ما هو العناد؟
العناد هو نزعة الطفل لمعارضة الوالدين، وتأكيد مواقف له تتعارض مع مواقفهما ورغباتهما وأوامرهما، أي أنه يعارض معارضة واضحة لإرادتهما تترجم من خلال حالة من الجمود أو الرفض المنتظم والثابت، أو ميل جارف إلى الجدل الذي لا ينتهي.
هل كل تصرف يعبر عن الرفض يعتبر عنادا؟
يعتبر بعض الوالدين كل مظهر استفسار أو رفض من قبل الطفل عنادا مرضيا، وهذا الاعتبار ليس صحيحا على الإطلاق، فالطفل له حرية التعبير، وإذا عبر عن رأيه بطريقة تخالف أفكار الوالدين، فهذا لا يعني أنه عنيد وأنه يعصي الأوامر. ذلك أن مرحلته الطفولية – كما أكدت ذلك مجموعة من الأبحاث والدراسات – يجب أن لا تخلو من هذا النوع من السلوك؛ ككثرة الأسئلة والمناقشة والتعليل والرفض.. الذي غالبا ما يزعج الوالدين فيطلبان من ابنهما أن يكف عن ذلك ويطيع أوامرهما دون مناقشة، وهذا يؤدي إلى ضعف الإرادة وإلى الخضوع والخنوع في المراحل التالية من عمر الطفل.
ما هي أسباب العناد؟
يندرج العناد ضمن العديد من المشكلات التي تعترض تربية الطفل، والتي ترجع أسبابها غالبا إلى الطريقة التي يتعامل بها الأب والأم مع ابنهما، وما يرافق هذه الطريقة من أوامر يطبعها أحيانا العنف والإجبار على أداء بعض الواجبات دون مراعاة قدراته واختياراته ورغباته.
قد تكون أوامر الوالدين، وكل ما يريدان من ابنهما تطبيقه منطقية وفي مصلحة الطفل، لكن الطفل بطبيعة مرحلته وطبيعة ميولاته يراها غير ضرورية في تلك اللحظة، أو ليست لها أهمية، أو أنها لا تلامس حاجياته ولا تلبي رغباته. فتخلق هذه النظرة المتباينة للأمور جوا من التصادم والعناد.
ومن أبرز أسباب العناد ما يلي:
– فرض قيود صارمة وأوامر لا بد أن تنفذ
هذا النوع من التربية الذي يهدف إلى تحقيق رغبات الوالدين الشخصية على حساب ذاتية الطفل وكيانه، من شأنه أن يحطم نفسية الطفل ويدفعه للعناد.
فبعض الوالدين تدفعهم صرامتهم وإحساسهم بالسلطة على الابن إلى التدخل في أمور الطفل كلها، دون احترام رغباته وأفكاره. فتراهم يتدخلون في مأكله ومشربه ولباسه ولعبه وأصدقائه والبرامج التلفزيونية… بمعنى أنهم يريدون تسيير حياة الطفل وفقا لرغباتهم وأحلامهم دون الأخذ بعين الاعتبار ميولاته وذوقه الخاص.
وقد أكد علم النفس التربوي على احترام شخصية الطفل واحترام ذوقه الخاص – في حدود الإطار التربوي – في اختيار نوع الطعام الذي يحبه واللباس الذي يرتاح فيه والألوان التي يفضلها.. وإن أراد الوالدان من ابنهما تلبية أمر ما، فالحوار أنسب طريقة لذلك بدل الإكراه الذي تكون عاقبته العناد والنفور والتوتر.
– عدم إعطاء أهمية للطفل
مظاهر إهمال الوالدين لأهمية الطفل كثيرة منها: رفضهم لمجموعة من طلباته التي يود الحصول عليها ضمن حقوقه الطبيعية، عدم قبولهم اللعب مع الأصدقاء بشكل قطعي، أو عدم إيلاء أهمية لأسئلته التي يريد أن يكتشف من خلاها أمورا غامضة لديه… وكل هذه الممنوعات والمحظورات وغيرها توحي للطفل بأنه “لا شيء”، لذلك لن يتوانى عن الرد على هذا الرفض من قبل والديه بالعناد كتعبير مضاد.
إنها معادلة سهلة جدا؛ فهم يرفضون طلباته وهو يرفض طلباتهم، لهذا لا يحق للوالدين في هذه الحالة أن يتخذوا العقاب حلا، لأن هذا الأخير من شأنه أن يزيد من حدة عناد الطفل ورفضه.
– الغيرة الأخوية
تعتبر الغيرة الأخوية أحد الأسباب المؤدية إلى ظهور العديد من الاضطرابات السلوكية عند الطفل، والعناد مظهر منها. كما تظهر بسبب الغيرة اضطرابات نفسية أخرى، كالتأتأة وقضم الأظافر، والنكوص إلى مرحلة كان الطفل قد تخطاها من قبل؛ كالتبول اللاإرادي ورفض الاعتماد على ذاته في أبسط الأشياء..
وقد تنطلق هذه الغيرة من خوف الطفل من خسارة حب والديه، فهو يغار من أخيه الأصغر الذي أصبح يحظى بمكانة كبيرة عند والديه، وهذا يحصل لدى العديد من الأطفال الذين تزدان أسرهم بمولود جديد، خاصة عند الطفل غير الواثق من حب والديه بسبب عدم إظهار محبتهما له.
– قمع رغبة الطفل بالاستقلال
الطفل في نمو مستمر، وكل مرحلة من مراحل نموه لها خصائصها ومتطلباتها، وقد يصل إلى مرحلة يريد أن يحقق فيها ذاته ويستقل نسبيا عن مساعدة والديه وإخوته، فيريد أن يعتمد على قدراته في بعض الأمور كالأكل وحده مثلا، وارتداء ملابسه دون مساعدة، وحمل محفظته وإن كانت ثقيلة – خاصة أطفال المستويات الأولى وبالأخص منهم ذوي البنية الضعيفة – فالطفل دائما يحس بأنه كبير. لكن معارضة الوالدين لمثل هذه المبادرات الصغيرة التي يريد الطفل أن يحقق فيها ذاته قد تؤدي به إلى الغضب والقلق واعتماد أسلوب الرفض.
وأخيرا نقول لكل أم وأب أن العناد ليس مرضا نفسيا، ولا هو بمشكلة خطيرة، ولكنه قد يتحول إلى مشكلة إذا لم يدرك الوالدين أسبابه وكيفية التعامل معه.