إضاءات حول المشاركة السياسية للمرأة

Cover Image for إضاءات حول المشاركة السياسية للمرأة
نشر بتاريخ

مقدمة

قضايا المرأة عموما من القضايا الساخنة التي تثير العديد من النقاشات؛ خاصة قضية المشاركة السياسية، التي أصبحت من المواضيع الآنية نظرا للمتغيرات الدولية والمحلية، ما يتعلق منها بالمنظومة الحقوقية من جهة وتغيير بعض الأدوار وإعادة توزيعها بين الجنسين من جهة أخرى.

إن المشاركة السياسية للمرأة من شأنها التأثير ليس فقط على السياسات العمومية ومراكز القرار، بل لها تأثير أعمق على مستوى الفرد؛ حيث تنمي فيها الإحساس بذاتها وثقل وزنها السياسي والرفع من مستوى وعيها لدرجة تصبح معها جزءا من ثقافتها وسلوكها اليومي .

هذا الموضوع على أهميته يثير جدلا واضحا على المستوى الفكري والسلوكي يصل أحيانا إلى حد التناقض، فهناك من يرفض الزج بالمرأة في العمل السياسي؛ إما بذريعة الحفاظ عليها أو لعدم اعترافه بأهليتها، وهناك من يقبل بذلك على مضض؛ إما لتلميع الواجهة أو لعدم قدرته على ترجمة الشعارات التي يرفعها إلى سلوك فعلي أو لإيمانه بالمشاركة السياسية للمرأة داخل دائرة معينة ووفق شروط محددة. لكن التوجه البارز هو الذي يعتبر المشاركة السياسية للمرأة أمرا ملحا وضروريا؛ لأن لديها من الأهلية والوعي السياسي ما يؤهلها لهذه المهمة، وبالنظر أيضا لموقعها ومكانتها في المجتمع؛ حيث استطاعت المرأة اليوم أن تفرض نفسها في الممارسة السياسية بشكل لا يمكن تجاوزه.

فماذا نقصد بالمشاركة السياسية؟ وكيف يمكن الرفع من منسوب المشاركة السياسية للنساء وتجاوز المعيقات التي تحول دون تمكين سياسي للمرأة؟

المحور الأول: المقصود بالمشاركة السياسية

ليس من السهل وضع تعريف معين للمشاركة السياسية نظرا لارتباطها بطبيعة المجتمعات والنظم السياسية، لكن يمكن القول إن المشاركة السياسية هي مجموع الأنشطة الإرادية التي يقوم بها المواطنون كأفراد وتهدف إلى التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في الاختيارات العمومية على جميع الأصعدة، أو إنها النشاط الذي يقوم به مواطنون قصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي (1).

وتتخذ المشاركة شكلين باتفاق أغلب الباحثين:

1- مشاركة تقليدية

وهي الوسيلة المعروفة والأكثر انتشارا، والتي يمارسها الأفراد من خلال الانخراط الفعلي في الأحزاب، أو اهتمام فئة غير محزبة بالشأن السياسي وتشارك في الانتخابات، أو فئة تشارك في العمل السياسي اضطراريا وبشكل موسمي.

 وتبقى الانتخابات هي الوسيلة الأساسية وأحيانا الوحيدة للمشاركة السياسية، لذلك لا بد من توضيح بشأن آلية الانتخاب.

في الدول الديمقراطية تعتبر الانتخابات نوعا من السلطة التي يمنحها القانون للمواطنين الذين يكونون هيئة ناخبة، والذين يسهمون في الحياة السياسية مباشرة أو عن طريق ممثليهم. بمعنى آخر أداة يمارس من خلالها المواطن سيادته الوطنية، ويساهم من خلالها في صنع القرار، باعتباره أحد المقومات الأساسية للديمقراطية، لذلك يوصف يوم الانتخاب بالعرس الديمقراطي.

