إضاءات على الوضع التعليمي بالمغرب في بداية موسم الدخول المدرسي 2024/2025

Cover Image for إضاءات على الوضع التعليمي بالمغرب في بداية موسم الدخول المدرسي 2024/2025
نشر بتاريخ

إضاءات على الوضع التعليمي بالمغرب في بداية موسم الدخول المدرسي 2024/2025 1

توطئة

لا يمكن بأي حال أن نعزل الحديث عن الدخول المدرسي لهذا الموسم 24/25 عن الحديث عن الشأن التعليمي بالمغرب عامة، ولا يمكن عزل هذا عن جملة من السياقات المؤطرة، ولا عن تفاعلاتها المؤثرة. ومؤدى هذا يقتضي النظر إلى ما يواجهه العالم مما يسمى بالأزمة المتشابكة والمتعددة الأوجه، والتي تتمظهر أساسا في جملة التحديات التي سيكون لها امتداداتها المؤثرة على الدول النامية، والتي تتجلى في تحديات ثلاثية تغير المناخ والصراعات والجوائح، كما يطلب هذا عدم إغفال السياق الوطني العام الذي يعرف تغولا متزايدا للتسلط السياسي، وتناميا فظيعا للهشاشة الاجتماعية، وترديا أفظع على مستوى الجانب الحقوقي والقانوني، ومضيا حثيثا في مسلك التطبيع مع قيم الرذالة والإسفاف والصهينة. ولن ننس تأثير كل ذلك على الجسم التعليمي الذي لم يتعاف بعد من تأثيرات الحراك الاحتجاجي الناجم عن فرض نظام أساسي جديد رأى فيه الكل ترسيما لخوصصة وتسليع التعليم، وفكاكا من التزامات الدولة تجاه خدمة اجتماعية حيوية، وتفكيكا للوظيفة العمومية، وضربا لمبادئ الإنصاف والعدالة، ومسا بالأمن النفسي والاجتماعي والوظيفي لرجل التربية والتعليم. ولعله من نافلة القول المعتادة التأكيد على الاضطرابات البنيوية العامة التي ترافق الدخول المدرسي نتيجة إشكالات حركية التلاميذ، والخصاص في الموارد البشرية، وتعثرات التأهيل والتجهيز، وضغط التنزيل الارتجالي لكثير من المقررات والمذكرات.

مستجدات السياسة التعليمية والحصيلة الرسمية

ليس هناك جديد بارز يسم مستجدات السياسية التعليمية لهذا الموسم الدراسي، فالدولة ماضية في التنزيل  الحثيث لما فرضته الرؤية الاستراتيجية، وأقره القانون الإطار، وألزمته مشاريع خارطة الطريق 22/26، يترجم عن ذلك تجريب تنزيل مشروع الريادة في التعليم الثانوي الإعدادي اعتمادا على مقاربة (طارل) المستوردة من الهند، والسعي إلى تعميم الإنجليزية في الإعدادي، وكذلك توسيع تدريس الأمازيغية في الابتدائي، وتجديد جوانب من المنهاج الدراسي والكتاب المدرسي، وتعزيز البنية الرقمية، وتجديد البنية الهيكلية والوظيفية للوزارة. ولئن كانت الوزارة ماضية مضيا حثيثا في فرض مقتضيات خريطة بنيت لإنقاذ الرؤية الاستراتيجية، فإنها تسير على نحو رتيب في تقطير تنزيل متطلبات الاتفاقات الاجتماعية النقابية، وخاصة ما يتعلق بمخرجات النظام الأساسي الجديد وبالأخص ذات التكلفات المادية والتأثيرات المالية. وقد بشرت الوزارة بالمضي في تنزيل متطلبات النظام الأساسي الجديد من خلال الحديث عن مراسيم لتخويل المنحة المالية للمنخرطين في مشروع الريادة، وتوظيف وتسوية وضعية عدد من الأطر من خلال المباريات، والامتحانات والتكوينات، وإعادة النظر في تدبير الحركة الانتقالية، وتنظيم جائزة الاستحقاق المهني، وإرساء مركز الأستاذية للتميز.

