أسرى فلسطين.. أما آن للقيد أن ينكسر

Cover Image for أسرى فلسطين.. أما آن للقيد أن ينكسر
نشر بتاريخ

تنظم الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة الحملة الوطنية للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائلية تحت شعار أسرى فلسطين.. أما آن للقيد أن ينكسر)، وهي مناسبة لتسليط الضوء على معاناة طويلة يكتوي بنارها عدد من أبناء الشعب الفلسطيني المجاهد، وهي دليل واحد على قمة الإجرام الصهيوني وجبروته، فخلال سنوات النضال الطويلة التي يقودها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، لم يترك الصهاينة أية وسيلة إلا واستخدموها في عمليات الاعتقال العشوائية والجماعية، ودون تمييز بين كبير وصغير، أو بين ذكر وأنثى، أو مريض ومعافى، في محاولة لردع الشعب الفلسطيني وكسر إرادته وصموده المنقطع النظير.

الحملة مناسبة لفضح المعاناة الخطيرة التي يعيشها أزيد من 6000 أسير فلسطيني من مختلف مناطق فلسطين في الضفة وفي القطاع وفي الجزء المحتل من فلسطين سنة 1948 في سجون الصهاينة التي يبلغ عددها 21 سجنا، ولتسليط الضوء على جريمة في حق أحرار فلسطين وفي حق الإنسانية جمعاء، والظروف القاسية التي يكتوي بلظاها مجموع الأسرى والأسيرات، أمام تجاهل تام لقضيتهم على المستوى العربي والدولي.

ملف الأسرى الفلسطينيين فرصة لكشف زيف الشعارات البراقة التي ترفعها المؤسسات الدولية وهي تتبجح بدفاعها عن حقوق الإنسان، وهي قضية يجب أن تتصدر الاهتمام الداخلي والخارجي إلى أن يعود كل فلسطيني إلى أسرته وبيته وأرضه، فمن باب إنصاف الأسرى يجب أن تتوحد جميع القوى الفلسطينية والفصائل الوطنية وتجعل من صلب اهتمامها تحرير كل الأسرى والمعتقلين، يجب أن يتعاطى الكل مع القضية بما تستحق من اهتمام وتهمم، ومن خلال برامج عمل ومخططات واضحة، يجب أن يتجاوز الجميع واقع اللامبالاة، إلى واقع إلى القيام بخطوات جريئة ومسؤولة وشجاعة.

تعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين من أكبر القضايا الإنسانية والسياسية والقانونية في عصرنا الحالي، خاصة أن أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني قد دخل السجون على مدار سنوات الصراع الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث يقدر عدد حالات الاعتقال في صفوف أبناء الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 ب 800.000 حالة اعتقال، أي ما نسبته 25% من أبناء الشعب الفلسطيني، في واحدة من أكبر عمليات الاعتقال التي شهدها التاريخ المعاصر، وقد كانت سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت عام 1987، وسنوات الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000، من أصعب المراحل التاريخية التي تعرض فيها الشعب الفلسطيني لعمليات اعتقال عشوائية طالت الآلاف من أبناء وبنات هذا الشعب، إذ قدر عدد حالات الاعتقال اليومية التي حدثت في المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية بين 500 إلى 700 حالة اعتقال شهريا، وهي نسبة عالية جداً مقارنة بالسنوات التي سبقت اندلاع الانتفاضتين.

إن قضية الاعتقال مرتبطة بعملية النضال والكفاح المتواصل للشعب الفلسطيني المتطلع للحرية والعدل والكرامة والقضاء على الاحتلال الصهيوني، ولهذا السبب فقد طالت عملية الاعتقال المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته ولم يسلم بيت فلسطيني إلا واعتقل أحد من أبنائه أو بناته، وقضية الأسرى هي قضية شعب ومجتمع متطلع إلى الحياة الإنسانية الكريمة والمستقبل المنشود دون معاناة أو قيود.

