أول خطى التربية التوبة ثم اليقظة. كانت التوبة في عصور الفتنة بعد الخلافة الراشدة الأولى عبارة عن التوبة من الذنب والمعصية، والتائب في مأمن وعافية، لا هم له إلا صراعهُ الداخلي ووخز ضميره ومعاملته مع الله، يُؤَرِّقُه هم الآخرة. في عهد النبوة والخلافة الراشدة كانت التوبة من الشرك والمعاصي هَمّاً مزدوجا، لأن الجهاد وواجبه وضروراته وحضور الموت واحتماله في كل خروج في سبيل الله تُكَوِّن ظروفا يلتحم فيها مصير الفرد بمصير الجماعة، ويتميز فيها المنافقون من الصادقين.
في زماننا صحوة إسلامية يغلب فيها الهم الاجتماعي الجماعي السياسي على الهم الفردي الأخروي، ويأتي مصطلح “الالتزام” الغريب عن القرآن ليمحو المعالم. فلا تمييز يرجى.
الذي يبحث عنه علماء الدعوة أمثال الشيخ سعيد رمضان البوطي والشيخ سعيد حوى هو القنطرة الواصلة بين ذلك العهد الأول المتمايز وهذه النهضة العارمة الشديدة الاضطراب الفكري والغبش التربوي. “الأولياء قناطر الخلق، يعبر الموفقون عليهم إلى الله تعالى. هم العاملون المخلصون الخالصون”1. “القوم أرشدونا، دلونا على الطريق، كشفوا لنا حجاب الإغلاق عن خزائن الكتاب والسنة، عرفونا حكمة الأدب مع الله ورسوله. هم القوم لا يشقى جليسهم. من آمن بالله وعرف شأن رسوله أحبهم واتبعهم”.2
باتباع المنيبين فقط يمكن أن تحمل الهم المزدوج حملا متوازنا. باتباع المنيبين فقط يمكن أن نرجع إلى الله، ونبُلَّ غُلة النّفس، ونكف عن زرع الأماني والتواني، ذلك الزرع الذي لا يُحصد منه إلا التلف واللهف.
في قلب العبد ثلاثة أنماط من المعاطب، يكون مجموعها مرض النفـاق. تكون التوبة ذات الدلالة الأعم أدعى إلى السير الحثيث صعودا في عقبة الإيمان والإحسان إن تطهر العبد بماء التوبة يستفيضه من المنيبين، ورشف من ذلك الماء رشفات تذيقه حلاوة الإيمان، فيستزيد ويستزيد حتى تنفر نفسه من المعصية، وحتى يكون الاستغفار واليقظة التامة في كل صغيرة وكبيرة من أعماله رفيقين دائمين. تابع القراءة في الإحسان، ج 1، ص 119-120.