لطالما استوقفتني كلمة الإرهاب ونعت الإرهابي، وتخصيص المسلمين به، ليس من منطلق أنني مسلمة فحسب، يضيرني النعت ويستفزني، ولكن أيضا من منطلق من أطلق النعت، من منطلق الكراهية لكل من يحمل شيئا من القيم الإسلامية، من منطلق من يتغنوا بشعارات الحرية وحقوق الإنسان والتعايش والمحبة والحب ونبذ الكراهية؛ من وضعوا أعيادا لكل ذلك، وحصروا روحها في يوم واحد، ووزعوا الكراهية للإسلام والمسلمين في حقن مقننة في باقي أيام السنة.
نعم يعلم ذلك الناعت جيدا ويعي ما لم يستوعبه المسلم التابع والمنبهر بحضارته وشعاراته الجوفاء؛ أن الإسلام فيه ما يخيف ويرهب كل عدو حاقد عليه، فيه من القيم والمثل التي إن وعيها المسلم والتزم بها وتمثلها، تشكل خطرا حقيقيا يهدد نظامه وكل أنظمة الخبث وقوانينها التخريبية الهدامة، بل ومخططاتها الإرهابية الحقيقية التي تبغي القضاء على ريح الإسلام واقتلاعه من جذوره.
ذلك ما استوعبه الآخر العدو فجهز له كل الوسائل والخطط من أجل القضاء على دين الرحمة، لذلك عمل جاهدا لتشويهه لدى أبنائه المسلمين قبل غيرهم، وحشد جنود إبليس حولهم لزعزعة إيمانهم. فخرب عقولهم، وأشغلهم بشواغل أبعدت اهتمامهم عن دينهم وشوهت معالمه لديهم، بل أصبح لدى جلهم قناعة أن الإسلام سبب رئيس في تأخرهم وانحدارهم، ونجح في إحكام قبضته على ضعاف القلوب منهم؛ من اختار الانسلاخ من جلده والإعراض عن أصله، فسلم قلبه وعقله وما يملك للاستكبار العالمي وأسهم في إنجاح خططهم الهدامة في وطنه، ومهد البساط لهم لنخر البيت بيد أهله، وتكتلت الجهود وتعاونت لضرب الأهل بالأهل، وتبنوا كل المواثيق الكاذبة والملغومة لنسف ما بقي من خيوط الود بين الجار والأخ في الدين والعروبة، فتم لهم ما أرادوا وضربوا هذا بذاك، ولم تسلم جغرافية الربوع من بأس رسمهم المشتت للقلوب قبل الحدود، بعدما كانت المروءة والنخوة العربية والإسلامية هي من تجول بين البلدان دون تأشيرة او رخص؛ فرقت بين أمة سادت وعزت حينما أعزها دينها.
انقلبت المعادلة وأصبح الإسلام يقترن بالإرهاب، وأصبح كل ملتزم يعتز بدينه ينعت بالإرهابي، يحارب في عقر داره ومن أهله وحكامه.
الآن ونحن نعيش أحداث غزة وقومة أبطالها ورجالها الأشاوس، الذين ثاروا لهذا الوضع وأعلنوا طوفانهم ثأرا لكرامة أمة بأكملها، هبت كل قوى الاستكبار لنصرة الصهيونية النازية، وبقي حكامنا يراقبون من بعيد، منهم من اقتصر على التنديد ومنهم من اختار الحياد، ومنهم من تكرم ببيانات استعراضية، وكلهم في النهاية اتفقوا بعدما كانوا لا يعرفون للاتفاق سبيلا، اتفقوا على التفرج وكأن مشاهد تقتيل النساء والأطفال والشيوخ تستهويهم، ولم يكلفوا أنفسهم طرد السفراء الإسرائيليين من عواصمهم، أو إعلان تعطيل مهزلة التطبيع مع المجرم الإرهابي.
الإرهاب؛ هذا البعبع الذي طالما أخاف الدول المتحدة والغربية، وأعدوا له العدة وأصدروا حوله المواثيق والقوانين، التي اعتبرته آفـة دوليـة مؤكدة أن الهجوم الإرهابي على بلـد واحـد هـو هجوم على الإنسانية جمعاء، وقد رأينا كيف يزبد رؤساؤهم حين تمس بلدانهم أو يستهدف بعض من مواطنيهم، وكيف يتجندون لمواجهة الاعتداءات عن أوطانهم بغض النظر عن مصداقيتها، ولا أدل على ذلك؛ حدث الحادي عشر من شتنبر الشهير الذي وحد الاستكبار العالمي على مناهضة الإرهـاب في دول العالم، معتبرين أن مثل تلـك الهجمـات لا تشـكل اعتــداء علــى الولايــات المتحــدة فحســب، وإنما هي اعتداء علــى البشــرية وعلى القيم والحريات، وأكدوا أن يشــكل تهديــدا رئيســيا للســلم والأمــن الدوليين، وهو مشـــكلة عالميـــة تتطلـــب ردا عالميـــا مـن أجـل الحفـاظ علـى السـلام وسـيادة القـانون.
قامت الدنيا وأزبد حكام الاستكبار واتفقوا وتعاونوا وسجلوا مواقفهم لنجدة موطن جبروت هذا الزمان، تضامن الكل معه، قدموا العون والعزاء المادي والمعنوي، ولا عزاء لمن دينه الإسلام حين تعصف به الخطوب.
أليس ما يحدث الآن في غزة أكثر وحشية؟ لماذا لم تتحرك مؤسساتهم لوقف الإجرام الصهيوني الذي يستهدف مدنيين عزل؟ هل الإرهاب الموجه تجاه المسلمين يختلف عن غيره؟ هل سلامتهم وأرواحهم لا تعني شيئا لهذا العالم المنافق؟ كيف نفسر تجاهل المجتمع الدولي جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلى الجبان، الذي يعرض عضلاته المترهلة على الأطفال والنساء والشيوخ؟ أليس هذا إرهاب يتطلب تكثيف الجهود لمحاربته؟ هل فعلا عجزت الأمم المتحدة بجميع مؤسساتها ومجلس الأمن والقانون الدولى عن ردع هذا الكيان الإرهابي المتطرف؟
أسئلة في واقع الأمر بين كلماتها الكثير من الإجابات التي سيصيغها أبطال غزة قريبا، وستظهر لنا بطولاتهم حقيقة الإرهاب.
الإرهاب.. صنعتهم نسبت إلينا
نشر بتاريخ
نشر بتاريخ