بقلم: ذ. عبد الإله حباط
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان سيد الشهور، ضاعف فيه الحسنات والأجور، أحمده وأشكره إنه هو الغفور الشكور. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
إن الاستعداد للشهر الفضيل، شهر رمضان، سنة من سنن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد وصفت أمنا عائشة رضي الله عنها حاله صلى الله عليه وسلم في استعداده لرمضان، فقالت: (وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِن شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِن صِيَامِهِ مِن شَعْبَانَ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا) 1
تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم في استقباله لرمضان، لا بد لنا من الجمع بين الاستعداد الروحي، والبدني، والنفسي، والاجتماعي، حتى يكون الشهر فرصة حقيقية للتقرب إلى الحق سبحانه وتحقيق التقوى. ولعل الخطوات التالية تساعد على ذلك:
أولًا: الدعاء والتضرع
كان الصحابة الكرام يدعون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان ويعينهم على صيامه وقيامه. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان الصحابة يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يسألون الله ستة أشهر بعد رمضان أن يتقبل منهم) 2
ثانيًا: الاستعداد الروحي
– التوبة الصادقة: قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(سورة النــور: 31).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ” 3. فرمضان الكريم فرصة عظيمة للبدء من جديد، فاستعد له بتوبة نصوح، والندم على الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها.
– تصحيح النية: اجعل نيتك خالصة لله، ولتكن نيتك امتثال الطاعة، وطلب الرحمة، والمغفرة، والعتق من النار. قال النبي ﷺ: “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة” 4.
– زيادة العبادة: لا تنتظر رمضان لتبدأ، بل زد من صلاتك، وقراءتك للقرآن، وذكرك لله حتى يكون قلبك مستعدًا لاستقبال الشهر الفضيل.
– التدرب على قيام الليل: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: “اجتهدوا في قيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم” 5 حاوِل أن تعتاد على قيام الليل ولو بركعات قليلة، حتى لا يكون الأمر صعبًا عليك في رمضان.
– مراجعة القرآن وحفظه: إذا كنت ترغب في ختم القرآن في رمضان، فابدأ من الآن بزيادة وردك اليومي، أو مراجعة ما تحفظه.
ثالثًا: الاستعداد البدني
– التقليل من الطعام: عن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: “ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمنَ صُلبَه، فإن كان لا محالةَ فثلثٌ لطعامِه، وثلثٌ لشرابِه، وثلثٌ لنَفَسِه”. 6. فرمضان ليس شهر أكل، بل شهر صيام، فابدأ في تدريب نفسك على التقليل من الوجبات.
– التدرب على الصيام: صُم أياما من شعبان، حتى يتهيّأ جسمك لصيام رمضان.
– تنظيم النوم: حاول تعديل نمط نومك، بحيث تعتاد على النوم مبكرًا والاستيقاظ للسحور والقيام.
رابعًا: الاستعداد النفسي والعقلي
– تحفيز النفس: ذكّر نفسك بفضائل رمضان، ففيه ليلة خير من ألف شهر، وهي فرصة ذهبية قد لا تتكرر.
– ضع أهدافا واضحة: حدد ما تريد تحقيقه في رمضان، مثل عدد ختمات القرآن، مقدار الصدقات، عدد الركعات التي ستحافظ عليها في القيام، وغيرها.
– الابتعاد عن الملهيات: قلل من الوقت الذي تقضيه على مواقع التواصل والتلفاز، حتى لا يسرقا وقتك في رمضان.
– التخطيط الجيد: ضع جدولًا يوميًا يشمل أوقات الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، والعمل، والراحة، حتى لا يضيع وقتك هباءً.
خامسًا: الاجتهاد في العمل الصالح
– إصلاح العلاقات: روى الشيخان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من درجة الصِّيام والصَّلاة والصَّدَقة؟ قالوا: بَلَى يا رسول الله، قال إِصلاحُ ذاتِ البَيْن” 7. لا تدخل رمضان وأنت تحمل في قلبك حقدًا أو قطيعة، بل بادر بالصلح والعفو.
– التعاون مع الأسرة على الخير: عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت: (ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟) فقالت: (كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) 8. خطط مع أسرتك لاستثمار رمضان بشكل أفضل، كتحضير وجبات صحية، وتخصيص وقت للعبادة الجماعية مع الأسرة.
– المشاركة في الخير: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” 9. جهز نفسك للمشاركة في إفطار الصائمين، أو التبرع للفقراء، أو أي عمل خيري تقدمه لآخرتك.
سادسا: الاستعداد المالي
– إخراج الصدقات: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” 10. ضع ميزانية للصدقات خلال رمضان، وابدأ بالتبرع ولو بالقليل يوميًا.
– التحضير للزكاة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” 11. إذا كان موعد زكاتك في رمضان، فاستعد لها ماليا، وابحث عن مستحقّها.
– توفير الوقت للعبادة: قال رسول الله ﷺ: “إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين” 12. إذا كنت تستطيع تقليل الانشغال بالأعمال المادية والدنيوية في رمضان فافعل، كي تتفرغ للعبادة.
أخيرًا، نسأل الله أن يبارك لنا ما تبقى من شعبان، وأن يبلغنا رمضان، ويعيننا على صيامه وقيامه، ويجعلنا من الفائزين فيه بالرحمة والمغفرة والعتق من النار.
[2] ابن رجب الحنبلي، لطائف المعارف، ص 264.
[3] حديث صحيح. صحيح البخاري: 6309. صحيح مسلم: 2747
[4] حديث صحيح. الترمذي: 682. ابن ماجه: 1642. ابن خزيمة: 1883. أحمد: 7148
[5] رُوي عن عدة صحابة، منهم أبو الدرداء، وأبو أمامة، وبلال، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله. صححه الألباني في صحيح الجامع: 4079.
[6] صححه الألباني في صحيح الجامع: 5674. رواه أحمد: 16735. الترمذي: 2380
[7] حديث صحيح. البخاري: 388. مسلم: 4919
[8] رواه البخاري: 676
[9] حديث صحيح. مسلم: 2699
[10] رواه الإمام مسلم: 2588
[11] حديث حسن. أبو داود: 1609. ابن ماجه: 1827. الدارقطني والحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما
[12] حديث صحيح. البخاري: 1899. مسلم: 1079