وتجدر الإشارة إلى أن المرأة لم تمنح هذا الحق إلا في بداية القرن العشرين، وما زالت تعاني خاصة في الدول غير الديمقراطية من عوائق ثقافية وقانونية وسياسية…

بالنسبة للمغرب اعتماد الانتخابات كوسيلة أساسية للمشاركة فيه الكثير من النقاش، ويجب أن نستحضر فيه: أزمة الديمقراطية، وطبيعة النظام السياسي، وطبيعة المجتمع، وطبيعة الأحزاب السياسية.. ويحق لنا أن نتساءل إلى أي حد تفرز لنا الانتخابات سلطة حاكمة قادرة على صنع القرار وتمثيل المواطنين والتعبير عن تطلعاتهم فتكون السيادة للشعب؟

إذا نظرنا للمشاركة السياسية من هذه الزاوية التقليدية يمكن القول إن مشاركة المرأة المغربية تتسم بالمحدودية وضعف التأثير، وذلك استنادا للنتائج الرسمية للانتخابات الأخيرة؛ سواء تعلق الأمر بالانتخابات المحلية أو البرلمانية، واستنادا لواقع تأثيرها في القرار السياسي. وتبقى السمة البارزة حضور باهت للمرأة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية للدولة، وكذا داخل الأحزاب السياسية والهيئات النقابية.

2-  مشاركة غير تقليدية

 يمكن اعتبار هذا النوع قناة بديلة، أو بشكل أدق قناة غير رسمية، ومن أهم وسائلها:

* الترافع الذي يكتسي طابعا حقوقيا تمارسه النقابات أو مؤسسات المجتمع المدني خاصة الهيئات الحقوقية والمنظمات الطلابية وغيرها، وقد سلكت الهيئات والمنظمات النسائية هذا الطريق؛ الذي يتبين أنه أكثر نجاعة ومردودية من خلال العديد من المكتسبات التي حققتها المرأة، وإن كانت المرأة المغربية ما زالت في بداية الطريق، والعمل النقابي المغربي الذي يعد قطاعا ترافعيا بامتياز يعاني من أزمات متعددة الأوجه.

* الاحتجاجات والاعتصامات؛ هذه الوسيلة باتت تعرف انتشارا واسعا خاصة في المنعطف الحالي الذي يشهده المغرب، فبالإضافة للاحتجاجات القطاعية المنظمة، يعرف الحراك الشعبي من جهة امتدادا جغرافيا غير مسبوق (الحسيمة، جرادة، سيدي إفني…)، ومن جهة أخرى تعرف تطورا كبيرا في أساليب الاحتجاج؛  كالمقاطعة، والتنسيقيات والهاشتاكات على وسائل التواصل الاجتماعي وشعارات الالتراس في الملاعب …وسائل تدل على حيوية الشعب المغربي، الذي أربك كل الحسابات ليس فقط بالنسبة للدولة ولكن أيضا بالنسبة للأحزاب السياسية التي وجدت نفسها معزولة عن كل حراك وعاجزة عن تأطير المحتجين.

وقد تبوأت المرأة المغربية دورا رياديا وفعالا في مشاركتها على جميع المستويات في كل الحركات الاحتجاجية التي شهدها المغرب، منذ نضال الحركة الوطنية ضد المستعمر لغاية الاحتجاجات الأخيرة، حيث أبهرت العالم بحضورها وفعاليتها واستماتتها في المطالبة بحق المواطن المغربي في الحرية والكرامة والمواطنة الكاملة، إيمانا منها بمشروعية مطالبها، وأيضا بأهليتها وأهمية انخراطها في الفعل السياسي، والمساهمة في التغيير والبناء الديمقراطي، رغم هيمنة العوائق القانونية والسياسية والموروث الثقافي والأعراف الاجتماعية المثبطة للمرأة والمكبلة لإرادتها.

المحور الثاني: معيقات المشاركة السياسية للمرأة وسبل التجاوز: الظاهر والمغيب

كلما تحدثنا عن معيقات المشاركة السياسية للمرأة كلما طفت على السطح العوائق الاجتماعية والثقافية والقانونية، ووضعت لها مخرجات للتجاوز، لكن تغيب معيقات أخرى، أعتبرها جوهرية، اختيارا أو اضطرارا فيغيب معها الحديث عن مخرجات من شأنها الدفع بالمشاركة النسائية.

