ألا يحق لنا التساؤل والاستفهام حول مستقبل العلاقات الأسرية في مجتمعاتنا الإسلامية، وخصوصا في ظل الاجتياح الهائل للقيم الغربية ومحاولة البعض استنساخ تجربتها في مجال الأسرة والزواج وتربية الأبناء والتعامل مع المسنين؟
إن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي عرفها الغرب وصلت به إلى القضاء على الأسرة واعتبارها مؤسسة تقليدية متجاوزة، وظهرت مفاهيم جديدة تؤطر العلاقة بين الرجل والمرأة، لتحل الصراعية والتنافسية بينهما بدل المحبة والرحمة والتكامل، فأصبح الزوج شريكا، والأمومة ثقلا، وتربية الأبناء من مهام الحضانة ومؤسسات الدولة، وكبار السن في دور العجزة. وغدا الحب سلعة تباع، والارتباط بشخص واحد مغامرة تحرمك من اكتشاف أشخاص آخرين، والعلاقات الحميمية تعرض في الحانات والصالونات وقارعة الطريق، وجسد المرأة مستباح في مواقع “السوشل ميديا” وفي الإعلانات التجارية. فاستقالت المرأة من وظيفتها الرئيسية وهي الأمومة، إذ لا جدوى من ولادة الأبناء ما داموا سينشؤون بعيدا عن أحضان أمهاتهم. فلماذا تلد المرأة ابنا ستفقده بمجرد ولادته لتتولى رعايته الحضانة والقابلة، والكبار بدورهم يعزفون عن الزواج وتربية الأبناء مادام المصير هو دار العجزة.
ومما زاد الطينة بلة تسربل هذه المظاهر بروح فلسفية إلحادية مادية تختزل الإنسان في أرقام اقتصادية كنسبة النمو والتضخم، فسرقت الحضارة المادية من الانسان أثمن ما عنده وهي نفسه ومشاعره وإنسانيته، وغرق في الشهوانية حتى أصبح دابة يقضي نزوته كيفما اتفق له، فظهرت المثلية والشذوذ ووصل إلى حضيض قضاء الشهوة مع الحيوانات والدمى والآتي أظلم.
هذه التحولات في الغرب جعلت المرأة ترفض فكرة الارتباط برجل واحد مفضلة حياة العلاقات السائبة، كما جعلتها تثور على أجمل وظيفة لها في الحياة وهي الأمومة، وبذلك اختارت المرأة كما الرجل الانصهار في عجلة الاقتصاد وتحقيق الرفاهية المادية على حساب المشاعر الإنسانية.
كان من نتائج هذه التحولات في المجتمعات الغربية العزوف عن الزواج واندثار الأسرة وظهور أسر أحادية الرأس تحت إشراف الأم أو الأب، وكثرة الولادات غير الشرعية، وضعف الخصوبة، وقلة الولادات، وارتفاع نسب الإجهاض، وما يصاحب ذلك من الأمراض النفسية والجسدية والكوارث الاجتماعية من عنف وإجرام وإدمان للمخدرات.
هي مفاهيم مادية حول الأسرة والزواج تتسلل إلى مجتمعاتنا الإسلامية عبر الإعلام و”السوشل ميديا”، لتغير عقلية الشباب، وينفر من الزواج، ويتيه على رصيف الإباحية والمجون. متنكرا لقيمه الأخلاقية والدينية، وحارما نفسه من أجمل اللحظات وأسعدها بأن يعيش الإنسان وسط زوجه وأبنائه.
وهنا يحق لنا مساءلة الشباب؛ هل من الضروري استنساخ تجربة غربية في مجال الأسرة والزواج وفشلها ظاهر بين بالإحصائيات والأرقام والوقائع؟ إنه لا عاصم من السقوط في المشاكل التي يتخبط فيها شباب الغرب إلا بإعادة الاعتبار للقيم الإسلامية التي تؤطر العلاقة بين الرجل والمرأة. فالزواج في التصور الإسلامي تؤطره مفاهيم ربانية وأخلاقية وعاطفية وإنسانية، حيث جعل انجذاب أحد الزوجين للآخر مساكنة ومودة ورحمة، وكلها مشاعر قلبية تجعل الشروط الاقتصادية تسعى لخدمة هذه المشاعر النبيلة. كما أنه ليس مجرد ارتباط بين جسدين، بل هو ارتباط بين روحين برباط وثيق سماه القرآن الكريم “بالميثاق الغليظ”، كما جعل كل زوج لباسا للآخر ومكملا له لا منافسا ومصارعا.
والأسرة بما هي مساكنة بين زوجين اجتمعا على المحبة برباط الزواج، وبما هي مكان طبيعي لتربية الأبناء ورعاية الآباء المسنين تعتبر مدرسة لتنشئة الإنسان المؤمن المنسجم مع فطرته.
إذن، لنعض على الأسرة بالنواجد حفظا، وصيانة، وحماية، فالرياح القادمة من هناك عاتية.