المرأة في الاحاديث النبوية
عديدة هي الاحاديث الضعيفة وحتى الموضوعة التي تغض من قدر المرأة وتمعن في تهميشها ،ولكنني سأركز على حديثين صحيحين مشهورين يستعملان كسلاح لاخراج المرأة من الحياة العامة ومنها الحياة السياسية، أولهما حديث رواه عبد الله بن عباس يقول “انخسفت الشمس..فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياما طويلا… ثمّ انصرف وقد تجلّت الشمس فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الشمس والقمر آيتان لايخسفان لموت أحد ولالحياته، فاذا رأيتم ذلك فاذكروا الله”. قالوا يارسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثمّ رأيناك كعكعت. قال صلى الله عليه وسلم إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أصبته لاكلتم منه مابقيت الدنيا. ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء”، قالوا: بم يارسول الله؟ قال: “بكفرهن” ، قيل يكفرن بالله؟ قال: ” يكفرن العشير ويكفرن الاحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثمّ رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط” رواه البخاري ومسلم.
وثانيهما الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ : وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ ؟ قَالَ : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ؟ قَالَ : أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ : فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي ، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ” . الحديثين صحيحين لذلك لن نناقش مضمونهما –وأنى لنا ذلك- بل فهومات الناس المختلفة للحديثين وبشكل خاص علاقة الحديثين بمشاركة المرأة السياسية . يشير الحديث الاول والثاني أن النساء أكثر أهل النار بسبب اللعن وكفران العشير، فإذا كانت هاتين الصفتين خاصية بعض النساء وليس كلهن، أليس بامكانهن الانتهاء إن عرفن خطورة ذلك؟ و لماذا يفعلن ذلك أساسا؟ ما الذي يفسر ارتباط هاتين الصفتين بكثير من النساء؟ ما نستطيع تفهمه أن المرأة بسبب ضعفها تكون أكثر توترا وعصبية أثناء الخصومات الزوجية، فإن كان شريكها فظا غليظ القلب لا تسعد معه، فقد لاتجرأ على رفع الصوت أمامه ناهيك عن إظهار توترها وصراخها ولعنها، وإن فعلت فلتمنيها أن تنتهي علاقتها المشؤومة معه إذ هي غير قادرة على إنهائها على اعتبار أن العصمة في يد الرجل. وإن كانت العلاقة مع الزوج حسنة فقد تتوتر المرأة وتصرخ في وجهه أحيانا لاسباب مختلفة – وقد كان يحدث ذلك مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه-، فإن عاندها ولم يرضها قد تكفر العشير و تطلب الطلاق؟ ! !
فهل تريد المرأة الطلاق حقا في هذه الحالة؟ لا ! !، إنها من حيث تشعر أو لاتشعر تريد أن تضع محبة زوجها وارتباطه بها في الميزان بعد الخصومة، فإن سايرها وطلقها تحزن أشد الحزن، ليس بسبب الطلاق فقط، وإنما لاكتشافها أن ارتباط زوجها بها هشّ لدرجة أنه قرّر الانفصال عنها لسبب بسيط وهو أنها طلبت ذلك! !.
نفسية المرأة التي يعلمها خالقها سبحانه، ولعل ذلك تفسير لحديث جاء في صحيح مسلم”
اسْتَوْصُوا بالنساء خيرا، فإن المرأةَ خُلقت من ضِلَع، وإن أعوجَ ما في الضِّلَع أعلاه، فإِن ذهبتَ تُقيمُهُ كسرتَهُ، وإِن تركتَهُ لم يزلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساء”
فهل ستكون النساء أكثر أهل النار بسبب نفسيتهن التي أودعها الله فيهن؟ وهل هذا قدر لا يناقش أم هو قابل للتغيير إن انتهت المرأة عن اللعن وكفران العشير؟ نصح النبي – صلى الله عليه وسلم – النساء بالصدقة والاستغفار كي لا يدخلن النار دليل على نفي الجبر، فسبب دخول النار هو أعمال الإنسان الموجبة لدخول النار، وسبب عدم دخول النار هو فعل الأعمال التي تبعد الإنسان عن النار، فالأعمال مرتبطة بالإنسان نفسه وأنه المحاسب عليها إن خيراً فخير أو شراً فشر.
اللعن وكفران العشير من الذنوب العظام التي ينبغي لكثير من النساء التحرر منها، وهن قادرات على ذلك بالوعي والتفقه، فعلم النفس يؤكد أن صفات نفسية وسلوكية كثيرة يمكن تقويمها بالوعي والتدرب، كما يؤكد هذا العلم حاجة الازواج للتقدير والتشجيع على أفعالهم الحسنة وما يقدموه من معروف، لما فيه من اعتراف بالفضل والجميل، مما يزيد في قوة الترابط والمودة والتراحم بين الزوجين، ويدل على حرص الإسلام على استقرار الحياة الزوجية.
الصدقة والاستغفار أعمال صالحة منجية من النار للنساء والرجال معا، وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو للصدقة وفي سورة البقرة بشكل خاص، فلماذا دعوة النساء على وجه الخصوص بأسلوب غاية في الشدة واليوم يوم عيد كما يذكر المحدثون، هذا مع العلم أن القوة المالية عبر التاريخ الاسلامي قبل خروج المرأة للعمل في الحقبة المعاصرة كانت مع الرجل، ونساء قليلات كن يمتلكن المال لانتمائهن لعائلات ثرية؟.
