عشر ذي الحجة أيام فاضلة ومباركة، جعلها الله تعالى مميزة عن باقي أيام السنة، تجتمع فيها أمهات العبادات من صلاة وصوم وحج وصدقة ودعاء وذكر، وتتضاعف فيها الحسنات، بل وتعد الأعمال الصالحة فيها أحب إلى الله عز وجل من سائر الأيام، تاسع أيامها هو يوم عرفة، وهو أعظم أيام الحج، واليوم العاشر هو يوم النحر، يوم إهراق الدم تقربا لله تعالى.
فكيف نستقبل هذه الأيام العظيمة؟
يقول تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ [1].
عن ابن عباس رضي الله عنهما، في تفسير ابن كثير: ”الأيام المعلومات أيام العشر”.
كما جاء في قول الحق تبارك و تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [2].
وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره لهاته الآية وليال عشر هي ليالي عشر ذي الحجة، لإجماع الحجة من أهل التـأويل عليه.
فالله عظيم ولا يقسم إلا بعظيم خلقه ومنها هذه الأيام المباركة.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله، من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: و لا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء” [3].
وعن الأوزاعي رضي الله عنه قال: “بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله يصام نهارها ويحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة“ [4].
هذه النفحات الربانية التي يفوح عطرها ويشرق نورها في هذه الأيام الفضيلة تنادينا قائلة: تعرضوا لي واغتنموا أوقاتي وتوبوا إلى الله واصفحوا واصبروا وسامحوا، اطرقوا باب ربكم بالدعاء والتبتل والبكاء والتضرع، طهروا قلوبكم من الغل والنفاق والرياء والغفلة والكسل والتعلق بالدنيا الفانية، ارحموا الفقير والمحتاج وأدخلوا السرور على الناس ودلوهم على الله، تقربوا من خالقكم بالفرض والنفل، بالذكر والصيام والقيام والتكبير والصدقة وصلة الأرحام….
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” [5].
وينقسم التكبير إلى مطلق ومقيد، فالتكبير المطلق يكون في أي وقت وأي مكان في أيام العشر وأيام التشريق، عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: ”كان يكبر بمنى تلك الأيام خلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، وفي ممشاه تلك الأيام جميعا” [6].
والتكبير المقيد يكون دبر الصلوات فقط، ويبدأ من صباح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق، وصفته: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. وإن جمع مع التكبير تهليلا وتحميدا، فحسن يقول إن شاء ذلك: الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. وقد روي عن الإمام مالك هذا والأول، والكل واسع [7].
ويستحب استحبابا شديدا صيام هذه الأيام، باستثناء يوم النحر الذي يحرم صومه، فعن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ”كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” [8].
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أيام العشر: ”يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر” [9].
ويتأكد صيام يوم عرفة لغير الحاج لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ”صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” [10]، يكفر الصغائر دون الكبائر.
ولا ننسى أن نجتهد في الدعاء وخصوصا يوم عرفة، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” [11].
ويبقى مجال الاجتهاد مفتوحا، والقناعة من الله حرمان، والإقبال عليه تعالى ونفع خلقه تجارة لا تبور.
ختاما أحمد الله وأشكره أن أمد في أعمارنا وبلغنا هذا الموسم، وأسأله أن يوفقنا فيه لحسن العبادة وحسن النية وحسن الأخلاق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] سورة الحج، الآيتان 27 – 28.
[2] سورة الفجر، الآيتان 1 – 2.
[3] رواه البخاري.
[4] رواه البيهقي.
[5] أخرجه الإمام أحمد بسند حسن.
[6] أخرجه ابن المنذر في الأوسط بسند جيد.
[7] رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
[8] رواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي، [شرح النووي على مسلم 8/ 71].
[9] الإمام الشوكاني، نيل الأَوطار، 3/386، حديث ضعيف.
[10] رواه مسلم في صحيحه، حديث رقم: 1162.
[11] مالك في الموطأ من حديث طلحة بن عبد الله بن كريز مرسلا، وروي عن مالك موصولا، ذكره البيهقي وضعفه.