ما أشبه اليوم بالأمس، في بداية الدعوة كُذِّبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأوذيَ أشد الأذى، ورُمِيَ بالحجارة من أهل الطائف حتى أُدميت قدماه الشريفتان، فصبر رسول الله واحتسب وفوّض الأمر إلى الله، فلا ناصر إلا هو سبحانه، فجاءت معجزة الإسراء والمعراج مواساةً لرسول الله وتسلية له. والأمة اليوم تُحيي ذكرى الإسراء والمعراج لتأخذ من بركات ونور هذا الحدث العظيم، ولعلّ الصبر على المحن واليقين في النصر والتمكين، من المعاني الخالدة لهذا الحدث العظيم.
ولعل الصلاة بماهي صلة بالله، ووقوف بين يديه وسجودٌ وركوع له سبحانه، وافتقار إليه، هي الوسيلة الأساس لصبر النفس والمصابرة على المحن والشدائد، وبها يتزوّد القلب باليقين التام في النصر والتمكين.
فُرضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق رحلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة خمسون صلاة، ثم جعلها الله عزوجل خمس صلوات في اليوم والليلة رحمة بأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كانت رحلة الإسراء والمعراج كما يقول العلماء مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتخفيفا عنه لما عاناه من محن وشدائد، فإن الصلاة هدية الله لرسوله ومن خلاله لأمته وللإنسانية جمعاء، لمن آمن منهم بالله ورسوله، وهي موعد يومي مع الله يتكرر خمس مرات يقف فيها العبد أمام ربه، مفتقرا بين يديه، طامعا في مغفرته، راجيا رضاه، فيتخفف العبد من هموم الدنيا ومشاغلها ومشاكلها ويزداد إيمانا ويقينا في أن التوفيق والنصر منه وحده، فيطمئن القلب ويسكن ويرتاح، لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يحضر وقت الصلاة يقول لسيدنا بلال رضي الله عنه: “أرحنا بها يا بلال”.
أُسري بخير خلق الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعُرِجَ به من المسجد الأقصى إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى، حيث القربُ من الله تعالى، وحيث الاصطفاء، وحيث المكانة العلية والدرجة الرفيعة، وحيث يتغير حال العبد من حزن وأفق مظلم وضيق في الصد، إلى فرح ورحابة صدر وشساعة أُفق…
والصلاة سيرٌ إلى المسجد، سير ومشي مأجور مبارك، والسير في الظلام أمثل وأكثر أجرا، جالبٌ للنور والسرور، جالب للنور التام غدا يوم القيامة. الصلاة وقوف بين يدي الله ومعراج إليه بالقلب، والقرب منه سبحانه، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فكلما سجد العبد وافتقر وخضع لله رب العالمين، كلما ارتقى وصعد إلى جناب القرب منه سبحانه، وكلما امتلأ القلب إيمانا ونورا، إلا وازداد الصدر رحابة، والأفق شساعة، وامتلأ الوجه ضياء وبشرا.
لمكانة خير خلق الله صلى الله عليه وسلم رفعه الله من خلال معجزة الإسراء والمعراج إلى سدرة المنتهى حيث مقام القرب… ولعظمة الصلاة وأهميتها ومكانتها من الدين فرضها الله في هذا المقام، في هذا اللقاء المباشر، حيث يكلم الله عزوجل نبيه ومصطفاه من خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس بينهما ترجمان.
إذا كانت قصة الإسراء والمعراج معجزة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، لمواساته والتخفيف عنه لما عاناه من محن وشدائد، حتى يزداد يقينا في موعود الله ونصره وتمكينه، ويتلذذ بنعمة القرب منه، وكلامه والسجود بين يديه، فإن الصلاة بما هي صلة بالله ووقوف بين يديه فهي اصطفاء واختيار وكرامة عامة لكل من آمن بالله ورسوله واتبع هداه وسار على نهجه واقتفى أثره. بها ومن خلالها يتخلص العبد المؤمن من كل الضغوط والمحن والشدائد، بها يزداد يقينا وتصديقا بأمر الله، في حضرتها يكلم العبد مولاه يستغفره ويتوب إليه ويطلب منه الخير كله.
إن الصلاة في حقيقتها وجوهرها هي إسراء ومعراج، فالإسراء من أسرى، وهو السير ليلاً، وذهب جُمهور اللُّغويين إلى أنّ سرى وأسرى بمعنى واحد، وفي صلاتي العشاء والصبح، يكون السير ليلا إلى المسجد وهو سير مبارك، فيه خير كثير وأجر وفير أخبرنا به رسول الله في أكثر من حديث، كما أن المعراج من العُروج؛ وهو الصُعود، والأصل منه عَرَجَ يعرُج؛ إذا صعد، والمعراج: هو الدرج أو السُّلم الذي يُصعدُ به إلى السماء. وفي الصلاة يصعد قلب المؤمن إلى مولاه في خشوع تام واستحضار كامل لعظمة من يقف أمامه، وافتقار بين يديه وتذلل وتمسكُن، واستمطار لرحمة الله تعالى وطمع في رضاه.
الصلاة صلة بالله وانقطاع عن هموم الدنيا ومشاغلها ومحنها وشدائدها، الصلاة طمأنينة وسكينة وراحة وسعادة.
اللهم اجعل الصلاة قرّة أعيننا وراحة وسكينة وطمأنينة لقلوبنا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول لسيدنا بلال عندما يحضر وقت الصلاة: “أرحنا بها يا بلال”.