حديثنا عن العلاقة الزوجية من الأهمية بمكان، فاستقرارها بدون شك يضفي استقرارا على الأسرة التي تشكل عنصرا مركزيا في معادلة الاستقرار الاجتماعي، وحديثنا هنا ليس عن الاستقرار المادي ولكن عن الاستقرار النفسي بالدرجة الأولى، فإنسان بهندام مميز يقطن في أحسن المساكن ويعتلي أفخر السيارات ولكن نفسيته مهزوزة ضعيفة لا يعطي بالتأكيد صورة المجتمع السليم المستقر، ولا يستطيع أحد أن ينكر أهمية العلاقة الزوجية وأثرها على الاستقرار النفسي لكل مكونات الأسرة وخصوصا الأطفال؛ أعمدة المستقبل.
أهمية الإشباع العاطفي
إذا كنا نتحدث عن استقرار علاقة تمتد آثارها إلى المجتمع بأكمله، فإننا نجد لزاما علينا الاهتمام بها والحديث عنها بنوع من الوضوح والشفافية.
ظلت العلاقة الزوجية في مجتمعنا مغلّفة ومثقلة بكثير من التقاليد التي تجعل منها علاقة جافة، لا تبتعد في كثير من الأحيان عن الإشباع الغريزي فقط، وهي بذلك لا تلعب الدور المنوط بها في خلق الأجواء السليمة لتربية نفسية سليمة. وحتى أوضّح الصورة أضرب بعض الأمثلة: ففي مجتمعنا التقليدي نادرا ما نجد مثلا الزوج يجلس إلى جانب زوجته أمام العائلة، لا نجده يقبّل زوجته عند العودة من العمل، لا نجده يعلن محبته لها ولا هي تفعل ذلك، بل لا نجده يذكرها حتى بكلام طيّب أمام الآخرين، وخصوصا الأطفال، وأيضا هي لا تفعل ذلك، مع أن هذه الأمور لا حرج فيها حتى من الناحية الشرعية، بل إن الأطفال في غالب الأحيان لا يرون إلا الخصام ولا يسمعون إلا الشتائم وما عدا ذلك فإنه يتمّ بعيدا عن الأعين. فالإشباع العاطفي للزوجين ومن خلاله للأطفال يتطلب صورا واضحة في العلاقة بين الزوجين، وهو بالتأكيد غير الإشباع الغريزي، وإنما هو اهتمام كل طرف بالطرف الآخر اهتماما نوعيا يشعر كلّ منهما بالاحترام والمكانة الخاصة عنده. وتأتي العلاقة الحميمية بين الزوجين لتتوج هذا الإشباع العاطفي بأسمى تجلياته الإنسانية، بخلاف ما إذا كانت هذه العلاقة الزوجية تعتمد في تأسيسها وتمتينها تلك العلاقة الغريزية الغافلة عن كل الجوانب الأخرى من اهتمام وسؤال وتهادٍ وتعبير عن الأحاسيس وخدمة متبادلة… فإن هذه العلاقة لا تراوح لحظتها وتبقى حبيسة جدران غرفة النوم، ولا يظهر آثارها من خلال علاقة مليئة بالمحبة المفعمة بكل معاني الاحترام من خلال حركات وسكنات وتعابير التواصل بين الزوجين.
كيف يكون الإشباع العاطفي
هو سؤال كبير لا يمكن أن نجيب عنه في بضع سطور، غير أنه ما لا يدرك كله لا يترك جله، فنحاول بإذن الله أن نعطي بعض رؤوس الأقلام التي تمكن القارئ من التساؤل والبحث في الموضوع إذا كان ممّن يبحث عن استقرار فعلي لأسرته، فنطرح الأسئلة التالية:
هل هناك إشباع عاطفي مع عدم الاهتمام بكل ما يهم الطرف الآخر؟
هل هناك إشباع عاطفي مع الأنانية؟
هل هناك إشباع عاطفي مع الاستبداد في الرأي؟
هل هناك إشباع عاطفي مع بخل في الإنفاق؟
هل هناك إشباع عاطفي مع استعمال كل الألفاظ البذيئة والإهانة عند الخصام؟
قد تطول اللائحة، وقد يتساءل البعض عن علاقة كل هذا بالإشباع العاطفي، فهل نتصور علاقة سوية مع كل هذا الكدر؟ الإشباع العاطفي نهر يحتاج لروافد التفهم والاهتمام والبذل والمشورة وحسن الخلق والابتسامة والكلمة الطيبة… حتى يجري ويتدفق خيره على الأسرة وعلى المجتمع.