برع رجال المقاومة الفلسطينية البواسل في الإثخان في العدو الصهيوني ماديا ومعنويا، وإظهار هزيمته واندحاره بكل الصور وشتى الجوانب العسكرية والإعلامية والإنسانية والأخلاقية، سواء خلال جولات المعارك التي دامت لما يفوق السنة وثلاثة أشهر، أو بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ والشروع في تبادل الأسرى.
من صور هذه الهزائم التي ألحقتها المقاومة الفلسطينية بالصهاينة؛ المظهر الذي بدا عليه المستوطنون الصهاينة الذين كانوا تحت أيدي المقاومة، والذين خرجوا من الأسر وهم في أحسن الأحوال جسميا وعقليا ونفسيا، الشيء الذي يعكس حسن المعاملة والخدمة التي تلقوها خلال فترة أسرهم. بينما الأسرى الفلسطينيون الذين خرجوا من معتقلات الإجرام الصهيوني بدت عليهم كل أنواع التعذيب والتنكيل وأكدته شهاداتهم التي رووها بعد الإفراج عنهم.
حرص رجال وقادة المقاومة الفلسطينية على الطريقة والجوانب المحيطة بعملية إطلاق سراح المعتقلين الصهاينة، فتفننوا في استكمال عناصرها الرمزية والمباشرة، حتى تؤدي الرسالة المعبرة التي مفادها أن الفلسطينيين شعبا ومقاومة ذوو حس إنساني رفيع لا يميلون إلى قتال الصهاينة أو احتجازهم سوى لضرورة واقعية؛ هي تحرير الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لدى دولة الفصل العنصري، والمحكوم غالبيتهم بمدد قرونية لا يستطيع العقل السوي إدراكها أو تمثلها.
من الجوانب المشرقة في هذه الصورة شكل لباس المعتقلين الصهاينة لدى المقاومة وما يحملونه معهم من هدايا مادية بسيطة وذات دلالة في مقدمتها العلم الفلسطيني الشامخ. هذا فضلا عن الشكل الاحتفالي الرسمي الذي تزيد من خلاله المقاومة من فرحة المفرج عنهم من المستوطنين، وذلك باعتلائهم منصة الحفل والسماح لهم بتحية الجماهير المحتشدة، والزي العسكري الرسمي الذي يخرج به المجندون الصهاينة الذين تم أسرهم من الثكنات والقواعد العسكرية، أو خلف خطوط النار.
أثار ذلك حفيظة قادة وزعماء الكيان الذين حاولوا في البداية التعمية على الصورة المبهرة لعملية الإفراج عن الصهاينة التي أثارت انتباه واندهاش العدو قبل الصديق، ثم لما لم يستطيعوا حجب قوة تعبير وإشعاع تلك المشاهد المضيئة، التجأوا إلى إقحام بعض رسائلهم الكسيحة مع الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، بحيث جعلوا أجساد الأسرى الفلسطينيين تحمل كل العلامات المفزعة من آثار التعذيب والتجويع وسوء المعاملة، بل بلغت وحشية الصهاينة وهمجيتهم أن وسموا أجساد الأسرى الفلسطينيين بالنجمة السداسية وشعار مصلحة السجون الصهيونية الشاباص، كما تم يوم السبت (15 فبراير 2025) وخلال عملية التبادل السادسة إلباس المحررين لباسا موحدا تتصدره النجمة السداسية وعبارة لا ننسى لا نغفر بخط عربي وعبري.
من يغفر إذن؟! ومن ينسى؟!
هل صاحب الحق المغتصب والأرض المحتلة المهجر المقتل على مرأى العالم هو من يتوعده جلاده بعدم النسيان والمغفرة؟! أم أن المقصود هو أن رسالة يوم السابع من أكتوبر طوفان الأقصى غارت في العقل والوعي الصهيوني كثيرا بحيث أنه يستحيل نسيانها أو تناسيها من لدن مستوطني وزعماء دولة الاحتلال؟