علمتنا دروس التاريخ أن للأمل واليقين في النصر والتغيير أثر كبير ودور أساسي في تغيير مجرى التاريخ في مراحل مفصلية من تاريخ الشعوب المضطهدة، ونحن أحوج ما يكون له اليوم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا، وبلدنا الحبيب جزء من هذه الأمة يعاني مما تعانيه، من استبداد وفساد وإصرار عجيب على إطالة معاناة وآلام شعوبها مستهدفة بذلك نشر اليأس والإحباط في صفوفها، خاصة الشباب منهم، وهي الفئة الأكثر تضررا ومعاناة من الوضع القائم، استهداف الهدف منه إخماد جذوة الأمل في نفوسهم وإنتاج شباب محبط، منخور الإرادة مستسلما للأمر الواقع، وقد قص الله تعالى لنا من تاريخ الأمم السابقة نماذج يقتدى بها في الأمل في التغيير في أشد مراحل الأزمات، أمل نابع من يقين صادق وثقة كبيرة بالله تعالى وبوعده عز وجل للمستضعفين بالنصر والتأييد والتغيير لما هو أفضل ولو بعد حين.
فقد نجّى الله موسى وقومه بعد صبر ومعاناة، وهجرة ومطاردة، بعد أن تسلل الياس والإحباط الى نفوس قوم موسى وكاد أن يحول بينهم وبين نجاتهم من أكبر طاغية عرفه التاريخ، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، في هذه اللحظة المفصلية والحاسمة من تاريخ شعب عرف من الاضطهاد والقتل والتنكيل ما لم تعرفه البشرية من قبل، يتدخل سيدنا موسى عليه السلام ليبعث الأمل واليقين في النفوس قال كلا إن معي ربي سيهدين، قمة اليقين والثقة بموعود الله عز وجل.
ولقد بيّن لنا القرآن الكريم نموذجا آخر من هذا الأمل في قصة يوسف عليه السلام، حيث لم ينقطع الأمل عن يعقوب عليه السلام لما فقد يوسف، وازداد أمله في الله حين فقد الإبن الثاني، فقال: عسى الله أن يأتيني بهم جميعا، وعسى عند أهل اللغة تفيد الرجاء واليقين.
وفي قصة نبي الله نوح عليه السلام نموذج آخر لأمل في التغيير راسخ وثقة كبيرة في وعد الله تعالى لا تتزحزح، فبعد أن انتهت مهمة نوح الدعوية، بعد أن استنفذ كل التجارب والأساليب، لم يؤمن له إلا نفر من قومه، وبعد أن أمره الله تعالى بصنع السفينة فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنِا وَوَحْيِنَا، ووجه نبي الله نوح عليه السلام بسيل من السخرية والتهكم، وما كان أحد من قومه يصدق، غيره هو عليه السلام والقلة القليلة التي امنت به واتبعته، بجدوى سفينة في أرض جدباء قاحلة، وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد أن كنت نبيا! وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ، فكان عليه السلام يرد عليهم وكله أمل في وعد الله قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ* فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ كان أمله وثقته، عليه السلام، في الله تعالى حافزا له على العمل والصبر حتى اكتملت السفينة، فجاء وعد الله، ووعد الله حق غير مكذوب.
نموذج آخر للأمل في التغيير واليقين في النصر في كتاب الله تعالى، وهذه المرة مع نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ينقل لنا الله عز وجل في كتابه الكريم جانبا من الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهما بغار ثور ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار، لجئا إليه في أثناء هجرتهما من مكة الى المدينة المنورة، إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ حوار دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، سيدنا أبو بكر رضي الله عنه بعد أن كشف المشركين أمر الغار، وخشيَ رضِي اللهُ عنه مِن رُؤيتِهم لهما لِقربِهم الشَّديدِ من الغار، وبعد أن عبر الصديق رضي الله عنه عن جزعه مخاطبا نبينا الكريم: “يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصَرَنا”، فأجابه صلى الله عليه وسلم “لا تحزن ان الله معنا” كلام خاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم صاحبه رضي الله عنه ليطمئنه وليبعث فيه الأمل واليقين في النصر والفرج بعد الكرب.
هذه نماذج للأمل واليقين في وعد الله تعالى لكل متوكل على الله، صابر، لا يكل ولا يفتر عن العمل للقضية التي من أجلها نذر حياته لتحقيقها، قصها الله تعالى علينا في كتابه العزيز لتحيي فيينا الأمل في التغيير ولو بعد حين، ولنتخذها نبراسا يضئ لنا الطريق، محفزة لنا على العطاء والبذل ونكران الذات، وما النصر إلا صبر ساعة، وَاللَّهُ غَالِبٌ على أَمْرِهِ، ولكن أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.