مضى شهر الخيرات والبركات، وانقضى يوم الفرحة والجوائز، وهذه سنة الله في خلقه، لكل شيء إقبال وإدبار، وبداية ونهاية.
علَّمَنا رمضان أن الوقت من ذهب، وأن سرعة انقضائه توحي بسرعة انقضاء العمر، فما العمر إلا أيام معدودات. قال الحسن البصري رحمه الله: “يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك”.
وقال: “ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي، يا ابن آدم إنما أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة”.
ومع مضي رمضان، مضت أعماله؛ من صيام وقيام وزكاة وصدقة وختم قرآن ودعاء وذكر، وغيرها من أنواع البر التي حصلت، لكن هل تُقبلت أم لا؟ يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (سورة المائدة، 27). كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإحسانه، ثم يتهممون بقبوله ويتوجسون من رده، وهم من قال عنهم سبحانه وتعالى وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ؛ يعطي ويخشى أن لا يقبل منه، يتصدق ويخشى أن ترد عليه، يصوم ويقوم ويخشى أن لا يكتب له الأجر، قال بعض السلف: كانوا لقبول العمل أشد منهم اهتماماً بالعمل ذاته، وعن فضالة بن عبيد قال: “لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إليّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ“.
من علامات التقوى الامتناع عن الفسق في رمضان، والاجتهاد في العبادة، ومواصلة الطاعة بعد رمضان، لأن صفات المؤمنين لم يقيدها الله عز وجل بوقت ولم يخصها بزمان، يقول سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (المؤمنون، 1 – 5). فالخشوع في الصلاة والإعراض عن اللغو وإيتاء الزكاة وحفظ الفروج يكون في رمضان وغير رمضان، لأن الله تعالى يعبد في كل حين. من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ونحن مطالبون بالعمل إلى الموت بأمر منه سبحانه وتعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين (الحجر، 99). واليقين في هذه الآية هو الموت.
الكيس من يدين نفسه ويعمل لما بعد الموت، فيتعرض لنفحات الله في جميع المواسم ويغتنمها في التزود لليوم الآخر، خاصة شهر رمضان؛ الشهر المبارك الذي بلغت بركته كل الأماكن وكل الأزمنة وكل الناس، فهو شهرٌ يتميز عن باقي الشهور ليس فقط بما يحمله من نفحاتٍ إيمانية وشعائر دينية بل هو بركة اجتماعية لما يحمله من عادات وتقاليد اجتماعية؛ تنشر المحبة وتقوي الروابط الأسرية والاجتماعية بين أفراد المجتمع، كما أنَّهُ بركةً اقتصادية لما يحمله من بركةٍ وزيادةٍ في حركة وإنتاج الكثير من الأعمال والمهن في المجتمع.
إنه دورة تدريبية ومحطة روحيه للتزود منه لبقية العام، ولشحذ الهمم بقية العمر، فمتى يتعظ ويعتبر ويستفيد ويتغير ويُغير مِن حياته من لم يفعل ذلك في رمضان؟!
إنه بحق مدرسة للتغيير، نُغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله جل وعلا لقوله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (الرعد، 11 ).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” (صحيح البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” (صحيح البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” (صحيح مسلم).
فمغفرة الذنوب تحصل لهذه الأسباب الثلاثة، كل واحدٌ منها مكفرٌ لما سلف من الذنوب، وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر.
رمضان مدرسة يتعلم فيها المؤمن والمؤمنة مجموعة من الفضائل، التي تمكنه من تحصيل التقوى، إن هو التمس أسرارها، وواظب على نصيب منها بعد انقضاء رمضان. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “التمسوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم” (1).
فكيف نستصحب نفحات رمضان في سائر الأزمان؟
1. تجديد التوبة والاستمرار عليها
وقد أجمع علماء الأمة الإسلاميّة على أنّ التوبة فرض عين على عباد الله المؤمنين، مصداقا لقوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور، 31).
واستجابة لنداء الله تعالى ودعوته للمؤمنين بالتوبة النصوح في قوله تعالى في سورة التحريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ (التحريم، 8).
