الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المخلوقين وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
لقد أتم الله سبحانه نعمته علينا بأن هيأ لنا أسبابا، وسخر لنا أمورا جليلة، ومنها العلوم العظيمة التي علمنا إياها؛ هذه التقنيات والتكنولوجيا الحديثة التي سخرها لنا الله تعالى من أجل خدمة كتاب الله عز وجل، واستغلالها أحسن استغلال.
فالقرآن الكريم هو كلام الله عز وجل، المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المنقول إلينا بالتواتر، والمحفوظ بين يدي الله عز وجل، وحفظه بعد تنزيله بصدور الحفظة.
وقد أكرم الله عز وجل هؤلاء الحفظة المتقنين، وجعل لهم أجرا عظيما، فمن كان يتتعتع فيه وهو عليه شاق فقد بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بأجر مضاعف؛ عن عائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يقرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْران» متفقٌ عَلَيْهِ.
فالذي يكون همه وشاغله الشاغل هو القرآن الكريم، يزيد إيمانه، ويطمئن قلبه، ويهنأ بحياته، وتزداد رزانته، وتظهر الفصاحة في حديثه، ويتسابق إلى مجالس الذكر التي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، ويترك مجالس اللغو، لأن قلبه أضاء واستنار.
وأي شرف وأي فضل يرنو إليه مسلم، يعلو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن القرآن يأتي يوم القيامة يلبسه تاج الكرامة، ويجعله ممن يرضى الله تعالى عنهم، وعندما يتم الرضوان يقال له اقرأ كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها.
وفي هذا العالم المليء بالتحديات والوسائل المتعددة للتعلم؛ تظهر لنا التكنولوجيا كأحد هذه الوسائل التي سهلت لنا الكثير من الصعوبات التي نواجهها في طريقنا للتعلم للقرآن الكريم، وقصرت لنا أيضا الكثير من المسافات، وذلك باستخدام عده تطبيقات.
فلما أضحت هذه التطبيقات غرفا إلكترونية بتكنولوجيا حديثة، شرع العلماء لجعلها حلقات إيمانية من أجل تدارس كتاب الله عز وجل حفظا وتجويدا وقراءات وروايات وتفسيرا، وذلك لتوسيع دائرة الاستفادة ما أمكن والإحاطة به لا على مستوى العالم الإسلامي فقط، بل ليشمل العقل الإنساني بأكمله.
لقد أصبح تعلم القرآن وتعليمه من الأمور المتاحة لدى جميع الفئات حتى الذين منعهم المرض أو كبار السن الذين تعذر عليهم التنقل أو الطلبة الذين منعهم للدوام الدراسي، والذي يستمر طيلة اليوم، أو الموظفين، أو الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يتميزون بطاقات لا مثيل لها.
هذا وإن له العديد من المزايا أيضا، كالمساعدة على توفير الوقت واستغلاله وتنظيمه بشكل يتناسب مع برنامج كل مسلم على حدة.
وبهذا تعتبر التكنولوجيا اليوم، ركيزة أساسية في تعزيز دراسة التفسير وقواعد التجويد ومدارسة كتاب الله عز وجل وفهم معانيه بطرق مبتكرة شاملة، حيث يمكن للطلاب والباحثين تحليل نصوصه بشكل أعمق وأدق، وذلك من خلال استخدام هذه البرمجيات المتقدمة، وهذه التطبيقات المتاحة في الواقع الافتراضي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في جعل المدارسة فيه أكثر تفاعلا وإثراء.
وبالتالي يمكن القول إن التكنولوجيا أصبحت تمثل جسرا هاما نحو فهم أعمق للقرآن الكريم، وتعليمه وتعلمه، عن عثمان رضي الله عنه عن النبي ﷺ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رواه البخاري. مما يدعم تقدم البحث والتعلم في هذا المجال.
فاللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، الذين يتلون آيات الله آناء الليل وأطراف النهار، الذين يتقنون أحكام تجويده وترتيله، ودراسة علومه وتفسيره، واجعلنا اللهم ممن يبلغون هذا العلم النافع لجميع الأمة الإسلامية.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وإخوانه وحزبه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.