في ما يخص بعض المعطيات التي تتعلق بالحصيلة المنجزة، فإن الوزارة تعتز بجملة ما تحقق في مجال تطوير العرض المدرسي من حيث التزايد الملحوظ في العدد المتوقع بالتعليم العمومي والخصوصي في الأسلاك الثلاثة ليبلغ

رقم 8.112.592، ومن حيث ارتفاع نسبة التمدرس بالتعليم الأولي (+3,4%)، ومن حيث الإحداثات الجديدة التي ستعزز مجموع المؤسسات التعليمية (12 299)، وأيضا من حيث توفير الموارد من عدد الأستاذات والأساتذة 288072. كما تفتخر بتطوير الدعم الاجتماعي الذي سيرفع عدد المستفيدين من الداخليات ((+9,5%  ومن المطاعم المدرسي ((+3,33%   وكذا من النقل المدرسي ((+10,1% ومن تخصيص الدعم المالي للناشرين للحفاظ على قدرة الشرائية للأسر (25%)، وهذا إلى جانب استفادة عدد يبلغ 3.053.60 من منحة الدخول المدرسي في إطار نظام الدعم الاجتماعي المباشر. وتشيد الوزارة هنا أيضا بالتوجه نحو تدريس الأمازيغية في 40 % من مؤسسات التعليم الابتدائي، وتعميم الإنجليزية في الأولى إعدادي ب% 63. وفي ما يخص مشروع مدرسة الريادة تورد الوزارة من الحصيلة الرقمية ما يكشف عن توسيع هذا النموذج في السلك الابتدائي ليغطي2626  مؤسسة، وعن تجريبه في 232 إعدادية. ومن جهة أخرى تتحدث الوزارة عن الاستمرار في الاعتناء بتدبير المؤسسات التعليمية وتنشيط الحياة المدرسية، من خلال رصد مبلغ 370 مليون درهم لتمويل مشروع المؤسسة المندمج وتبسيطه ورقمنته، وتأسيس الجمعيات الرياضية (100% في الثانوي، و60% في الابتدائي)، وتسجيل أكثر من 7400 تلميذ في مسالك رياضة ودراسة، والتجهيز التقني المعلوماتي (تجهيز 37 ألف حجرة دراسية بمسلاك ضوئي، وتخصيص 40.000 لوحة لمسية لاستخدامها بالقاعات المتعددة الوسائط). ولم يفت الوزارة التنصيص على مجهوداتها في مجال ضمان الاستمرارية البيداغوجية في المناطق التي تضررت بفعل زلزال الحوز.

ملاحظات نقدية

لا يخرج ما تعرضه الوزارة من منجزات عن الذي سبق تقديمه في كثير من وثائق الوزارة الصادرة في السنة الماضية، وفي غيرها من السنوات وفي مثل ذلك من مواسم الدخول المدرسي الذي لا يعرف عندنا الوضع الاعتباري الذي يعرفه في المنظومات التربوية المتطورة، إلا ما كان من هذا الحرص الكبير على ولوج التلاميذ الفصول الدراسية، لضمان الأمن التربوي من دون التساؤل عن وضعيتهم داخل الفصول، ومدى تحقق شعار ضمان الجودة للجميع في مدرسة عمومية.

وطبعا سوف تبقى الخصائص الجوهرية لبنية النظام التربوي المغربي قائمة؛ متمثلة في الاستمرار في الاستنجاد بالدعم المالي الدولي، واستيراد واستنساخ المشاريع التربوية البعيدة عن البيئة المغربية، ومنح الخبرة التقنوية الغريبة عن القطاع صفة الاستشارة في ديوان الوزارة بدعوى دعم الإصلاح، واستباحة فضاء التربية والتعليم بالغرباء المنبتين عن القطاع تحت مسميات المؤسسات الشريكة في مهام الدعم التربوي، والأنشطة المدرسية، والتكوين والتأطير، ويكفي التأمل في ترحيل مهام تربوية صرفة لجهات جمعوية محددة خاصة في مجال التعليم الأولي، وفي ما ورد عن الوزارة من كون 89%  من أقسام التعليم الأولي تشرف عليها 3 جمعيات وطنية، بينما تقتسم 420 جمعية محلية نسبة 11% من أقسام التعليم الأولي، وكذا ما يتواتر من تمرير القيم والأخلاق البعيدة عن الهوية الوطنية المغربية في البرامج والمناهج لندرك حجم الاختراق التي تتعرض له منظومتنا في أعز ما تمتلكه الأمم، وهو فلذات أكبادها، بدعوى التسامح والمدنية والانفتاح والتشارك خاصة في سياقات التطبيع مع الصهينة والمستوردات الكونية.