نختم هذه الفقرة بطرح تساؤلين مشروعين : هل تستطيع المرأة التغيير في مجتمعها إن كانت غير قادرة على تغيير ما بنفسها وإصلاح بيتها؟ وهل تستطيع المرأة المشاركة في العمل السياسي والتغيير في مجتمع يرى أنها قرينة الشيطان وأنها حصب جهنم؟. أعجبني في سياق تصحيح هذه النظرة اجتهاد الداعية محمود المصري في شرح الحديث خلاصته أن النساء إن كنّ أكثر أهل النار فهنّ أكثر أهل الجنة كذلك، لانهن سيضاعفن عدد الرجال بخمسين مرة كما يدل على ذلك حديث آخر حول أحوال آخر الزمان، وهذا يعني أنهن أكثر أهل النار ولكن ليس أغلبية النساء في النار. اجتهاد عالم بمقابلة الاحاديث بعضها ببعض، والغاية نبيلة: منح نساء المسلمين ثقة أكبر في أنفسهن وفي دينهن وتحفيزهن على العمل الصالح، وتعمق في فهم الحديث وعدم الوقوف عند المنطوق . ما أحوجنا إلى مثل هذه الاجتهادات .
الحديث الثاني يطرح فكرة نقصان المرأة من الناحية العقلية والدينية، والحديث من حيث الصياغة ليس فيه تقرير لقاعدة عامة أو حكم عام، وإنما هو أقرب إلى التعبير عن تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التناقض القائم في ظاهرة تغلب النساء وفيهن ضعف على الرجال ذوي الحزم، فهو أقرب إلى البسط والمزاح، وليس له ما يدعمه في أحاديث أخرى .
ومن حيث المعنى لايستقيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخلاقه الرفيعة التي شهد له بها رب العزّة يعمد إلى إهانة وتحقير النساء في يوم عيد، فأسلوب الحديث يفهم منه المدح والرضى كما لو قال شخص لآخر: “مع أنك أضعف من هذا الشخص إلا أنك غلبته” أو “مع أنك حديث السن إلا أنك بحر في العلم” فهل هذا يعد ذما أم تعجبا و مدحا؟!!
كثير من العلماء تعاملوا مع الحديث على أنه حكم عام وراحوا يحاولون تفسير نقصان عقل المرأة ودينها، منها قولهم أن المرأة ناقصة عقل بسبب غيابها عن مواطن النزاع والخصومات، فهل انشغال المرأة في مهمة أساسية وشريفة هي رعاية الاسرة والابناء يجعلها ناقصة عقل، فهل كان عليها أن تترك حصنها وتحضر مواطن النزاع حتى يتمّ عقلها؟ والآن وقد خرجت نساء كثر لحلبة النزاع والسياسة وأصبحن وزيرات ومستشارات وقاضيات، هل انتفى الحكم بانتفاء السبب؟ وهل هذا الحكم يتعلق بالمرأة المسلمة أو بنساء العالمين؟. أما نقصان الدين فشرح الحديث يدلّ أنها لاتحاسب على هذا النقص ولاتلام، ولعل الحديث الاول يشرح سبب نقصان دينها أي اللعن وكفران العشير وقد ناقشناه سابقا.
ومن العلماء من حاول الانصاف واعتبر أن عقل المرأة كاملا فيما كلفت به وناقصا فيما لم تكلف به . فهل مجال المشاركة السياسية مما لم تكلف به المرأة؟ وهل يعتبر هذا المجال فرض كفاية إذا قام به الرجال سقط عن النساء؟
وإذا افترضنا جدلا أن المرأة ناقصة عقل ولا يحق لها تبعا لذلك القيام بالمهمات الصعبة في مجتمعها – وإن كانت مهمة تربية الاجيال أصعب المهمات- وحبسها بين الجدران، فإن ذلك أدعى لزيادة ضمور عقلها وتراجع نشاطها العقلي ” إن الحياة الرتيبة المنعزلة وراء جدران البيت هو أمر خطر على حياة المرأة وحياة الاسرة وحياة المجتمع كله. إنه خطر يكاد يذهب بعقل المرأة كله، وتكاد تصبح معه كالسائمة لاتملك من أمرها شيئا ولا تدري ما يجري حولها شيئا” .
للعلماء والباحثين أن يجتهدوا أكثر في فهم وتأويل الحديث المذكور، لكن ذلك لا يخدش القوة العقلية للمرأة وقدرتها على القيام بمهمات مختلفة، أولاها مهمة رعاية الاسرة، وبعدها ومعها مهمات من أجل نهضة مجتمعها، وقد أشار الاستاذ ياسين إلى بعض الاحاديث التي تستعمل لطرد المرأة من الحياة السياسية كحديث “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته….والمرأة راعية في بيت زوجها…” وأوضح أن معنى الكلمات تتغير من نظام علمي إلى آخر فتفقد مغزاها كما هو الحال مع مصطلح “مسؤول”، ونختم بقولته المأثورة رحمه الله “…مسؤوليتها في البيت سنّة قرأناها، ومسؤوليتها خارجه قرآن نقرأه في قوله تعالى” والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض” الآية .