مرة أخرى، يثبت الكيان الصهيوني أنه لا عهد له ولا ميثاق، وأن دماء الأبرياء في غزة ليست إلا وقودا لحقده الأعمى وجشعه الاستيطاني. لم تمر إلا أيام قليلة على اتفاق وقف إطلاق النار، حتى عاد العدو إلى طبيعته الوحشية، يستهدف خيام النازحين، ويدك البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويواصل سياسة التجويع الممنهج، في محاولة يائسة لتركيع أهل غزة ودفعهم إلى التهجير القسري.
كل هذا العدوان يجري تحت مظلة الدعم الأمريكي السافر، حيث لم يكتف البيت الأبيض بإرسال الأسلحة والذخائر، بل وفر للكيان المحتل غطاءً سياسياً دولياً، يمنحه الحرية المطلقة في مواصلة جرائمه دون مساءلة. ولكن الأخطر من ذلك كله، هو استمرار بعض الدول العربية في مسار التطبيع المخزي، وكأنها لم تسمع صرخات الأطفال، ولم تر جثث الشهداء، ولم تدرك أن استرضاء العدو لن يجلب لها إلا العار والخزي.
إلى متى هذا العبث؟ إلى متى ستستمر هذه الخيانة المقنّعة بشعارات السلام الكاذبة؟ ألم يكن مشهد المجازر كافيًا لتدرك الأنظمة المطبعة أنها ارتكبت جريمة لا تغتفر؟! ألم تكتشف حقيقة هذا العدو، الذي لا يعرف إلا لغة الدم والدمار؟ كيف يبرر المطبعون هرولتهم نحو عدو يقتل الأطفال، ويهدم البيوت، ويدنس المقدسات؟ ألم يدركوا بعد أن كل اتفاقياتهم لم تحقق سوى مزيد من الجرأة للكيان المحتل على ارتكاب الفظائع؟ إن التطبيع لم يكن سوى جسرٍ عبر عليه العدو ليواصل إجرامه، وسهمٍ مسموم في ظهر القضية الفلسطينية، يطعن بها كل يوم على مرأى ومسمع من العالم.
ولكن بالله عليكم، ماذا ستقولون لربكم يوم تلقونه؟ كيف ستبررون توقيعكم الاتفاقيات بينما كانت دماء الأبرياء تسفك؟ بأي وجه ستقفون بين يديه وقد تاجرتم بمقدسات الأمة وبعتم قضية هي جوهر عقيدتكم؟ ألم تسمعوا قول الله تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ[هود: 113]؟ كيف تواجهون صرخات الأطفال الذين قُتلوا بصواريخ العدو الذي باركتموه بصفقاتكم؟ ألا تخشون يومًا تقفون فيه أمام الله، فتسألكم الأمهات الثكالى، ويسألكم الشهداء، ويسألكم الأقصى: لماذا خذلتمونا؟!
لقد آن الأوان لوقف هذا الانحدار المخزي، آن الأوان لموقف عربي وإسلامي صادق، لا يهادن ولا يساوم، بل ينحاز للحق وأصحابه. لا أمن للمنطقة مع وجود هذا الكيان، ولا كرامة مع التطبيع، ولا عدالة إلا بمحاسبة الاحتلال ووقف دعمه من قبل من يدّعون الدفاع عن “حقوق الإنسان”.
أما المقاومة، فهي باقية ما بقي الاحتلال، وغزة صامدة، ولن تركع بإذن الله.