وبالمثل نجد أحاديث كثيرة في فضل التوبة والمداومة عليها، منها ما رواه مسلم في صحيحه، عن الأغر المزني أبو مالك عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ، فإنِّي أَتُوبُ، في اليَومِ إلَيْهِ مِئَةَ، مَرَّةٍ”.
إن توبة المؤمن والمؤمنة ويقظتهما القلبية هي أجلّ القضايا التي يجب أن يتهمما بها، إذ هي الطريق لكل خير في درب السلوك إلى الله تعالى، وهو ما لا يتأتى إلا بمجاهدة النفس وتزكيتها، توجها وإخلاصا لله رب العالمين.
وقد دل الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله على معنى عميق للتوبة فقال: “التوبة العميقة التي تقلب كل الموازين، العقلية والقلبية والأخلاقية السلوكية، وتوجه التائب وِجهةَ الآخرة، وتستنقذه من عبوديته لهواه وأهواء الناس والشيطان، وتُخْلصهُ لله عز وجل خالقِه ورازقِه. التوبةُ بهذا المعنى حقا قلب دولة كما يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمهُ الله. قلبُ دولة النفوس، ولا مَسْعَى من دونها لقلب دولة الباطل في العالم” (2).
2. الصحبه الصالحة
هي أساس المواظبة على حال المؤمن في رمضان من صيام وقيام وذكر وتبتل.. والمعين على الثبات والاستمرار، بالتعاون والتآزر والتذكير، فهي مفتاح كل خير.
ويشرح الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله الصحبة بقوله: “ليست الصحبة تطبيقا مجردا للنصوص، وامتثالا جافا عسكريا للأوامر، إنما هي محبة تثبت وترسخ وتنمو وتتجذر في القلب” (3).
3. الإنفاق في سبيل الله
يُقبل الناس على الإنفاق والجود والبر في رمضان بيسر وأريحية، امتثالا لأمر الله جل وعلا، الذي أمر بالصدقة في غير ما آية من كتابه، قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون (سورة البقرة، 245).
حتى إذا تعود المؤمن والمؤمنة على الصدقة في رمضان، فينبغي أن تصبح جزءا من الطاعات التي يقومان بها في سائر الأيام، مصداقا لقوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعارج، 24/25).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا”.
فالمقصد الشرعي هو تحويل المجتمع من مجتمع الأثرة، وحب الذات، إلى مجتمع الإيثار، والتعاون على البر والتقوى.
4. قيام الليل
وقيام الليل مشروع في كل ليلة، وهو سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها، فعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد” (الحاكم (1/451، رقم 1156) وقال: صحيح على شرط البخاري).
ما يصليه المومن بين صلاتي العشاء والصبح هو قيام لليل، إلا أن الأوقات يفضل بعضها عن بعض، وأفضل الأوقات الثلث الآخر من الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: “ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر”. هذا الفضل في ليالي رمضان وغير رمضان، فلا يليق بمن يبيت مستيقظا في ليالي رمضان، متعرضا لبركات ليلة القدر، التي تتنزل فيها الملائكة والروح، أن ينام في وقت ينزل فيه ربنا إلى السماء الدنيا، يعرض فضله على عباده، فالله سبحانه المتفضل والمعطي في ليلة القدر هو كذلك المعطي في كل ليلة إذا حل الثلث الآخر من الليل، والعبد الموفق من له الاتصال الدائم بالله.
5. الصيام
من نعم الله علينا أن والى العبادات، وتابع علينا الطاعات؛ من الفرائض والمستحبات، فإنه إن انتهى شهر الفريضة في شهر رمضان فصوم التطوع بابه مفتوح؛ كصيام ستة أيام من شوال، فقد روى الإمام مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر”.
وصيام هذه الست بعد رمضان دليل على شكر الصائم لربه تعالى على توفيقه لصيام رمضان، وزيادة في الخير، وهو أيضا دليل على حب الطاعات، ورغبة في المواصلة في طريق الصالحات. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال”.