في مجال السياسة اللغوية يغدو التصريح بأن 31%  فقط من المؤسسات التعليمية بالمغرب بالابتدائي هي التي تدرس الأمازيغية، وأن هناك توجها نحو تدريس الأمازيغية في التعليم الخصوصي، وأن هناك أيضا سعيا لتعميم الإنجليزية في التعليم الثانوي في ظل غياب شروط التنزيل المادية والبشرية والبيداغوجية، مع الصمت عن إجراءات تعزيز الوضع الاعتباري للغة العربية، ليغدو إقرارا غير مستحي ببقاء إشكالية لغة التدريس دون بوصلة للحل إلا من بوصلة التمكين لخيارات الغربنة التي على مدى تاريخها الطويل لم تنبت قطرة، ولم تبهج نظرة.

وإن التفاخر باستفادة مليونين من التلاميذ من البرنامج الوطني للدعم التربوي، والتغني ببرامج الدعم الاجتماعي الذي ألغت برنامج مليون محفظة على علاته، والحديث المتنامي عن التجهيز الرقمي، وتجديد الكتاب والمنهاج المدرسي، وتعميم خدمات النظافة والحراسة، وحل إشكالات الاكتظاظ، ومشاكل الخصاص العام في الموارد والبنيات والهياكل لهو من الادعاءات التي لا تصمد معطياتها في واقع الإنجاز والتنزيل، ويكفي الرجوع إلى جملة من المعطيات التي تقدمها التقارير الوطينة الرسمية، ومنها عروض وزارة التربية الوطنية نفسها ومؤسسات دستورية وطنية وأخرى دولية التي تعترف بتعزز فرص الهدر والتسرب المدرسي، واستمرار ظاهرة الأقسام المشتركة المتعددة المستويات، وتدني نتائج التحصيل الدراسي للتلامذة المغاربة وتقهقر مستوى التحكم في التعلمات، واستمرار تعثرات المدرسة الجماعاتية،  وتعدد مظاهر التسيب القيمي والأخلاقي وتجليات التناقض الهوياتي، هذا دون نسيان الإهدار الفظيع للمال العمومي في مشاريع وبرامج فاشلة من دون حسيب ولا رقيب.

خلاصة

ليس هناك جديد يمكن أن يبعث على تفاؤل ما يبشر بأفق ما في القريب المنظور ولا المستقبل المرتقب، مما يجعلنا مصرين على خلاصات سبق التنبيه إليها في غير هذا الموضع، تصرح بوضوح بأن تضخم خطاب الإصلاح لا يحجب شيئا من التدني الكارثي العام للمدرسة المغربية على مختلف المستويات، مما يضعها في قلب الأزمة المتعددة الأوجه، وتكرر أن توالي موجات ودوامات الإصلاح من دهاليز البوابة ذاتها وبالنهج نفسه، وبالرؤية العمشة الكليلة نفسها لن يؤتي غير مزيد من سوء كِيلة حصاد البوار واللاستقرار اللذين يهدران الزمن المدرسي، ويضيعان مستقبل الأجيال.


[1] تجد المقالة مستندها المرجعي في: عرض الوزارة حول الدخول المدرسي 2024/ 2025 تحت شعار من أجل مدرسية عمومية ذات جودة للجميع، خارطة الطريق 22 /26، الجمعة 6 شتنبر 2024. وفي ما أصدرته مجموعة البنك الدولي حول برنامج دعم التعليم في المغرب. وفي وثيقة حصيلة قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي: الأرقام والمؤشرات برسم الموسم الدراسي، ماي 2023. وفي الدراسة الموسومة بالمغرب التعليمي في سنة 2023: منظومة التربية والتعليم ومستجدات الإصلاح في ظل الحراك الاحتجاجي، والتي نشرها لنا المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات. في يوليوز 24، ابتداء من ص 79.