالى يطلع عليهم ويشهد ملائكته بأنه قد غفر لهم ذنوبهم.
وأضحية العيد سنة مؤكدة يكره تركها مع القدرة عليها، ولها من الفضل الخير الكثير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهدار الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا” (أخرجه الترمذي والبيهقي).
العيد في بيت النبوة
كان البيت النبوي وما حوله يشهد مظاهر الاحتفال بالعيد على مرأى ومسمع من سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان الجميع يعبر عن فرحته بالعيد، ويحرص أن تكون احتفاليته تلك بمشهد من النبي الكريم، حبا وشوقا وتكريما له عليه الصلاة والسلام، تحدثنا عن ذلك أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: “دخل علي رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث. فاضطجع على الفراش وحول وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “دعهما”، فلما غفل غمزتهما فخرجا” (رواه البخاري). وفي رواية أخرى تقول: وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي وإما قال: “تشتهين تنظرين؟” فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: “دونكم يا بني أرفده، حتى إذا مللت قال حسبك. قلت: نعم، قال: فاذهبي” (رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري).
وفي موضع آخر تنشأ احتفالية بهيجة بالعيد تولى شأنها عدد من الأطفال في أناشيد رائعة وبديعة في مدح سيد الأنام. تقول أمنا عائشة: كان رسول الله جالسا، فسمعنا لغطا وصوت صبيان، فقام رسول الله، فإذا حبشية تزفن (تتمايل وتلعب) والصبيان حولها، فقال: يا عائشة تعالي فانظري، فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعت؟ أما شبعت؟ قالت فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر، قالت فارفض (انفض وانصرف) الناس عنها. قالت: فقال رسول الله: “إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر. قالت: فرجعت” (رواه الترمذي).
استنبط العلماء مما تقدم فوائد كثيرة، منها مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع مما يحصل من بسط النفس واليد وترويح البدن. وإذا كان الشخص بسبب كبره أو مكانته وورعه ووقاره لا يميل إلى الترويح والترفيه وهذا لائق به، إلا أن الآخرين وخاصة الأهل والأولاد ومنهم من في مقتبل العمر يحبون ذلك ويميلون إليه، فينبغي أن يمكنوا من هذه الرغبة الفطرية في إطار ما أباحته الشريعة.
وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين، ولذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم غناء الجاريتين الصغيرتين ولم يمنعهما بل أقرهما، بل إن النبي لما سمع أبا بكر يريد منعهما قال: “دعهما”، وفي رواية أخرى قال: “يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا”، وفي رواية في مسند الإمام أحمد أنه قال: “لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بالحنفية السمحة”، وما كان ليباح في العيد ما هو حرام في غيره.
ولذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقول: “فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو” (أخرجه ابن حبان)، أي قدروا رغبتها في ذلك إلى أن تنتهي الواحدة منا وتقضي نهمتها من ذلك.
بيد أن انشغال الشخص باللهو والترفيه لا ينبغي أن ينسينا واجباتنا، ولا أن يتسبب في إيذاء أحد من الناس.
والعيد في منهاجنا لا ينبغي أن يكون احتفالا فرديا بعيدا عن الجماعة والأمة، بل هو فرح الأمة جمعاء، ولذا جاءت الشريعة مؤكدة أن يكون الفرح والابتهاج للجميع. بداية بأحق الناس وهما الوالدان وانتهاء بغيرهما ممن تربطك بهم علاقة رحم أو صحبة أو قرابة أو محبة، وقد وفر الإسلام أحد مقومات الفرح لكل أفراد المجتمع المسلم ألا وهو الطعام في صبيحة عيد الفطر وعيد الأضحى مما يتوفر من زكاة الفطر ولحوم الأضاحي.
يوم الزينة والتجمل
والعيد يوم لباس وزينة وتجمل، وموسم سرور وفرح وحبور، ولذلك يتسابق الناس في العيد لإطعام الفقراء قبل صلاة الفطر وبعد صلاة عيد الأضحى، حتى لا يبقى بيت أهله جياع، ويشترون الجديد والأنيق من الثياب والملبوسات.
والعيد وسيلة لتواصل الأقارب والأصدقاء وصلة الأرحام واجتماع العوائل، وفرصة لتصافي النفوس وإزالة ما علق بها من غبار الدنيا، وفرصة عظيمة ليتوافق مكنون القلب مع ما يظهر على المحيا من الابتسامة والصفاء.
