الأسرة والزواج.. آخر معاقل الفطرة المستهدفة

Cover Image for الأسرة والزواج.. آخر معاقل الفطرة المستهدفة
نشر بتاريخ

الزواج نعمة عظمى وكرامة كبرى، جعل لها الشارع مكانة كبيرة في ديننا الحنيف حيث اعتبرها نصف الدين لقول سيد المرسلين وإمام المتقين صلوات ربي وسلامه عليه: “إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي”. والرجل الصالح والمرأة الصالحة رزق من الله تعالى، فمن أتاه الله زوجا صالحا يعينه على طاعة الله تعالى فقد فاز بحسنة الدنيا؛ ففي الحديث الشريف “من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه” 1.

إن الرجل الزوج والمرأة الزوج ينبغي أن يستقر في ذهنيهما أن الزواج عبادة وقربة غاية في الأهمية، لأنها السبيل الوحيد الذي يحقق الله تعالى به لهما الاستقرار والتساكن والأمن والأمان، فتتشكل لهما البيئة المناسبة والمساعدة على طاعة الله تعالى والتقرب إليه.

وأهم أمر ينبغي الاهتمام به في بناء علاقة زوجية قوية هو تقوية روابط المحبة والحرص على تمتينها، وأساس الأمر هو التقرب إلى الله، فكلما زاد القرب زادت قوة العلاقة وأصبحا قادرين على مواجهة الصعاب والتحديات، لأن عامل الاستقرار حاسم في أي خطوة لبناء أسرة صالحة، وقد قيل في المثل الشعبي: “لماذا سقط الرجل من فوق دابته بعد خروجه من بيته؟ لأنه خرج منه مائلا!”. فعامل الاستقرار حاسم في تحقيق الاستقامة للزوجين.

وسر السعادة الزوجية يكمن في اهتمام الطرف الأول بالطرف الثاني واعتبار ذلك عبادة نتقرب بها إلى الله بدءا بتقوية المعاني الإيمانية الإحسانية، مصداقا لقوله عليه السلام: “رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء. ورحم الله امرأة قامت من الليل وصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء” 2. وإفشاء معاني الرحمة والمودة لتحقيق “ليسكن إليها”. وصدق من قال: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” 3.

وإن الحفاظ على هذه الروابط وتمتينها يعد ضرورة ملحة، لأنه هو الكفيل بتحقيق الاندماج الكلي بين المؤمن والمؤمنة ليصبحا ذاتا واحدة يُكمل الأول الثاني؛ وبذلك نكون قد بنينا النصف الأول من الدين.

ولأهمية الاستقرار الأسري فإن شياطين الجن تجعل تشتيت شمل الأسر أفضل عمل شيطاني ويحتفلون بصاحبها ويجعلونه مقربا عند رئيسهم إبليس.  فقد روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى وغيره عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن إبليس يَضع عرشَه على الماء، ثم يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمُهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا. فيقول: ما صنعتَ شيئا! ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته! فَيُدنيه منه ويقول: نَعَمْ أنت! فيلتزمه” 4. يلتزمه: يعانقه.

فكل أسرة مؤمنة مستهدفة بشكل مباشر بأخطر مكائد شياطين الجن المتربصين بهم وينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض عليهم لنفث السموم وزرع الفتن وتعميق الخلافات. ولا يتوقفون حتى تشتيت الشمل لينالوا مرتبة الشيطان المقرب والمحبوب عند إبليس لعنه الله تعالى.

فلا نعن الشيطان على أزواجنا، ولندفع بالتي هي أحسن، ولنحرص كل الحرص على تفهم ظروف الآخر، ولنستثمر المقولة الإنجليزية الشهيرة (if I were you = لو كنتُ مكانك) فنتقمص ظروفه لنعيشها فنتفهم جميع الإكراهات ونلتمس العذر ونطوي المشكل ولا نرويه، ونفوت الفرصة على الشياطين وندعو الله تعالى أن يجبر الكسر.

ثم لا ننس الأذكار المسنونة للتحصين والآيات الفاضلة يوميا، حتى تكون أسرنا في مأمن من جميع الشرور. روى الإمام أحمد، وغيره، من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَشٍ التَّمِيمِيِّ قال: إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَحَدَّرَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَوْدِيَةِ، وَالشِّعَابِ، وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ بِيَدِهِ شُعْلَةُ نَارٍ، يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: “يَا مُحَمَّدُ، قُلْ”، قَالَ: “مَا أَقُولُ؟” قَالَ: “قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ، وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ”. قَالَ: فَطَفِئَتْ نَارُهُمْ، وَهَزَمَهُمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى 5.


[1] الحديثان أخرجهما البيهقي عن أنس. قال الألباني عن الحديثين في صحيح الترغيب والترهيب (1916): حسن لغيره, وأطال الكلام عنهما في السلسلة الصحيحة حديث رقم (625).
[2] أخرجه أبو داود (1308) واللفظ له، والنسائي (1610)، وابن ماجه (1336)، وأحمد (7404).
[3] الحديث رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها.
[4] صحيح مسلم، 2813.
[5] قال المنذري: رواه أحمد، وأبو يعلى، ولكل منهما إسناد جيد محتج به، وقد رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد مرسلًا، ورواه النسائي من حديث ابن مسعود بنحوه.