نظم حزب البناء الوطني بتونس، بمناسبة الذكرى الأولى لتأسيسه، ندوة دولية لمساءلة التجربة التونسية، انطلاقا مما تعرفه من مستجدات ومن خلال مقارنتها بتجارب أخرى.
وقد شارك في هذه الندوة إلى جانب ثلة من المفكرين والأكاديميين التونسيين والعرب الأستاذ محمد باسك منار بمداخلة بعنوان التجربة السياسية والدستورية بالمغرب.. قراءة على ضوء تحولات الربيع العربي). والأستاذ بلال العشري بمداخلة بعنوان قراءة في تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب).
تم افتتاح الندوة، التي كانت بعنوان: الدولة والمجتمع في تونس..حدود الانتقال)، بكلمة للدكتور منصف المرزوقي، الرئيس السابق لتونس، الذي أكد أن أكبر إنجاز تحقق في تونس إلى حدود الساعة هو النقاش الحر والمستفيض حول الدستور، وليس الدستور في حد ذاته، وبنبرة لا تخلو من الأسف أكد المرزوقي على أن التجربة التونسية تعرف مجموعة من المشاكل والتحديات، لكن هذا لا ينبغي أن يسبب الإحباط للتونسيين الذين عليهم أن يبقوا مصرين على التغيير الذي يتطلب وقتا طويلا. أما الأستاذ رياض الشعيبي، الأمين العام لحزب البناء الوطني، وبعد أن رحب في كلمته الافتتاحية بالضيوف، من داخل تونس وخارجها، شرع في تحليل الوضع التونسي من خلال ثلاثة أسئلة؛ ما هو المنجز إلى حدود الساعة؟ وما هو المفرط فيه؟ وما هو المطلوب؟ لينتهي هو الآخر إلى أن هناك مجموعة من التحديات أمام التغيير في تونس، سواء على المستوى التنموي أو السياسي أو القانوني.
وبعد الافتتاح انطلقت جلسات الندوة، لتعرف الجلسة الثانية، التي سيرها الأستاذ صلاح الدين الجورشي، مشاركة الأستاذ محمد باسك منار، إلى جانب كل من الأساتذة فهمي هويدي والأستاذ حميد الهاشمي. وبعد أن حدد الأستاذ منار في مداخلته بعض عناصر الإعجاب بالتجربة المغربية التي يبديها بعض الملاحظين والمتتبعين من الخارج، أكد أن تلك العناصر لا تقوم في الواقع على أساس متين، فبخصوص ما يتم الحديث عنه من استقرار تساءل الباحث إلى أي حد يشكل ذلك الاستقرار منطلقا للتغيير والإصلاح؟ أليس الأمر مجرد استقرار سطحي هش على حساب الإصلاح الحقيقي والتغيير الفعلي؟ وبخصوص إشراك جزء من الإسلاميين في تدبير الشأن العام، تساءل منار إلى أي حد تحقق إشراك فعلي؟ وإلى أي حد كان هذا الإشراك إشراكا تأسيسيا يؤسس لمرحلة سياسية مغايرة للمرحلة السابقة؟ ولم يكن مجرد إشراك توظيفي الهدف منه توظيف بعض الإسلاميين في إطار الأجندة التكيفية للنظام السياسي؟ بعد طرح هذه الأسئلة المنهجية وغيرها كان التوقف بنوع من التحليل على أهم الأحداث السياسية والدستورية التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة.
أما الدكتور بلال العشيري، الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس، فقد كانت مشاركته في الجلسة الأولى من اليوم الثاني، إلى جانب كل من الأستاذين جمال سلطان وعماد العبدلي، وقد تطرق الأستاذ بلال في مداخلته إلى مفهوم العدالة الانتقالية وأهم خصائصها وعناصرها، ثم استعرض السياق الوطني والدولي الذي تحكم في إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب، ليخلص إلى أن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة كانت جوابا ناقصا محددا أهم مظاهر هذا النقض في تجاهل الدولة لمسألة الإفلات من العقاب، واستمرار المسؤولين عن ماضي الانتهاكات الجسيمة في تقلد المناصب العليا في الدولة، وعدم قيام الدولة بإصلاحات مؤسسية (الأمن ـ الجيش ـ الداخلية ـ القضاء…) لمنع تكرار ما جرى، واستمرار الانتهاكات الجسيمة في الحاضر وقمع كل الحركات الاحتجاجية (الطلبة، المعطلين)، وعدم تقديم الدولة لحد الآن لاعتذار رسمي للضحايا ولعموم الشعب المغربي، وعدم كشف الحقيقة في الملفات العالقة (المهدي بن بركة ـ المانوزي نموذجا).
وقد عرفت الندوة نقاشات صريحة وعميقة في جلساتها الثمانية التي امتدت طيلة يومي 8 و9 ماي 2015، وتوجت بإصدار عدة توصيات.