إليك أيتها المرأة، أقدم اعتذاري

Cover Image for إليك أيتها المرأة، أقدم اعتذاري
نشر بتاريخ

طالك البؤس وأنت المشرفة المكلفة، أُهنت في المعامل والمصانع، بمختلف المبررات والدوافع، انتُزعت انتزاعا من برجك ليلقى بك عدوانا في معمعان الفتن، تكدين لتقتاتي، وتجتهدين لتكسبي نصف ما يكسب أخوك الرجل في نظام سخرة عافته القوانين دون الواقع، وإذا ما تبوأت مقاما عليا فلأن أولي نعمتك أرادوا أن يزينوا بك واجهات ديمقراطية مصنوعة بنسب الكوطا لا الاستحقاق.

أوهموك أن الرجل عدوك اللدود، ومنافسك العتيد، وعقبتك الكؤود التي ما إن تجاوزتها عانقت الحرية والزمن الجميل، فلتنتزعي منه حقوقك المغصوبة، ومطالبك المنهوبة، صدقتِهم ووليت الوجهة عنهم إليه، تخاصمينه وتناصبينه العداء. نسيت في خضم كل ذلك روابط القربى والدين والإنسانية، غفلت أن عدوكما واحد… هو من رد سيف العدالة في غمده، وأشهر للظلم أنصالا، هو من يسيمكما معا سيما الظلم ويغمط حقكما في العيش المشترك وقيم النصفة ومطالب المناصفة، هو من يستخدمكما معا لقضاء مطالبه وتحقيق مآربه، بعيدا عن نورانية الزمن الشريف حيث كنت متوجة بتيجان التقدير والعفاف والنبل والكفاف.

هل تتذكرين؟ يوم كنت شامة الزمان والمكان، في قلب الأمة تتقلبين في النعم وتتشربين القيم غضة طرية من النبي صلى الله عليه وسلم خير الأنام، ومن جاء بعده من أهل الرشد، يقودونك وأخاك الرجل بحكمة، ويسوسونكما سياسة رشاد، ويوجهون وينصحون ويجعلون كلا منكما في ثغر يلائمه، لتكونا معا فاعلين في بناء الأمة والتمهيد لنصرها وعزها وتمكينها.

هل تتذكرين كيف كنت وأخواتك؟ منكن الطبيبة ومنكن العالمة ومنكن المحتسبة ومنكن الفقيهة المفتية ومنكن التاجرة ومنكن ومنكن، وكلكن حافظات لظهر الرجل الأخ والزوج والابن والقريب أن يؤتى من ظهره وهو ينبعث لجهاد الدعوة والبناء والتغيير. التقت حينئذ القوامة بأختها الحافظية فأنشأت الواقع العذب السلسبيل، لم تمنعك صناعة الرجال من صياغة التغيير، ولا المشاركة في بناء الأمة وممارسة الوظائف مع الحفاظ على الفطرة وبناء الأجيال القوية المستخلفة.

 من أجلك أنت تحركت الجيوش حفاظا على عرضك أن يمس، ومن أجلك أنت ألقيت الخطب لتغيير العقليات التي عششت فيها آثار جاهلية مضت وانقضت، من أجلك أنت جاءت بشارة الخيرية والحصن من العذاب، ومن أكرمك أنت هو الكريم ومن أهانك فمذل لئيم، أنت صاحبة المحبوبية، المبشرة بكريم النوال، وعطاء ذي الجلال بالقليل من الفعال، أما إن شمرت عن ساعد الجد وطلبت الكمال، فأنت السيدة هنا وهناك.

مرت العقود وأنت على ما أنت حتى حصل الانقطاع النكد والانفصام الأشر وانكسار العهود والمواثيق بتمزق الخلافة وتولي أغيلمة هم داء الأمم مذ كانوا، فما فتئ أن خلف فيك كسورا ورضوضا، فأصبح ينظر إليك أنك الداء ومنبع الفتن والنقم. أعادوك أخية إلى البيوت وضربوا دونك بسوء فهم أسوار الجمود، عدت سبية قصور، أو قينة ملوك، ترتعين مع سائمة المعازف والمراقص، وتزينن مجالس ذوي المهابة والفخامة من الملوك من أهل العض فالجبر. 

لو تعودين إلى سالف عهدك، وتنتزعين الحق انتزاعا ممن ظلموك برفقك المعهود، وتغرفين اغترافا من نبع الدين الصافي، وتطلبين كمالاتك كما أراد لك رب الأرباب، تتعلمين وتعلمين، تفقهين وتتفقهين، تنخرطين وأخاك في سلك البناء وورش التغيير وميادين الفاعلية، اليد في اليد تنشدان الغد الأمثل لكما وللأجيال اللاحقة فتكونان أداة بناء داخل الأمة لا معول هدم ونقض، وتعليان مرفرفا علم النصر والعز لأمة مغلوبة منهوبة.

إلى ذاك الحين، إليك أيتها المرأة، أقدم اعتذاري عما وقع، وليته ما وقع، لكن لما وقع فلحكمة وقع، حتى تعي إلى أي حد أرادك هذا الدين جوهرة مصونة، وأعلى شأنك لتعانقي الثريا، وتتشبتي بمكانك السامق، وبرجك الشاهق، بإيمان دافق وحضور واثق في زمن الحضور والشهود لا السلبية والقعود.