أسيرات الاحتلال ومعركة اللباس

Cover Image for أسيرات الاحتلال ومعركة اللباس
نشر بتاريخ

ضمن مسلسل الإجرام والعدوان الهمجي الذي يمارسه الكيان الصهيوني على أهل غزة وفلسطين منذ بدء معركة طوفان الأقصى المظفرة في السابع من أكتوبر 2023، يعيش الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال ألوانا من البطش والتعذيب والامتهان تُظهر الوجه الإجرامي والإرهابي للكيان الصهيوني الغاصب.

وقد تفاقمت في الأيام الأخيرة أحوال المعتقلات الأسيرات وسط سجون الاحتلال خصوصا بعد إقدام إدارة سجن الدامون في خطوات تعذيبية انتقامية على مصادرة جلاليب الأسيرات ونقابهن وأغطية رؤوسهن وتعويضها ببدلة رياضية رمادية في محاولة للنيل من هويتهن الدينية والقيمية، وزعزعة استقرارهن وثباتهن النفسي والمعنوي.

ولا غرابة إذا كان التاريخ يعيد نفسه، فلباس المرأة المسلمة كان دائما محل استهداف من طرف أعداء الإسلام، من خلاله يحاولون النيل من الإسلام والمسلمين، تشهد على هذا القصة التي رواها ابن هشام في سيرته ونقلها عنه المباركفوري في الرحيق المختوم، وهي واقعة المرأة المسلمة التي قدمت إلى سوق بني قينقاع، وجلست إلى أحد الصاغة اليهود تبيع وتشتري منه، فجعل اليهود يريدونها على كشف وجهها، ورفضت المرأة المسلمة ذلك. فجاء أحد اليهود من خلفها وربط طرف ثوبها برأسها دون أن تشعر، فلما قامت انكشفت سوأتها فصرخت، فضحك اليهود، فقام مسلم فقتل هذا اليهودي، فتكاثر اليهود على المسلم فقتلوه، وحينما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر جمع الصحابة وجهّز جيشًا، وانتقل من فوره إلى حصون بني قينقاع، وحاصر الحصون وفي داخلها بنو قينقاع خمسة عشر يوما، وأصرَّ على استكمال الحصار حتى ينزل اليهود على حكمه.

بالأمس غاظ حجابُ المرأة وسترها وعفتها بعض يهود بني قينقاع، وتآمروا بكل جرأة على نزعه وهتكه، واليوم يغيظ لباس وستر المجاهدات الشريفات الفلسطينيات من الأسيرات وغيرهن الصهاينةَ المحتلين فيجبرونهن على نزعه بـ”قوة القانون” داخل السجون. لكن الفرق بين الأمس واليوم أن حادثة المسلمة في سوق بني قينقاع حركت جيشا بكامله ليدافع عن عرضها وشرفها ويقطع دابر المعتدين، بينما لم تحرك حوادث مسلمات اليوم ضميرا ولا ساكنا عند حكام المسلمين و”أولياء الأمور”، تماما كما لم تحركها أشلاء ودماء الشهداء وصرخات الأطفال ومعاناة النازحين والمنكوبين، في إبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلا.

قد يعتقد واهِمٌ أن لباسَ المرأة المسلمة في أصل تشريعه وحكمته مجردُ ثوب يغطي منها الرأس والجسد، ويحجبها عن العالمين، بينما الحقيقة التي يَعيها أعداء الإسلام وفي مقدمتهم صهاينة اليهود، أن لباس المرأة المسلمة في عمقه يعكس مرجعيتها وتصورها وسلوكها، في ارتباط تام بين شرع الله ومنهجه للحياة، لباسٌ يتعدى كونَه أمتار قماش يستر الظاهرَ إلى كونه يرمز إلى الذات الإسلامية للمرأة وهويتها التي تجمع بين إيمانها وتصديقها، وعبوديتها لخالقها، وسمو أخلاقها ومسؤوليتها في التدافع والبناء وفق منظومة مترابطة متماسكة.

إن الكيان الصهيوني ومن يوالونه يَعُون جيدا أن اللباس الإسلامي مقياسٌ دقيق لقوة المدّ الإسلامي، وهو بتجريده الأسيرات الفلسطينيات في سجونه من حقهن في التزام لباسهن الشرعي يتخذ من المرأة وسيلة لتنفيذ سياساته الإجرامية ومقاومة هذا المدّ الإسلامي، الذي يسطر الأبطال في فلسطين أبهى صوره. وإن فعلا إجراميا كهذا يسائل العالم وهيئاته ومنظماته النسائية في مواثيق وقوانين حفظ حقوق النساء، ويسائل الأمة الإسلامية وعلماءَها وحكامَها في مسؤوليتهم عن حفظ حياة النساء وصون كرامتهن وأعراضهن من الاعتداء والامتهان. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30].