والعيد فرصة لإسعاد الأطفال الذين لا يحلو عيد بدونهم فهم أجمل معاني العيد، ولتجديد الحب بين الرجل وزوجته، وإحياء معاني العشرة الطيبة والمودة والرحمة، خصوصا إن كان تم جفوة أو انقطاع. فلا مناص من حسن استقباله بكل خير ولهو مباح، وبما يجمع ولا يفرق والمعروف من ألوان المباهج والزينة.
وينبغي أن نستغل هذه الفرصة التي تكون النفوس مهيأة ولها قابلية واستعداد للتصافي والتسامح وصلة الأرحام وجبر القلوب المنكسرة ومد جسور المحبة والتواصل، فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها تستغل موقفا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في أرقى ما يكون العبد بين يدي ربه فتقول: “لما رأيت رسول الله طيب النفس، قلت: يا رسول الله ادع لي. قال: اللهم اغفر ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت. فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيسرك دعائي؟ فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك، فقال: والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة”. الله أكبر.
الأضحية سنة نبينا إبراهيم
يظلم بعض الناس هذا النسك العظيم عندما يحصره في ذبح أضحية العيد ليأكل منها ويتصدق، لكنه أعمق من ذلك بكثير، إنما شرعت هذه الأضحية لإحياء سنة أبينا إبراهيم الخليل، هذا النبي الذي عزم على ذبح ولده ثمرة فؤاده وسويداء قلبه بسبب رؤيا رآها في المنام يأمره الله تعالى أن يذبح ولده، فلم يقل لماذا، ولا كيف، أو متى، ولكنه في الحال توجه إلى ولده البار ودار بينهما حوار يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
فكانت الاستجابة السريعة لتلبية أمر الله (افعل ما تؤمر)، فما دام قد أمر بالذبح فهو الرحمة بعينها، وهو الشفقة والحنان، كل الحنان.
إن الأضحية هنا رمز، والرمز يحمل في طياته معان كثيرة وجمة، فهي تمثل لإبراهيم عليه السلام ذبح أغلى ما يملك وأفضل ما يحب من أجل الله تعالى، وذلك ليخرج من قلبه كل شهوة وكل حب سوى الله تعالى، فهل نفطن إلى هذا الدرس ونذبح كل شهواتنا وحظ النفس إذا تعارض مع مراد الله تعالى؟
إنها وقفة مع النفس لمحاسبتها ومعاتبتها وتخليصها من كل ما علق بها من شوائب، قال تعالى: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين (الحج، 37).
توجيهات تربوية لأبنائنا استعدادا لعيد الأضحى
قبل العيد
* التعرف على قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام والحكمة من تشريع الأضحية وما يتعلق بها من نسك.
* اجتمع أخي المربي، أختي المربية، مع أفراد أسرتك وقم بمدارسة فضل الأيام العشر من ذي الحجة وكيف أنها جمعت أمهات العبادات.
* اصطحاب الأبناء لشراء خروف العيد.
* احك لابنك قصة سيدنا إبراهيم عليه وعلى أنبياء الله السلام، وتدارسها معه في طريقك لشراء أضحية العيد.
* أخبر ابنك أن الله تعالى شرع الأضحية إحياءً لسنة سيدنا إبراهيم، وتوسعة على الناس في يوم العيد.
* قم بمدارسة صفة صلاة العيد، وما يتعلق بها من آداب وأحكام.
يوم العيد
* علم أبناءك التهنئة يوم العيد بقولك: تقبل الله منا ومنك، أو ما يقوم مقامها.
* تحدث معهم عن شروط الأضحية.
* اجمع أسرتك لمشاهدة خروف العيد.
* اطلب من أبنائك أن يحضروا ماء وطعاما للخروف.
* انتهز الفرصة لإعطاء أبنائك معلومات مفصلة عن الخروف؛ ماذا يغطي جسمه؟ كيف يتكيف مع حرارة جسمه؟ ما يستفاد من الخروف؟..
* حافظ على صلاة العيد في المصلى، واصطحب معك جميع أهل بيتك، وأظهر اعتزازك بإسلامك وسمتك وزينتك.
* أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله، فأكثر من التهليل والتكبير والتحميد.
* حافظ على نظافة المكان والحي، وتخلص من مخلفات الأضحية بطريقة سليمة (هيئ أكياس بلاستيكية صديقة للبيئة كبيرة مبكرا)، فالنظافة من الإيمان وإماطة الأذى صدقة.