من أعظم ما من الله به على أمة نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، أن بعث فيها بعد انقطاع الوحي وختم الرسالات من يجدد لها دينها.
عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ يبعَثُ لِهذِه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سَنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها (1).
تجديدا لا يغير الثابت من شرع الله وإنما يجدد الإيمان في القلوب بالتربية على شعبه وارتقاء درجاته؛ من إماطة الأذى عن الطريق إلى قول لا إلاه إلا الله، ليجدد بذلك بواعث القومة في الأمة جمعاء.
قال صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون شعبة – عند البخاري بضع وستون – أعلاها قول لا إلاه إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” (2).
شعب صنفها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله في عشر خصال تندرج تحتها سبعة وسبعون شعبة.
“ولنا اهتمامات لعصرنا وما بعده، ونواجه جهل الناس بإسلامهم فنؤلف تأليفا غير تأليفهم. لا نأتي بجديد بدعي، لكن نرتب مراحل التربية والتنظيم والجهاد، ونحسب سبعا وسبعين شعبة متدرجة ما فيها حرف واحد خارج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وقسمنا السبع وسبعين شعبة عشر فئات سميناها الخصال العشر” (3).
خصال وجب على كل من أراد سلوك طريق الأنبياء وحمل مشعل وهم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، أن يتشربها بقلبه ويترجمها أعمالا بجوارحه .إذ لا دعوة ولا تجديد إلا بتربية إيمانية ترتكز على أسس قوية ومتينة.
لا دعوة ولا تجديد إلا بتربية إيمانية تغرس أمهات الخصال في القلوب.
لا دعوة ولا تجديد إلا بشروط التربية الثلاث.
صحبة وجماعة يجاهد الفرد نفسه وسطها ويصبر معها لهدف بنائها، ويتواصى فيها بالحق والمرحمة والمحبة لخلق الله.
صدق وتصديق بالله وغيبه، والاستقامة في القول والفعل استعدادا للجهاد.
ذكر وتوحيد لله وإفراده بالعبادة والمواظبة عليها والخشوع فيها استمطارا لرحماته سبحانه وتعالى.
“ذكر الله غايته أن نتولى الله بعبادته كما أمرنا حتى يتولانا هو برحمته كما وعدنا. ومن ثم فالذكر ليس فقط مناجاة في الضمائر، وكلمات على اللسان، وشعائر ظاهرة يعظمها المؤمن. بل الذكر الوقوف بين يدي الله صفا في الصلاة، يتقدم إليه لأداء مراسيم العبودية، ثم إشاعة حاكمية الله في علاقات جند الله مع الله وفي علاقاتهم استعدادا لتطبيق شريعته يوم يؤول الحكم إلى المؤمنين، في كل مجالات الحكم، والسياسة، والاقتصاد، وشكل المجتمع، والعدل فيه، والثقافة، والجهاد كله” (4).
فلا دعوة إلى الله ولا تجديد لدينه إلا بإقامة الصلاة، فهي عماد الدين وباب المسلم نحو تحصيل باقي الأسس.
بها تسمو روحه و يتنور قلبه وينشرح صدره، حين ينتزع نفسه خمس مرات من دنيا الفناء لينجمع بمولاه وخالقه.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (سورة الرعد، الآية 12).
صلاح الأمة يبدأ من صلاح أفرادها وتوازنهم وبنائهم النفسي الصحيح. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “الصلاة لوقتها وفي المسجد مع الجماعة هي الضابط للمسلم، إذ تنقله من الوقت السائب المقيد بعلاقات العمل والراحة والطعام واللهو، إلى الوقت الإيماني، المقيد بداعي الله خمس مرات في اليوم ومرة في الجمعة. تنقله من المكان السائب المنطلق في ساحة الغفلات، إلى بيت الله يلبي النداء رمزا للطاعة والانقياد. تنقله من الوحدة السائبة، وضياع الرفقة الغافلة، إلى صف المصلين بين يدي الله ” (5).
نجاح أبناء الأمة في طلب العلم والعمل والاقتصاد مطلب، وإقامة الصلاة لذكر الله شرط وأساس. قال الله سبحانه وتعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (سورة طه، من الآية 14).
(1) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة.
(2) رواه الشيخان.
(3) عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، صفحة 36.
(4) المصدر نفسه، صفحة 151.
(5) المصدر نفسه، صفحة 156.