جرت العادة أن يتخذ الناس العمل وسيلة وأداة للكسب وتحقيق المصالح الدنيوية طلبا لتقوية الأجسام ومراكمة الأرباح وتطلعا إلى الترقي في المناصب والسلطان. لكن ماذا لو اتخذنا العمل مرقاة في سلم القرب من الله عز وجل توددا وتحببا؟؟
جاء في الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يحب العبد المحترف” وطوبى لمن أحبه الله، ويا فرحة من نال شرف محبة الله. جميل أن تحب الله لكن أجمل منه أن يحبك هو فأبشر يا أيها العامل المحترف. كلام ينفذ إلى الأعماق فوجه البوصلة في الاتجاه الصحيح، ليرفع العبد العامل من تحت أطباق الثرى إلى أعالي الثريا يناطح الجوزاء، لا يكتفي المؤمن بالسعي صباحا مساء وهمته إلى الأرض بل يوقضها ليجعل من منشاره ومطرقته ومعوله ويراعه ومعوله ترياقا للسعادة الأبدية تنار بمحبة الباري عز وجل.
ولأنه يعلم أنه عز وجل يحبه يرتفع عن سفاسف الأمور يستحضر عظمة الموقف ويجل المطلب ويتقن العمل. محركه في العمل دافع قلبي بلا حدود ولا تقف في وجهه السدود. يجد العبد العامل في عمله لذة لا كلفة ونشاطا لا كسلا، يكون لقب العبد العامل شأن مع الله قبل أن تعمل فيه يده، يجدد قصده في قلبه قبل أن يصنع من الحجارة دارا ومن الحديد سيارة، ويحيك من القماش لباسا وغطاء، يثمر قلبه محبة لله قبل أن يغرس أشجارا، ويفتت القسوة والجفوة في قلبه قبل أن يهوي بفأسه يشق الأرض ويفلحها. يلبي نداء الفلاح قبل أن يكون هو الفلاّح،
العمل بإتقان لأن العبد إذا سرت في فكره وعاطفته أنه يتعبد الله بعمله وحرفته، يحرص على أن يكون عمله بمواصفات يحبها الله ورسوله ويستحضر مراقبة الله له أولا ويطيعه في أمره كله وفي عمله، فيتقن ما أوكل إليه لأنه مأمور بالإحسان والإتقان إن الله يأمر بالعدل والإحسان، “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”، “إن الله يحب من العامل إذا عمل عملا أن يتقنه…”.
العمل بمسؤولية يستحضر أن تهاونه وتغيبه و تكاسله في عمله ما هو إلا نقص وخرم في إيمانه ودينه ومروءته، وثلم في علاقته ببارئه عز وجل، يقدم على العمل الذي يتكسب منه وكله يقين أنه يجمع إلى إيمانه شعبة من شعبه ويصل حلقة من حلقات إسلامه التي لا يكون كاملا إلا بها.
عمل بفاعلية وإنتاجية، فالعامل المؤمن يدرك أنه يشيد لبنة من لبنات نهضة الأمة وعزتها ورقيها، فيضاعف الجهود يتحرك معها المعمل والمؤسسة والورشة، تدور معهما حركة الاقتصاد وتزيد إنتاجية الفرد والجماعة، إنه يعمر الأرض التي استخلف فيها وعليها.
عمل وعمل، عمل ورقي في مدارج المحبة والإيمان، ورقي للأمة في سلم الحضارة، يسلم الفرد من أدواء الاستكانة والخمول والكسل والركون واللامسؤولية، فتسلم الأمة من الوهن والضعف والعيش على فتات الأمم الأخرى، أمة مستهلكة لا حظ لها من إنتاج مأكلها وملبسها ومركبها، تتعبأ الطاقات لطلب الحظوة عند الله فتثمر تنمية وشأنا في الأرض، ترتفع الهمم والعزائم، تشحذ القلوب فتتحرك الجوارح تبعا لها لتغرس وتزرع وتبني تصنع.