أولا- العوائق الثقافية والاجتماعية

· التنشئة الاجتماعية

 لا شك أن التنشئة الاجتماعية من أهم محددات طبيعة السلوك السياسي للفرد، بل تحكم نظرته لنفسه والمحيط الذي يعيش فيه. والتنشئة السياسية ليست استثناء.

إن التربية التي يتلقاها الإنسان داخل أسرته وتفاعله معها يكون لها انعكاس على شخصيته وتصرفاته السياسية، ويكون لها انعكاس على توزيع الأدوار داخل المجتمع، سواء تعلق الأمر بالشأن الخاص أو العام وكذا التأثير على القيم المجتمعية.

كما أن هذه القيم تترسخ من خلال ما يتلقاه الفرد في المنظومة التعليمية سواء من خلال المناهج التعليمية أو الممارسات التي يشهدها الفضاء المدرسي. وإن أضفنا إلى ذلك مكانة الإعلام ودوره في التأثير على توجهات الأفراد وتوجيه الفعل السياسي، يمكن القول بأن وسائل التنشئة الإعلامية جعلت من المرأة كما مهملا، ورسخت ثقافة التمييز والدونية والتهميش، وزادت من مظلومية المرأة، وزاد الفقر والأمية من تأزم واقع المرأة، حتى أصبحت هذه الظواهر الاجتماعية ظواهر نسائية بامتياز.

· الفهم الخاطئ للدين

إن الخلط بين الشرع وفقه الاجتهاد أفرز تأويلات فقهية جعلت من الاجتهاد أصلا للتشريع، فحلت التأويلات محل الشرع. غاب الشرع الرباني وغابت المرأة عن الشأن المجتمعي، وحضر بدلا عنه فقه منحبس يحض المرأة على القرار في البيت لا تجاوزه (2).

· العوائق القانونية والمؤسساتية

يصعب القول إن التهميش السياسي للمرأة سببه القصور القانوني نظرا لاتخاذ مجموعة من التدابير القانونية وعلى رأسها الكوتا أو المناصفة، لكن السؤال المطروح إلى أي حد ساهمت هذه الآلية في التمكين للمرأة؟ والى أي حد استطاع المشرع تفعيل هذه الإجراءات كآليات مرحلية في أفق ترسيخ قيم عدم التمييز، والتعامل بناء على الجدارة والاستحقاق؟ وهل عبر الفاعل السياسي عن إرادة حقيقية مصحوبة بأفعال ملموسة من أجل التمكين السياسي للمرأة تمكينا ينطلق من المؤسسات الحزبية والنقابية وكل مؤسسات المجتمع المدني؟ وإلى أي حد تساهم الأحزاب في تأهيل المرأة وتأطيرها سياسيا؟ وأي مكانة للمرأة داخل الهياكل الحزبية؟

إن التمكين السياسي للمرأة عملية تحتاج إلى إشراك كل مكونات المجتمع، ومراعاة خصوصياته الاجتماعية والسياسية والثقافية، ولتحقيق ذلك لا بد من العمل على اعتماد عدد من الآليات والإجراءات لتجاوز العقبات والمعيقات (3).

ثانيا- المقاربة المغيبة

إذا اقتصرنا على المعيقات السالفة الذكر فإن الحلول المطروحة لا تتجاوز إصلاح المنظومة القانونية أو تفعيلها ومعالجة المشاكل الاجتماعية وهما مقاربتان ضروريتان، لكن على أهميتهما يبقى القصور سيد الموقف .

إن الحديث عن رفع منسوب المشاركة السياسية للنساء لا يمكن أن يتم – في تقديري – دون المرور عبر قنوات ثلاث: تحرير الإرادة وبناء الإنسان، والبناء الديمقراطي، والتمكين الاقتصادي للنساء، وهي مقاربات لا تهم النساء فقط بل تهم بناء المجتمع ككل.

