تشكل اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي وقعتها العديد من الأنظمة مع الكيان الإسرائيلي ومنها النظام المغربي علامة فارقة تؤشر على بروز مرحلة متقدمة من العلو والغطرسة الإسرائيلية التي بشر بها مشروع تيودور هيرتزل في صورة اختلاق إسرائيل الكبرى، وإذا قلبنا النظر في العقيدة السياسية المؤطرة للمشروع، نجدها موغلة في أساطير تاريخية ومعتقدات دينية محرفة، منبعها روح قاسية أسست لعنصرية مقيتة لا تقيم وزنا لدين أو عرف أو قانون، ومن هذا المنطلق فإن إسرائيل لم تلتزم يوما باتفاقية أبرمتها ولا بمعاهدة كانت طرفا فيها، بل ظلت دائما تخرق قواعد القانون الدولي بصلافة منقطعة النظير ودون حسيب أو رقيب، لأنها ظلت مدعومة ومسنودة من طرف القوى النافذة وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية، التي شكلت درعا واقيا أمام الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية في ضرب صريح وخرق سافر لقرارات منظمة الأمم المتحدة، التي أضحت مرتهنة لميزان قوى تصنعه القوى المستكبرة.
وإذا كانت اتفاقيات التطبيع ساقطة بموجب قواعد القانون الدولي كما سنبينه لاحقا، فإنها ظلت ترشف موادها غير المعلنة وتغرف بنودها غير المنشورة من الصفقة الأم الموسومة ب”صفقة القرن” التي تضم مجموعة من البنود، التي جاءت في 181 صفحة وتطرقت لمجموعة من القضايا: كقضية الحدود مرورا بحق العودة، والقدس، ووصولا إلى شكل الاقتصاد الفلسطيني، وقد تولى صناعة خريطة هذه الصفقة وهندسة مسارها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وعرابه كوشنير المكلف بالتواصل الدبلوماسي، لتمهيد الطريق نحو اتفاقيات التطبيع المشؤومة، وبتمحيص مضامين هذه الاتفاقيات نجدها مخالفة لقواعد القانون الدولي الذي يتمثل في “مجموعة القواعد القانونية المتصفة بالعمومية والتجريد، التي ارتضتها الجماعة الدولية وأصدرتها في صورة معاهدات وبروتوكولات دولية ملزمة، بقصد حماية حقوق الإنسان المحكوم بوصفه إنسانا وعضوا في المجتمع من عدوان سلطاته الحاكمة أو تقصيرها، وتمثل الحد الأدنى من الحماية التي لا يجوز للدول الأعضاء فيها النزول عنه مطلقا أو التحلل من بعضها في غير الاستثناءات المقررة فيها” (1)، ووفقا لذلك تعتبر اتفاقيات التطبيع وثائق غير قانونية، لكونها ترتكز على مبدأ القوة، وسياسة الأمر الواقع، وعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وتحتوي على مخالفات جسيمة لأحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي، والقانون العرفي الدولي، كما تحتوي على نصوص مخالفة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والقرارات التي تقضي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولربما تظن إسرائيل باستغفالها للمطبعين واستغلالها لوباء كورونا أنها تمرر اتفاقيات من شأنها التحصن والهروب مما يواجهها من مسؤولية والتزامات أمام قواعد القانون الدولي، فإن ذلك لا يسعفها البتة لأن هذه القواعد تسري في حالة الحرب والسلم على حد سواء (2).
أولا: التطبيع انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان
إن التطبيع بين دولتين يعني عودة العلاقات بينهما طبيعية في كل أبعادها ومجالاتها وفق ما يقرره الطرفان من توافقات وتعاقدات بينهما، تحكمها قواعد اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 (3) والتي جاء في ديباجتها ما يلي: “وتذكيراً منها بتصميم شعوب الأمم المتحدة على إقامة شروط يمكن معها الحفاظ على العدالة واحترام الالتزامات الناشئة من المعاهدات، واعتبـاراً منها لمبادئ القانون الدولي المقررة في ميثاق الأمم المتحدة مثل: الحقوق المتساوية، وتقرير الشعوب لمصائرها، والمساواة في السيادة واستقلال جميع الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومنع التهديد بالقوة أو استعمالها، والاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، واعتقاداً منها بأن التقنين والتطور التقدمي لقانون المعاهدات اللذين تحققا في هذه الاتفاقية سيدعمان مبادئ الأمم المتحدة المنصوص عنها في الميثاق، وهي المحافظة على السلم والأمن الدوليين وتطوير العلاقات الودية وتحقيق التعاون بين الدول”، ويتضح في ضوء هذا النص الذي يشكل جزءا مهما من اتفاقية فيينا باعتبارها مرجعا أساسيا في القانون الدولي، وفي ضوء ما يشكله التطبيع من اعتراف ودعم ومساندة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتشجيعه على انتهاك الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة، فإن توقيع إعلانات واتفاقيات مع هذا الكيان يعتبرا ساقطا ومخالفا لأحكام ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان ومنها: …….. تتمة المقال على موقع aljamaa.net.