مرت ثمانية عشرة جمعة (18) ومازال أحرار وحرائر الشعب المغربي بل وأطفاله يخرجون دون كلل ولا ملل في مئات الوقفات المسجدية على طول وعرض الوطن؛ شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، في المدن والقرى، تضامنا ودعما لأهل غزة الذين يتعرضون لحرب الإبادة والتهجير الجماعيين والتجويع لأزيد من أربعة أشهر (127 يوما بالضبط) أمام صمت رسمي ودولي، بل وتواطئ غربي وعربي رسمي غير مسبوق.
ولما كانت مركزية القضية من مركزية المسجد، فقد تشكل حراك مسجدي مغربي واع وقاصد ضمن حراك المغاربة التضامني والداعم للقضية الذي لم ولن يهدأ حتى يتوقف هذا العدوان الغاشم، ناهيك عن باقي أشكال التضامن الأخرى المعتبرة، وهو ما يعتبر دليلا واضحا على إصرار وعزيمة وإرادة أصيلة لدى المغاربة لا تلين ولا تخفت، بل تخرج لتعرج منبعثة ومشبعة بروح المسجد وقدسيته وهيبته لتسمع صوتها وموقفها إلى العالم بأسره من عمق بيوت الله التي أذن أن ترفع، على عكس ما يراد للمساجد في وطننا الحبيب أن تكون بعيدة عن هم وشأن الأمة الخاص والعام، أي تفتح وتغلق للصلاة لا غير.
فعندما يفرغ رواد المساجد من السجود والركوع والدعاء صلة واتصالا بالله تعالى منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب، يخرجون إلى ميدان التدافع والصدع بكلمة الحق والنصرة والدعم للمستضعفين، الذين أمرنا شرعا أن ندافع عنهم ونتدافع من أجلهم مصداقا لقوله تعالى: وَلَوْلَا دِفَٰعُ اُ۬للَّهِ اِ۬لنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٖ لَّهُدِمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اَ۪سْمُ اُ۬للَّهِ كَثِيراٗۖ وَلَيَنصُرَنَّ اَ۬للَّهُ مَنْ يَّنصُرُهُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌۖ 1 صدق الله العظيم.
وما يؤكد أهمية هذا الأمر ومركزيته؛ ما نشهده من قصف مقصود لأغلب مساجد غزة (حوالي 300 مسجد تم هدمها)، ناهيك عن تدنيس الصهاينة للمساجد التي اقتحموها وتخريبها بعد تعطيل دورها ووظيفتها كما يفعلون بالمسجد الأقصى المبارك، متناسين أن روح المسجد وسمته تغشى كل شبر من غزة التي أضحت مسجدا وطهورا ونورا تفضح قوى الغدر والظلام المدعومة من “العالم المتحضر” كما يزعم ويسوق لنفسه بهتانا وزورا.
والله غالب على أمره.