إن استشعار المؤمن لفريضة الدعوة إلى الله، يبعث في نفسه الهمة للعمل والحرص على التنفيذ، وذلك يعني أنه لا تراخٍ في الفريضة ولا نكوص عن أداء هذا الواجب، عملا بقول الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل: 125). لكن هذا الواجب يتأسس على تربية متينة متكاملة، وبناء جماعة مجاهدة 1، واقتحام عقبات الطريق، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، مركزا على الشباب: “إننا بحاجة لبناء أمة، والشباب يكونون في مجتمعنا المفتونة جيشا من العاطلين الذين أسيء تعليمهم وتربيتهم. فإذا حصلوا بين أيدينا قبل قيام الدولة وبعده يجب أن نعدهم إعدادا جادا ليكونوا جند التحرير والبناء” 2.
لذا فإن أسس الدعوة إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين تنبني على التربية المتوازنة، والتهمم بالدعوة، والقدوة الحسنة، والثبات واليقين.
أولا: التربية الإيمانية الإحسانية
القصد من التربية الإيمانية الإحسانية هو التنمية، أي الارتقاء من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان، وهي كذلك الجمع بين الهم الفردي والهم الجماعي. والإمام عبد السلام ياسين رحمه الله يؤكد على مركزية التربية الإيمانية الإحسانية في بناء الشخصية المؤمنة التي يعنيها مصيرها الفردي إحسانا ويعنيها مصيرها الجماعي عدلا، وهي تزكية وإرادة فاعلة، يقول رحمه الله: “المؤمن المتزكي من يتفرغ ليله ونهاره للسجود والركوع. ذاك عابد هارب من الدنيا، له مع ربه شأن لا يعنينا منه إلا الإشارة إلى أنه حاد عن المنهاج القرآني النبوي الجهادي إلى الفضيلة الفردية” . ثم تحدث الإمام عن التربية الإيمانية الإحسانية بصيغة أخرى تفرد بها وهي “مفهوم السلوك الجهادي” الذي يقتضي دمج جهاد النفس مع جهاد العلم والعمل، حيث “ينبغي للتربية الإيمانية الإحسانية أن تربط جهاد النفس لترويضها على الحق بجهاد العلم والعمل” 3.
ونجد الأستاذ عبد السلام ياسين قد اختار كلمات للحديث عن التربية الإيمانية الإحسانية لما لها من حمولة قرآنية ونبوية، مثل: إحسان، تزكية، أولياء، تقرب إلى الله، سابقون، مقربون، محِبون، محبوبون، وقد جمع رحمه الله الفرار إلى الله مع الثبات في أرض النفير، أرض البذل والعطاء، أرض الجهاد بمعانيه العامة التي تتضمن النفس والوقت والجهد والمال والعلم.
وكان رحمه الله يؤكد على ثلاثية متكاملة تصحب الداعي إلى الله، وهي:
1- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، مع اليقين بصدق هذه الدعوة ونورانيتها وثقته بنصر الله تعالى لعباده الصالحين، قال الله تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (السجدة:24).
2- صحبة الدعاة المخلصين المنيبين الثابتين على الحق، والتفقه على أيديهم في شؤون الدعوة والتربية والتنظيم والحركة.
3- الصبر على الدعوة مهما لاقى من صعاب ومعوقات.
ثانيا: التربية بالقدوة والمواقف الرجولية
كانت حياة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله عامرة بمواقف الرجولة القوية من حصار عشري للرجل بين جدران بيته، إلى رسالة النصح المتجددة لمن يهمه الأمر من الحاكم والدائرين في فلكه، ثم التأليف والكتابة الناصعة في عديد من مجالات التربية والفكر والسياسة والأدب، مع الاستمرار في التذكير الدائم المتكرر بالله واليوم الآخر والاستعداد للقاء الله، والدعوة إلى الله ودلالة الناس على الله، والجهاد الشامل لتحقيق العدل بالقول والحال والفعل، مع الاستبشار الدائم بأن الغد للإسلام والمستقبل للمسلمين.
ومن أهم ما يميز الإمام… تتمة المقال على موقع ياسين نت.