ونحن إذ نحتفل بصمود الأسرى ومقاومتهم الباسلة للاحتلال الصهيوني من داخل المعتقلات والسجون، نقول لابد للقيد أن ينكسر مهما طال الزمن أو قصر بالرغم عن أنف السجان وغطرسته، وانتهاكاته الجسيمة التي أذكر صورا منها:

أولا: الاعتداء عليهم منذ لحظة اعتقالهم وأثناء خضوعهم للاستجواب: تشير التقارير الحقوقية أن ما نسبته 90% من مجمل المعتقلين تعرضوا للتعذيب القاسي والإساءة من قبل المحققين والجيش الإسرائيلي، إذ يشمل التعذيب أصنافا مختلفة، مثل الضرب والاعتداء بشكل وحشي وهمجي على الأسرى أثناء اعتقالهم وقبل نقلهم إلى مراكز التحقيق والتوقيف، بالإضافة إلى إجبارهم على خلع ملابسهم وتركهم لساعات طويلة في البرد القارس وتركهم مكبلي الأيدي والأرجل وحرمانهم من استعمال المراحيض.

وعند وصول الأسرى إلى أقبية التحقيق ومراكز التوقيف المنتشرة في “إسرائيل”، فإنهم يتعرضون لتحقيق قاس، مثل الحرمان من النوم لمدة تزيد عن الأسبوع والحرمان من لقاء المحامي والشبح على الكرسي ووضع الكيس المتعفن على الرأس والتهديد بالقتل وهدم المنزل ومعاقبة العائلة باعتقال الزوجة والأم في محاولة لإجبار الأسرى على الاعتراف، إضافة إلى العزل في زنازين انفرادية لمدة طويلة، وكل ذلك يصاحبه اعتداء بالضرب المبرح على جميع أنحاء الجسم والحرمان من العلاج الطبي إذا كان الأسير مريضا أو مصاباً بالرصاص الحيّ.

ثانيا: الاعتداء على الأسرى داخل السجون وفرض عقوبات قاسية بحقهم: تستخدم إدارة السجون العنف تجاه المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من وقت لآخر، بحيث يجري الاعتداء على المعتقلين باستخدام قنابل الغاز والقنابل الصوتية والحارقة، إضافة إلى استخدام الهراوات والعصي ردا على احتجاجات الأسرى لتحسين شروط حياتهم الإنسانية أو تحت مبررات وذرائع أمنية، ونتيجة هذه الاعتداءات أصيب المئات من الأسرى بجروح ورضوض واختناقات إضافة إلى حرق خيامهم وأغراضهم الشخصية.

ثالثا: تركيب ألواح زجاجية عازلة في غرف الزيارات: شرعت مصلحة السجون خلال السنوات الأخيرة بتركيب ألواح زجاجية عازلة في غرف زيارات المعتقلين إضافة إلى الشباك المعدني، وتم تركيب أجهزة هاتف ليجري الحديث بين الأسير وذويه عبرها، وهو ما يحول دون توفير زيارة إنسانية سليمة بين الأسير وعائلته حيث لا يظهر المتزاورون عبر الشباك بوضوح ولا يتسنى للأسير رؤية أطفاله أو حتى مصافحتهم وان كان عبر أصابع اليد سابقاً من خلال الثقوب.

رابعا: سياسة التفتيش العاري للأسرى وذويهم: يتمثل ذلك بسياسة التفتيشات الجسدية وإجبار المعتقلين على التعرية بحجة أسباب أمنية، إضافة إلى إجبار المعتقلين على خلع كافة ملابسهم لإجراء التفتيشات أثناء عودتهم من المحكمة أو قدومهم من سجن آخر، والأسير الذي يرفض ذلك يتم الاعتداء عليه بالضرب وزجه في زنازين انفرادية، كما أن هذه السياسة تطبق على أهالي الأسرى أثناء الزيارة، إذ تقوم مصلحة السجون بإجبار أهالي الأسرى على التفتيش المهين أثناء ذهابهم لزيارة أبنائهم الأسرى.

خامسا: اقتحام غرف المعتقلين بشكل استفزازي: حيث تقوم قوات السجن باقتحام غرف الأسرى حتى في ساعات متأخرة من الليل بحجة إجراء تفتيشات فيها، وقيام القوات التي تقتحم غرف الأسرى بالعبث بأغراض الأسرى الشخصية وقلبها فوق بعضها البعض… وهي سياسة تستهدف إرهاق المعتقلين والضغط عليهم عصبياً ونفسياً وحرمانهم من الاستقرار والراحة حتى أثناء نومهم.

