1- كلام في الفطرة
قال الله تعالى في سورة الروم الآية 29: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاٗ فِطْرَتَ اَ۬للَّهِ اِ۬لتِے فَطَرَ اَ۬لنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِ۬للَّهِۖ ذَٰلِكَ اَ۬لدِّينُ اُ۬لْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
ورد لفظ الفطرة في القرآن الكريم بعدة معاني مختلفة، منها الخلق الأول للأشياء والانشقاق والاستقامة والخلقة التي خلق عليها المولود… قال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “والفطرة إقامة الوجه لله، وتستوي الفطرة أو تعوج وتحيد عن الجادة بالتربية. روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة). ثم يقول: “اقرؤوا إن شئتم: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم 1. زاد البخاري: فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه“ 2. ومن ثمة فإن الأذان في الأذن اليمنى للمولود وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى أول ما تسمعه الفطرة وهي تخرج إلى الدنيا، فتسمع جلال الله ووحدانيته وخبر الرسالة ودعوة الصلاة والفلاح.
2- مفهوم المساواة
من معاني المساواة التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون التمييز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الرأي السياسي أو المستوى الاجتماعي.
يساوي الإسلام بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية، حيث خلق الله تعالى الإثنين من طينة واحدة ومن معين واحد، فلا فرق بينهما في الأصل والفطرة ولا في القيمة والأهمية. قال تعالى في سورة الحجرات الآية 13: يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنث۪يٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوباٗ وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۖ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَ۬للَّهِ أَتْق۪يٰكُمُۥٓۖ.
ومن مبادئ المساواة أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات، وهم سواسية أمام القانون، وهم سواسية في الكرامة الإنسانية، فلا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. ومن مظاهرها في الإسلام المساواة في الأجر والثواب. قال تعالى في سورة النحل الآية 97: مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪يٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ.
3- مبدأ المساواة وإصلاح المدونة
يدعو بعض دعاة إصلاح مدونة الأسرة إلى المساواة بين الرجل والمرأة مستندين بذلك إلى المواثيق الدولية التي لا تستحضر البتة خصوصية المجتمعات وهوياتها الدينية والثقافية. إن المساواة بهذا المعنى تصطدم والفطرة الإنسانية التي وضعت لكل جنس خصوصياته الفيزيولوجية والجسدية ويترتب عن ذلك حقوق وواجبات. فالله تعالى خلق الرجل وخصه بصفات تؤهله لأن يؤدي دوره المنوط به في الحياة وبناء الأسرة السليمة وفي مقدمتها القوامة، وكذلك المرأة في مسؤولية الحافظية، قال الله تعالى سورة آل عمران الٱية 36: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى. فالمرأة تفضل الرجل في أمور والرجل يفضلها في أخرى تبعا لوظائفهما، “فالنساء بفطرتهن يحفظن استمرار الجنس البشري بما هن محضن للأجنة وحضن للتربية… مدبرات لضرورة معاش الأسرة” 3. “وعلى الزوج القوامة وهي حماية الزوجة وصيانتها وجلب المصالح إليها” 4.
إن مفهوم المساواة كما تحدده المواثيق الدولية يقوم على أساس التماثل والندية بين الرجل والمرأة مما يترتب عنه خلط في الأدوار واختلال في الوظائف وربما الصراع والمواجهة، وبهذا المعنى تكون المساواة بعيدة عن الفطرة الإنسانية. فعوض الحديث عن المساواة كان الأجدر لدعاة الإصلاح أن يتحدثوا عن التكامل والعدل بين الجنسين: العدل في التمتع بنفس الحقوق السياسية والاجتماعية والتعليمية والتربوية… العدل وهو خلاف الجور والظلم هو “أم المصالح التي يقصد إليها الشرع. هو صُلب الدين، وحوله تُطيفُ همومُ المسلمين، وبه بعث الله الرسل والنبيئين” 5، “العدل هو عماد العمران، أخويٱ كان أو مدنيٱ قانونيٱ” 6، “العدل الاستقامة في حقوق الله وحقوق العباد” 7.
4- على سبيل الختم
إن العلاقات المنسوجة بين المرأة والرجل لا تستقيم دائماً بميزان الحق والواجب، بل إن ما يمسك بنيانها ويحميه من التصدع هو قاعدة القيم والأخلاق، مع استحضار مصلحة الطرفين بشكل متواز وبما يحفظ حقيهما دون تغليب مصلحة طرف على حساب الٱخر. كما أن المواثيق والعهود يجب أن تركز على المشترك الإنساني وتترك خصوصيات الشعوب والبلدان يفتي فيها أهلها حسب أعرافهم وعوائدهم، لا بإجبارهم على الانصياع لقوانين تتصادم مع ثقافتهم وهويتهم، رافعة في وجوههم سلاح المساعدات إغداقا على من سار في ركبهم.