1- تعريف الزكاة
الزكاة في اللغة: النماء والزيادة، يقال: (زكا) الزرع والأرض (1).
وقوله تعالى: وَتُزَكِّيهِم بِهَا قالوا: تطهرهم بها (2).
وقوله تعالى: قد أفلح من زكاها (الشمس، 9).
والزكاة شرعا: هي نصيب مقدر شرعا من مال معين يصرف لطائفة مخصوصة.
زكاة الفطر: أي زكاة الإفطار، أضيفت له لأنه سببها، وذكر في بعض الروايات في البخاري (زكاة الفطر من رمضان).
2- حكم الزكاة
هي فريضة على كل مسلم استوفى شروطها.
قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (التوبة، 103).
وقال سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (المزمل، 20).
وقال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) (3).
حكم زكاة الفطر
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن زكاة الفطر من رمضان واجبة وجوبا عينيا على كل مسلم، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير ، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) (4).
وفسروا (فرض) بمعنى أوجب.
3- الحكمة من مشروعيتها
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) (5).
هذا الحديث يبين لنا الحكمة من وجوب زكاة الفطر؛ إذ إنها تطهر صيام المؤمن مما علق به من اللغو والرفث وفحش الكلام الذي يصعب عليه التحرز منه، ليرتفع صيامه طاهرا كاملا إلى رب العزة جل جلاله، وكذا إطعام ومواساة المساكين ليشاركوا إخوانهم الأغنياء فرحتهم بالعيد.
يقول الإمام النووي في المجموع عن وكيع بن الجراح رحمه الله، يقول وكيع: (زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة) (6).
4- شروط وجوب زكاة الفطر
ويشترط لوجوب أدائها شرطان:
أولا: الإسلام: وهذا الشرط محل اتفاق بين العلماء.
ثانيا: أن يكون قادرا على إخراج زكاة الفطر؛ اتفق أهل العلم في أنه لا بد من توافر القدرة فيمن يجب عليه إخراج زكاة الفطر، لأن غير القادر مرفوع عنه الحرج لقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (البقرة، 286).
5- على من تجب زكاة الفطر
تجب على كل أعيان المسلمين، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، حرا أو عبدا، لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه.
واتفق فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة على أن المسلم يؤدي زكاة الفطر عن نفسه وعن من تجب عليه نفقتهم كالزوجة والأبناء والوالدين والعبد إذا لم يكن لهم مال يخرجونها منه، مع اختلاف يسير بينهم في بعض التفاصيل.
6- مقدارها وأنواع ما تخرج منه
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: (كنا نخرج زكاة الفِطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت) (7).
وبهذا الحديث استدل أهل العلم بأن زكاة الفطر مقدارها صاعا من غالب قوت أهل البلد، بمعنى الطعام الأكثر استهلاكا عند أهل البلد؛ إن كان قمحا أو أرزا أو شعيرا أو غيره مما يكون أساسا لطعام الناس في بلد معين.
والصاع: أربعة أمداد، والمد: حفنة بكفي رجل معتدل، وما يعادله بالوزن: حوالي (2.500 كلغ) هو محل إِجزاء وكفاية بإجماع الأئمة والفقهاء، رحمهم الله جميعا.
7- حكم إخراج زكاة الفطر نقدا
اختلف الفقهاء في مسألة إخراجها نقدا على مذهبين: وذلك تبعا للنظر والاستدلال بالنصوص الشرعية الواردة في هذا الباب؛ إما من جهة التنصيص على الأصناف المذكورة حصرا، أو الأخذ بالمقاصد العامة لزكاة الفطر؛ وهي مواساة الفقير وإدخال السرور عليه في يوم العيد.
الأول: وهذا الرأي قال به جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، يرى بأن زكاة الفطر قربة وعبادة لله عز وجل نص الشارع الحكيم على كيفية إخراجها ومقدارها وأنواع ما تخرج منه، ويجب لزوم أحكامها لما فيه من أسرار وفوائد اجتماعية.
الثاني: وهو رأي قال به بعض علماء التابعين، ومن بعدهم؛ كعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة، وذلك نظرا منهم إلى المقصد الشرعي من فرضها فرضا عينيا على كل المسلمين، وهو إغناء الفقراء في يوم العيد وإسعادهم. ولا شك أن القيمة النقدية أنفع للفقير حيث يمكنه أن يقتني ما هو بحاجته ليوم العيد، الذي قد يكون مختلفا عن أصنافها المذكورة في الأحاديث، وهو ما ذهب إليه أكثر الفقهاء المعاصرين ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي وعلل ذلك بأن رسول الله فرضها طعاما لأن ذلك كان أيسر للمزكي وأنفع للفقير، وأما وقد اختلف الأمر في زماننا فإن الأفضل للفقير والأيسر للمزكي والأنفع لتعدد واختلاف حاجيات الناس عن زمن النبوة هو إعطاء قيمتها نقدا. والله تعالى أعلى وأعلم.
والقيمة النقدية لمن يريد إخراجها نقدا هو ثمن الصاع من غالب قوت بلده وذلك بحسب أسعار وقت إخراجها.
8- مصارف زكاة الفطر
اختلف الفقهاء في من يجب إعطاؤه زكاة الفطر على رأيين:
الأول: أنها تعطى لكل الأصناف الثمانية المذكورين في الآية الكريمة إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْعَٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة، 60).
وهو رأي قال به جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة.
الثاني: أن زكاة الفطر خاصة بالفقراء والمساكين ولا يجوز دفعها لباقي مصارف زكاة المال، لما جاء في حديث ابن عباس: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين) وذلك أن الحديث خصصها للمساكين دون غيرهم.
9- وقت وجوب زكاة الفطر
اختلف الفقهاء في وقت وجوبها على قولين:
الأول: عند الحنفية والمالكية؛ أنها تجب بعد طلوع فجر يوم العيد.
والثاني: عند الشافعية وبعض المالكية؛ وهو أنها تجب بعد غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، وهو القول الراجح.
وينبني على هذا الاختلاف بعض الأحكام الخاصة بمن توفي أو ولد بعد غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، حيث إنه بحسب الرأي الأول من ولد أو مات بعد غروب اليوم الأخير من رمضان تجب عليه زكاة الفطر، أما بحسب الرأي الثاني فمن ولد أو مات بعده فلا تجب عليه لأنه غير موجود وقت وجوبها.
أما وقت أدائها فأفضله بعد الفجر إلى ما قبل صلاة العيد، وذلك للحديث الذي جاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولما جاء عن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم: (… من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) (8).
واتفق الفقهاء على أنها لا تسقط بخروج وقتها لأنها وجبت في الذمة لمستحقيها، ويلزم إخراجها قضاء من بعد الصلاة فصاعدا مع الكراهة.
أما وقت الجواز فهو قبل يوم العيد بيوم أو يومين لما روي عن ابن عمر أنه كان يخرجها قبل يوم الفطر بيوم أو يومين.
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
(1) المصباح المنير (254).
(2) مختار الصحاح (155).
(3) رواه البخاري (1/9) – ومسلم (20/21)، كتاب الإيمان.
(4) رواه البخاري (1504) – ومسلم (984) – والنسائي (5/48).
(5) رواه أبو داوود (1609) – وابن ماجة (1827).
(6) المجموع النووي (6/140).
(7) رواه البخاري (73/76) – ومسلم (17/19).
(8) رواه أبوداود (1609) – وابن ماجة (1827) وصححه الحاكم.