الاستعانة طلب المعونة من أجل الاقتدار على الشيء والتمكن من فعله، وهي تعبير عن ضعف الإنسان ومحدودية قوته وإمكاناته، لذلك يلجأ المرء إلى طلب العون والمساعدة من غيره وخاصة ممن يرجى دعمه وإعانته. والموفق من هداه الله تعالى إلى التجرد من حوله وقوته وطلب العون من الله العزيز الجبار.
الصلاة كتاب الله الموقوت، وقرة عين رسول الله الحبيب المحبوب. وحق الله على عباده المؤمنين في السفر والحضر، وعند الأمن أو الخوف، وفي كل أحوال العبد. قال الله تعالى في سورة النساء الآية 103 فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.
الصلاة عماد الدين وركن الإسلام الركين الذي احتاج فرضه على المؤمنين أن يُحدث الله في كونه معجزة عظيمة هي معجزة الإسراء والمعراج، وأن يجعلها الحق سبحانه خمس صلوات موقوتة في اليوم والليلة، كما أنها أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة. عن سيدنا تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة صلاته فإن أكملها كتبت له نافلة، فإن لم يكن أكملها يقول الله سبحانه لملائكته انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فأكملوا بها ما ضيع من فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك” رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة.
وقد أمرنا ربنا الكريم المجيد الفعال لما يريد، وعلمنا رسوله الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، أن نستمد العون من الله تعالى بالدعاء والصلاة على أمور دنيانا وآخرتنا فقال الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية 153 يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “بين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة. والصبر صبران، فصبر على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثوابا لأنه المقصود. قال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر”. والصلاة تعين العبد في أموره كلها، فهي الناهية عن الفحشاء والمنكر، والحسنة التي تمحو السيئات، والمستعان الذي به تُقضى الحاجات وتزول الملمات.
وفي الصلاة أيضا، بل من أوكد أركانها قراءة سورة الفاتحة التي يكرر فيها العبد المؤمن في كل ركعاتها قوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: “إياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها”. ولذلك من حكم الله تعالى في فرض خمس صلوات في اليوم موزعة بين طرفي النهار وزلف الليل، أن يظل المؤمن في تعلق بربه، يرجو رحمته ويخاف عذابه ويطلب منه العون والمدد.
إن الصلاة، فرضها ونفلها، من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه حتي يبلغ مرتبة “أحبه” فيصير بعون الله وقوته، موفقا مسددا في سمعه وبصره وبطشه ومشيه، مستجاب الدعوة مغفور الذنب. وما ذلك إلا لأنه في السجود والصلاة عامة يكون العبد أقرب ما يكون إلى ربه.
كما أن الإكثار من الصلاة ُيبلغ المرء منازل القرب مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، لكونها أفضل معين إلى جانب رحمة الله تعالى وفضل الاتباع والصحبة والمحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين. جاء في صحيح مسلم عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال سل، فقلت أسألك مرافقتك في الجنة، فقال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود.
أيها الناس، الله الله الصلاة، الله الله الصلاة، كانت من آخر وصايا المصطفى صلى الله عليه وسلم لصحابته ومن بعدهم أمته، قالها وهو يخطب في مسجده وبين صحابته، وجسده الشريف لا يقوى على المشي أو الوقوف، وإنما حُمل إلى ذلك وعلى ذلك لعظم الموقف وجلال الأمر.
أيها الناس الله الله الصلاة، وصية نبوية شريفة خُتمت بها دعوة الأنبياء من لدن آدم إلى الخاتم سيدنا محمد، تؤكد على عبادة متفردة شكلا ومضمونا، عظيمة أجرا وعقابا.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يعُمهم قول الله تعالى لنبيه الكريم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم سورة التوبة الآية 103.