سادسا: تقليصات في المواد الحياتية والأساسية: بدأت إدارة السجون خلال السنوات الأخيرة بتقليص المواد الأساسية المقدمة للأسرى إلى أكثر من النصف وجاء ذلك إثر التخفيضات التي أقرتها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، وشملت هذه التقليصات الملابس والمواد الغذائية وشفرات الحلاقة والصابون، والدخان ومعجون الأسنان وكذلك شملت التقليصات مواد التنظيف.

سابعا: فرض الغرامات المالية على الأسرى: شرعت إدارة السجون بتطبيق سياسة جديدة على المعتقلين الفلسطينيين وتزايدت بشكل ملحوظ خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتتمثل هذه السياسة بعقاب الأسير الفلسطيني بدفع غرامات مالية مصحوبة بسلسلة أخرى من العقوبات والإجراءات القمعية، وذلك لأبسط الأسباب وبدون مبررات قانونية وإنسانية، حيث تتراوح الغرامات العقابية على الأسرى ما بين 300 و800 شيكل يتم خصمها من حساب الأسير الشخصي، يرافق ذلك عقوبات أخرى مثل الحبس في زنزانة انفرادية، الحرمان من زيارة الأهل، الحرمان من التعليم الجامعي، عدم السماح بالخروج إلى ساحة النزهة، وغير ذلك.

ثامنا: سجون تفتقد للمقومات الإنسانية: يعاني الأسرى داخل السجون من شروط حياة قاسية حيث تفتقد أماكن الاحتجاز التي يعيشون فيها لأبسط مقومات الحياة الإنسانية، متمثلة بالازدحام والاكتظاظ الشديدين واضطرار الأسرى للنوم على الأرض، وعدم وجود أغطية كافية وتعرضهم للبرد الشديد أو الحر الشديد، إضافة إلى قلة مواد التنظيف وعدم وجود الماء الساخن، وانتشار الأمراض الجلدية على أجسام المعتقلين إضافة إلى انتشار الحشرات والجرذان داخل السجون وانكشاف مرافق الصرف الصحي، ويشتكي الأسرى في بعض السجون من النظام الذي لا يسمح من خلاله لهم باستعمال المراحيض سوى مرتين أو ثلاثة يومياً مما يضطرهم لقضاء حاجاتهم في براميل أو زجاجات داخل الغرف.

تاسعا: النظام القضائي الإسرائيلي وسياسة فرض الأحكام العالية والغرامات: إن سياسة القضاء الإسرائيلي هي سياسة رادعة لا أسس قضائية أو معايير قانونية لها، إذ تطبق إسرائيل في محاكماتها للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين أحكام قانون الطوارئ البريطاني لسنة 1945. كما أن تعليمات الشاباك الإسرائيلي هي التي تتحكم بمصير المعتقلين، وأغلبية الأسرى تفرض عليهم غرامات مالية عالية إضافة إلى الحكم بالسجن الفعلي ووقف التنفيذ، وتكاد لا تخلو جلسة محكمة عسكرية تصدر أحكاما على الأسرى من غرامة مالية باهظة لتتحمل عائلة الأسير تسديدها، وفي حال عدم دفعها فإنها تستبدل بالسجن مما يضيف أعباء اقتصادية كبيرة على ذوي المعتقلين الذين يضطرون لدفع هذه الغرامات، وبعضهم يلجأ إلى استدانة المبلغ وبعض الأسرى لا يستطيع ذووه دفع الغرامة المالية مما يعني أنه سيقضي مدة إضافية في السجن…

غير أن ما يفرح إزاء كل هذه الخروقات التي تم ذكرها هو الصمود الأسطوري الذي قادته الحركة الأسيرة من داخل السجون والمعتقلات الصهيونية، التي لا يسعنا إلا أن نوجه لها تحية وفاء وتقدير واعتزاز، إلى كل أسير وأسيرة وإلى ذوي كل الأسرى، لنقول لهم بصوت مرتفع أنتم الأمل رغم عتمة السجن وقيد السجان، أنتم غدنا المشرق وبكم وبصمودكم سينكسر القيد ويهزم الجلاد.