* تحرير الإرادة وبناء الإنسان

لا شك أن كل ما في الكون يكتسب صلاحيته ومنطقه ومعناه من الإنسان مركز الكون، بغض النظر عن لونه أو أصله أو جنسه، وأي فعل سياسي كان أو غير سياسي يجب أن يستحضر إنسانية الإنسان  ويلامس همومه عبر الزمان والمكان، فالمقاربة الإنسانية شاملة لكل المقاربات، إن لم نقل إنها أم المقاربات، المرأة والإنسانية مصير مشترك فمن جهة يجب أن تعي المرأة بأن لها دور في بناء الأمة والحركة الإنسانية التي تعتبر المشاركة السياسية أحد وسائلها، ومن جهة أخرى ألا يجردها  هذا الدور من إنسانيتها التي كرمت لأجلها.

لا يمكن للمرأة أن تشارك مشاركة سياسية حقيقية وفاعلة ما لم تقتنع بأن نصيبها من المسؤولية السياسية مثل نصيب الرجل في إطار التعاون بينهما، مسؤولية تلزمها بالعمل الدؤوب لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا يمكنها ذلك ما لم تكن محررة الإرادة، عالية الهمة، مسلحة بالعلم، وبالموازاة مع ذلك تنشئ جيلا مؤهلا نفسيا وعقليا وقيميا واجتماعيا، تربية نوعية تتناسب مع طبيعة المرحلة، بمعنى آخر تنشئ جيلا جديدا بقيم جديدة قادرة على إزاحة القيم المضادة التي يشهدها المجتمع اليوم، أي أن تساهم في التغيير من الأساس.

* البناء الديمقراطي

 تطرح المشاركة السياسية سؤالين جوهريين: من يصنع القرار؟ وما درجة الديمقراطية في اتخاد القرار؟ وذلك لأن المشاركة السياسية تشكل ركيزة أساسية في كل ديمقراطية تكفل للشعب حكم نفسه بنفسه، المشاركة الجادة تخلق المعارضة القوية، وهي الوسيلة الهامة لمجابهة الظلم والاستبداد والاستئثار بالسلطة، الديمقراطية الحقيقية تمكن  المرأة من حشد إرادتها نحو المشاركة في إطار المناخ الذي تسود فيه الحرية.

 يصعب الحديث عن مشاركة فاعلة في ظل نظام غير ديمقراطي.

* التمكين الاقتصادي للنساء

إذا كان تحرير الإرادة هو وسيلة المرأة لاسترجاع كرامتها الآدمية فإن هذا التحرر يجب أن يوازيه تحرر من العجز والتبعية الاقتصادية، يجب أن يوفر للمرأة حد أدنى من الموارد للحد من عطالة النساء وفقر المطلقات والأرامل، فافتقار المرأة لفرص اقتصادية تهدف للقضاء على تأنيث الفقر وتفعيل مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية التي تعتبر مطلبا ملحا لتفعيل المشاركة السياسية يجعل هذه الأخيرة ضربا من التمني لا غير.

في غياب التنمية الاقتصادية تفقد المشاركة السياسية جوهرها.

خاتمة

المرأة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بمشاركة سياسية نوعية جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، من باب المسؤولية السياسية التي تلزمهما بالعمل المشترك على كل الواجهات، عمل متعدد الوسائل ممتد في الزمان والمكان، مسلحة بالعلم والحكمة. وبالموازاة مع ذلك لا بد لها من العمل على تغيير قاعدي بنائي ينطلق من الأسرة لبناء جيل مؤهل عالي الهمة محرر الإرادة حاملا لا محمولا.

المرأة يجب أن تكون حاضرة في كل محطات التدافع السياسي حضورا نوعيا وازنا.


(1) محمد بن هلال، المشاركة السياسية للمرأة في المغرب: المعوقات وسبل التجاوز، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد 29-2011، مركز دراسات الوحدة العربية، ص: 126.

(2) خالد العسري، قراءة هادئة في موضوع المرأة الساخن، مجلة منار الهدى، العدد 11-2008، ملف: المرأة من التحرير إلى التنوير، ص: 18.

(3) صباح العمراني، المرأة والمشاركة السياسية بالمغرب، مقاربة تحليلية لإدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية، مطبوعات افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2018، ص: 148.