أقدمت سلطات الانقلاب الدموي في مصر على اعتقال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، هذا الاعتقال الذي طالما لوحت به السلطات الحاكمة بمقتضى الأمر الواقع عقب تنفيذها لانقلابها في الثالث من يوليو الماضي. وحيث إن سلطات الانقلاب كان بإمكان أجهزتها بمختلف تشكيلاتها وألوانها أن تتعقب الرجل حيثما حل وارتحل وإلقاء القبض عليه، بل إن الرجل ظهر منذ أيام باعتصام رابعة وظل مدة من الزمن يخاطب الجماهير، والأكثر من ذلك أنه قبض عليه في شقة بمحيط رابعة، إلا أنها ومع كل ذلك فضلت عدم الإقدام على الأمر رغم صدور أمر من نيابتها باعتقاله، لكن وكما يبدوا فإنها كانت تنتظر لحظة حاسمة تنضج فيها خطتها التي انتهجتها منذ انقلابها.
وهكذا فبعد إقدامها على فض اعتصامي رابعة والنهضة وما عقب ذلك من هزات ارتدادية، وبعد موجة الاعتقالات التي أعقبت ذلك، ازدادت شراسة وحدة في دلالة واضحة إلى النهج الاستئصالي الذي انتهجته منذ بداية انقلابها، وقد ركزت هذه الاعتقالات منذ البداية على قيادات جماعة الإخوان المسلمين وكوادرها.
إلا أن الجديد الذي بدأ يثار هذه الأيام في وسائل الإعلام وعلى ألسنة المسؤولين المصريين، هو الاتجاه نحو حظر جماعة الإخوان المسلمين. وقد عودتنا التجارب مؤخرا أن خطط الانقلابيين يروج لها مسبقا إعلامهم ثم بعد ذلك ينزل الأمر على أرض الواقع، ليبتين أن الاتجاه الذي تسير نحوه الأمور الآن هو محاولة فصل رأس الجماعة عن جسدها، ثم الحكم بحلها بتهمة الإرهاب وعدم القانونية، وبعد ذلك القضاء نهائيا على كيان تنظيمي اسمه جماعة الإخوان المسلمين من على الوجود بأرض الكنانة.
والحقيقة أن الذي يفكر بهذا الشكل هو يمضي في وهم كبير.
والتحليل الأقرب في نظرنا هو أن كل هذا السياق يرمي إلى الضرب بقوة وعلى فترات بضربات قوية وحاسمة لمفاصل الجماعة، إن على مستوى الكوادر والقيادات أو حتى على مستوى الأعضاء بل وحتى المتعاطفين معها، لأن القضاء على الجماعة ككيان لن يكون بتلك بالبساطة التي يتوقعها البعض. وفي هذا السياق أوردت إحدى الصحف المصرية المؤيدة للانقلاب أن “الجماعة في حالة موت سريري”، وهو حكم أقل ما يقال عنه إنه سخيف، تبرز سخافته من سطحية التحليل من جهة ومن جهة أخرى من الانحياز المعروف لصاحب التحليل وتحامله على الجماعة. وعموما فإن القضاء على جماعة بحجم جماعة الإخوان المسلمين هو ضرب من الوهم والخيال لعدة أسباب:
1. أول هذه الأسباب هو أن جماعة الإخوان المسلمين – شأنها شأن مجموعة من الجماعات الإسلامية سواء التي تخوض معترك السياسة أو تلك التي تكتفي بالعمل الدعوي فقط – هي فكرة قبل أن تكون تنظيما، هذه الفكرة تستند بالأساس على مرتكز عقدي روحاني يجعل من المستحيل القضاء عليها في الداخل الوجداني أو العقلي لمعتنقيها.
2. أحد أهم مرتكزات جماعة الإخوان المسلمين التربية الروحية، والخبير في هذا المجال يعرف أن الفكرة حينما يتربى عليها الإنسان روحيا يصبح من الصعب بمكان أن تمحى من داخله، فقد قيل التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وأغلب الواردين على الجماعات الاسلامية تكون تلك تجربتهم الروحية الأولى – أقصد بطبيعة الحال الجماعات التي تهتم بالجانب الروحي – ما يجعل تشبثهم بأهداف الجماعة ومبادئها أمرا بديهيا.
3. أثبتت التجارب الماضية – وإن كانت مريرة – أن جل الحركات الإسلامية إن لم نقل كلها، والتي انتُهج معها هذا النهج قد خرجت أكثر قوة وصلابة مما كانت عليه، وهنا نتذكر محنة الإخوان مع دكتاتورية جمال عبد الناصر وما صاحبها من اعتقالات وإعدامات وما تلا ذلك من خروج الجماعة منه أكثر قوة وعزيمة أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن حل الجماعة هو ضرب من الخيال. نفس الأمر حصل في تونس مع حركة النهضة، وفي المغرب حينما حوصر مرشد جماعة العدل والإحسان رحمه الله واعتقل مجلس إرشادها ونفذت بالموازاة مع ذلك مئات الاعتقالات في صفوف أعضاء الجماعة. وعلى الرغم من كل ذلك تضاعفت أعداد أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها.
4. مركزية القائد في الجماعات الإسلامية ليس كما يتصورها الواهمون من خارجها، حتى سمعت بعضهم يقولون تعقيبا على اعتقال محمد بديع: “الآن قد اعتقل المرشد وهم عندهم السمع والطاعة له، فلمن سيستمعون الآن؟”. إن مركزية المرشد تبرز في حالات معينة، وإلا فأغلب الجماعات الإسلامية لديها مجالس الشورى الخاصة بها ومجالس القيادة وإن تنوعت تسمياتها، والتي تعمل على تنفيذ توصيات مجالس الشورى، بينما تبقى مركزية المرشد ومحوريته لها قيمتها، إلا أن تلك المحورية لا تعني القضاء على عمل الجماعة وسيرها حين غياب شخصية المرشد، لأن العمل مؤسساتي أكثر منه فردي.
ما يمكن قوله في الختام أن القضاء على جماعة بحجم جماعة الإخوان المسلمين سيكون ضربا من الخيال لمن يحاول الإقدام عليه، وإن كان الهدف توجيه ضربات قوية لها وحشرها في الزاوية ودفعها إلى العنف حتى تصبح لدى الانقلابيين حجة لضرب الجماعة ومعها شعب مصر وتحويل مصر إلى سوريا ثانية.