ارتفاع متواصل في الأسعار يثير سخط المغاربة ويفاقم الضغط على القدرة الشرائية

Cover Image for ارتفاع متواصل في الأسعار يثير سخط المغاربة ويفاقم الضغط على القدرة الشرائية
نشر بتاريخ

يعود موضوع ارتفاع الأسعار إلى واجهة الأحداث بقوة هذا الأسبوع، تزامنا مع حملة ينخرط فيها عموم المغاربة في وسائل التواصل الاجتماعي بوسوم عدة، تستهدف مواد كثيرة منها تحديدا السمك واللحوم الحمراء التي سجلت ارتفاعات قياسية في أثمانها.

الحملة التي أخذت تتسع في الفضاء الرقمي وتستثير سخط المغاربة، بعد حدث “مول الحوت” في مراكش، وبعد كشف ناشطين للسعر الحقيقي لأثمنة بعض المواد والسلع، مقارنة مع الأثمان الخيالية التي تبلغ أرباحها نسبا غير معقولة، تسائل السياسات التدبيرية للدولة ومؤسسات الرقابة والحكامة والضبط، كما تسائل مكونات المجتمع على مدى وعيها وانخراطها في مسارات الضغط بكل السبل التي يتيحها القانون لوضع حد لهذا الغلاء الفاحش.

ارتفاع الأسعار بنسبة 2.0% مقارنة مع السنة الماضية

الارتفاع المتواصل للأسعار، ليس مجرد حديث بين المواطنين، أو حبيس نقاشات وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما توضحه التقارير الرسمية، بما فيها التقرير الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط الشهر الماضي، حيث سجل التقرير ارتفاعًا بنسبة 2.0% خلال شهر يناير 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وقد نتج هذا الارتفاع عن تزايد أثمان المواد الغذائية بنسبة 3.3%، وأثمان المواد غير الغذائية بنسبة 1.1%.

ووفقًا للبيانات الرسمية، فقد بلغت نسبة الارتفاع 3.6% في أسعار السكن والماء والكهرباء والغاز خلال سنة واحدة فقط، وهو ما انعكس على ميزانيات الأسر، حيث أصبح الإنفاق على الاحتياجات الأساسية أكثر تكلفة، خصوصًا ذوي الدخل المحدود. ويعكس هذا الواقع استمرار التأثيرات التضخمية التي زادت حدتها بفعل ارتفاع أسعار بعض المواد الحيوية.

يرى الدكتور محمد بن مسعود، الكاتب العام للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان، أن “الغلاء ابن الفساد المحمي، ولا يوقفه إلا تطبيق القانون على الجميع”. ويوضح في تدوينة مطولة في حسابه الشخصي بفيسبوك، أن مشكل الغلاء يتجاوز كونه حدثا طارئا مرتبطا بأفعال منفردة إلى كونه “طامة بنيوية” و”منظومة متكاملة” تستقوي بآليات التحكم، وباستغلال مواقع النفوذ.

التلاعب لا يقتصر على السمك، بل يشمل اللحوم والحليب والمحروقات والاتصالات والأدوية…

وفق التقرير ذاته للمندوبية، فإن ارتفاع الأسعار ما يزال في تصاعد مستمر، حيث في شهر يناير 2025، شهد الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك ارتفاعًا بنسبة 0.8% مقارنة بالشهر السابق، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.6%.

وبينما سجل تقرير المندوبية ارتفاعا كبيرا في أسعار السمك وفواكه البحر بنسبة (6.0%)، والخضر (4.7%)، واللحوم (2.0%) وغيرها، أكد الدكتور بن مسعود أن ما يجري في السوق هو مجرد مظاهر للفساد “أهمها الاحتكار والرشوة والمضاربة والتواطؤ على رفع الأسعار في السوق بين المنتجين، والغش، والتزوير”.

وأشار عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية إلى أن “مول الحوت”، الذي كشف عن التلاعب في سوق السمك، ليس سوى مثال واحد على شبكة الفساد، وإذا ما فتحنا هذا “الجرح المتعفن”، وفق حديث بن مسعود، سنجد أن الأمر لا يقتصر على الأسماك، بل التلاعب يشمل اللحوم، الحليب، المحروقات، الاتصالات، والأدوية…

الجشع لا حدود له “يستهتر بالقانون ويروضه”

ولفت بن مسعود إلى أن الشاب الذي ألقى بحجر صغير في مستنقع “الفساد المتعفن، المزكم للأنوف والمنهك للجيوب والمفقر للأسر”. انزعج له جزء من لوبي الفساد خوفا من تحول الحجر إلى كرة ثلج، فأجمعوا على ضرورة “معاقبة المخالف” خوفا على “السوق”!!

وفي وقت أكد فيه المتحدث أن هذا الجشع الذي ليست له حدود “يستهتر بالقانون ويروضه” مستفيدا من مناخ زواج السلطة بالمال، وعجز مؤسسات الرقابة، وانتشار الاقتصاد غير المهيكل، شدد في المقابل على ضرورة التطبيق العادل والمنصف للقانون على الجميع، مع إعمال آليات الحكامة الرقابية، وتمكين سلطة القضاء من كل الأدوات والضمانات لتمارس مهامها باستقلالية.

وشدد الدكتور بن مسعود على أن المتضررين مسؤولون عن سكوتهم، كما أن المفسدين والمتواطئين مسؤولون عن جرائمهم. “وإذا كان الفساد لا أخلاق له، فالرهان على تعففه وهم في وهم”، لأن الجشع البشري لا حدود له، والسوق لا يعرف إلا لغة رفع هامش الربح وتقليل كلفة الإنتاج.

الواقع الملتهب فرصة مواتية لوضع “صوى مسار نضالي قوي”

وفي ظل هذا التصاعد المتزامن للغضب الشعبي، يتساءل بن مسعود مخاطبا الفاعل السياسي الذي يريد التغيير والإصلاح: “ألم يحن الوقت لتأسيس جبهة اجتماعية مناضلة وموسعة تضم جميع الفاعلين المناضلين دون إقصاء؟”، مشيرًا إلى أن الفرصة مواتية لـ “وضع صوى مسار نضالي قوي”، لاعتبار أن الشعب الذي أعطى المثال في تضامنه مع غزة وتضامنه في زلزال الحوز هو “قادر على إعطاء المثال في الدفاع عن الحرية والعيش الكريم”.

وختاما فإن هذا الواقع الملتهب الذي تبينه المعطيات والأرقام والتصريحات، يعكس حجم التحديات التي تواجه الأسر المغربية. وإن معالجة الأسباب البنيوية لهذا الوضع يتطلب إرادة سياسية وإصلاحات اقتصادية جريئة، لضمان العدالة الاجتماعية وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، كما يتطلب فعلا اجتماعية نضاليا مدروسا لتحقيق التوازن.