ثم يعقب شوال ثلاثة أشهر من الأشهر الحرم، – ذي القعدة، ذي الحجة، المحرم -، ويستحب للمؤمن والمؤمنة أن يكون لهما فيها حظ من الصيام، ومن الأشهر الحرم رجب، لما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للباهلي “صم من الحرم واترك” ثلاث مرات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” (صحيح مسلم).
وفي كل أسبوع مناسبتان للصيام، الاثنين والخميس، ففيهما تعرض الأعمال على الديان، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم”.
ومن الأيام التي يجمل بالمؤمن والمؤمنة المواظبة على صيامها الأيام البيض، في صحيح بن حبان عن أبي ذر قال: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة”.
ومن الصيام المسنون أيضا صيام يوم عرفة وعاشوراء.
فهذه جملة من الأيام ورد الترغيب في صيامها، إن استطاع المؤمن والمؤمنة صيامها كلها فذاك، وإلا اختارا منها حسب الوسع.
6. قراءة القرآن
خرج رمضان، والقرآن هو القرآن، والأجر ثابت، كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما إني لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).
فعلى المؤمن أن يديم النظر في كتاب الله تعالى حفظا، وتلاوة، ومدارسة، قال الله عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ” (الإسراء، 9)، وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث أبي أمامة: “اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه”.
7. الذكر والدعاء
فرمضان فرصة المؤمن للإكثار من الذكر والدعاء، حتى إذا ذاق حلاوتهما، سهل عليه فعلهما في غير رمضان، امتثالا لأمر الرحمن الرحيم، فعن الذكر قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (سورة الأحزاب، 21). وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمً (سورة الأحزاب، 41/43).
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت”.
فالذاكر لله حي ولو حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء. فالذكر هو مجموع العبادات التي تسمو بروحانية العبد وتقربه إلى الله، والدواء والعلاج الذي يطهر به العبد قلبه من معاني الغفلة ويزينه بالإيمان حتى يصبح همه الله عز وجل، به يرقى مسالك الإيمان إذ هو مصبه وملتقى شعبه ومصدر نوره.
وفي شأن الدعاء، قال تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (الفرقان، 77)، وقال جل وعلا: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (سورة غافر، 40)
وفي سنن الترمذي عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الدعاء مخ العبادة”.
مهجور من هجر باب ربه لا يقرعه، ولا يُنزِل به حاجته، محروم مهدد بغضب الله، في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يسأل الله يغضب عليه”.
لنحافظ على هذه العبادات العظيمة بعد شهر رمضان، فالاستمرار في الطاعة والعبادة سبب لحسن الخاتمة، كما قال النبي ﷺ فيما رواه الإمام أحمد: “إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته” قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: “يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه”، فإذا كان من الصالحين كانت عبادته حسنة، وغطت جميع أحواله وأوقاته، واستمر تعرضه للأجر.
وفيما روى الترمذي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله يُحِبُّ أَن يَرَى أثَرَ نِعمَتِه على عَبدِه”.
الموفق من عباد الله من ثبت أعماله الفاضلة لما بعد رمضان، وفق ما يطيق، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل. وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه”. ولأن المؤمن ضعيف بنفسه قوي بأخيه، وجب عليه البحث عمن يتعاون معه على طاعة الله ورضاه، وينظر إلى قرب أجله وأجر عمله يوم لقاء ربه.
إن “الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حياً” (4)، ورمضان محطة تدريبية على مواجهة النفس، ومقاومة وساوس الشيطان، قال ابن القيم رحمه الله: والنفس كلما وسعت عليها، ضيقت على القلب حتى تصير معيشته ضنكاً، وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حتى ينشرح وينفسح.
ومع كل هذا يجب على المؤمن أن يلزم باب الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، يستمطر مدده وعونه وتوفيقه، فقد روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إكثاره من الدعاء “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك” فقيل له في ذلك؟ قال: “إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ” (رواه الترمذي). وقال صلى الله عليه وآله وسلم “يا معاذ! والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” (رواه أبو داود).
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
الهوامش:
(1) مصنف بن أبي شيبة.
(2) عبد السلام ياسين، العدل: الإسلاميون والحكم، ص187.
(3) عبد السلام ياسين، الإحسان، 1 /101.
(4) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف.