المخزن ودلالاته
إن مصطلح “المخزن” مصطلح قديم قدم النظام القروني المغربي، ارتبط بأسلوب الإدارة العتيقة الحكم الذي يقاوم الحريات الواسعة ويقوم على القاعدة الفرعونية لا أريكم إلا ما أرى. فلفظة المخزن تعني عند كثير من المغاربة الظلم والجور والاستبداد وهضم الحقوق وانعدام الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان وتفشي المحسوبية والزبونية. وزد ما شئت من أوصاف قبيحة، فذاك هو المخزن.
إن هذا كله يجعل المخزن في قفص الاتهام ويجعله بعيدا كل البعد من أن ينال ثقة الشعب المغربي، فالويلات التي عانى منها الأجداد ويعاني منها الأحفاد هي من صنع المخزن وزبانيته، والمغاربة يلخصون انعدام الثقة في المخزن بمقولة شعبية لا ثقة في البحر والنار والمخزن)، وصدقوا.
سياق الكلام
في بداية هذا الشهر العظيم، الذي يتقرب فيه العبد إلى ربه بالصيام والقيام، طلب إلي أن أتقدم لإمامة الناس في التراويح بالدوار الذي أقطنه (دوار أيت معياض التابع لجماعة امليل دائرة دمنات)، فقبلت الطلب مستحضرا تواب ذلك عند الله عز وجل.
وقد نال الصوت إعجاب المصلين، وهو (الصوت) منحة من الوهاب المنان فله الحمد والشكر قبل كل شيء وبعد كل شيء، الشيء الذي أغاظ سعادة القائد واعتبر صوتي صوتا غير مرغوب فيه يجب إبعاده وإسكاته، مما اضطره إلى الحضور هو وزبانيته إلى المسجد يوم الثلاثاء 11 رمضان 1433 ليأمر بوقف الصلاة، قبل أن يتم تنبيهه إلى أن هذا الإجراء سيخلق أجواء غير معروفة النتائج والعواقب، مما جعله يتراجع ويغادر المكان تاركا رسالة شفوية لـ”المقدم” مفادها أنه يتوجب علي الحضور صباح الأربعاء 12 رمضان إلى مقر القيادة. وطبعا لم أذهب لأن المؤسسات التي تحترم نفسها لا تتعامل بالرسائل الشفوية بل ترسل استدعاءات كتابية معلومة الموضوع والزمان والمكان.
وعدم حضوري إلى القيادة له نتيجة واحدة وهو الاتصال بإمام المسجد وتهديده وعدم السماح لي بإمامة الناس وهو ما تم بالفعل. وهو السلوك الذي استهجنه السكان فاتفقوا على أن يرسلوا ممثلين عنهم للقاء القائد والاستفسار عن الأسباب التي دفعت بالسيد القائد ليمنعني من إمامة الناس في التراويح.
استقبلنا السيد القائد صباح يوم الخميس 13 رمضان 1433 ليبدأ بالهجوم مستفسرا عن عدم حضوري إلى القيادة يوم الأربعاء 12 رمضان 1433 فكان جوابي واضحا حين يتم استدعائي كتابة سألبي الدعوة)، وهو الجواب الذي لم يتقبله سعادته لكونه لم يألف أجوبة قانونية وأجوبة العزة والكرامة.
انتهى اللقاء ولم يستطع السيد القائد أن يعطي سببا واحدا مقنعا يجعل إمامتي بالناس أمرا ممنوعا، إنها التعليمات وكفى، إلا أن مصدرا من القيادة أفاد بأن السبب هو انتمائي السياسي. فأصبح الانتماء السياسي جرما لا يغتفر في عرف المخزن.
ثم أما بعد
بعد منع المواطنين من قراءة القرآن داخل بيوتهم ومنعهم من السفر ومنعهم من التخييم والاستجمام جاء دور منع الصلاة في دولة المخزن التي تستغل الدين أبشع استغلال، ليتأكد بالملموس أن شعارات العهد الجديد والدستور الجديد والحكومة الإسلامية الجديدة هي شعارات للاستهلاك والواجهة، وليتأكد أيضا أن المخزن أعمى لا يرى ما يجري حوله من أحداث، من تونس إلى سوريا مرورا بليبيا ومصر، ولا يريد أن يجنب نفسه عواقب الظلم والحكرة. فبنعلي ومبارك والقذافي وبشار لم يتصوروا أن تكون نهايتهم كما رأينا، ولكنه الظلم الذي يولد الثورات ضد العابثين بحرية الشعب والجاثمين على صدورهم. ومن يدري ربما تكون أيت معياض سيدي بوزيد…
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.