وأنا أستعد لكتابة هذه السطور، سمعت مقدمة الأخبار المسائية بإحدى القنوات المغربية ليلة الثلاثاء فاتح رمضان 1437ه الموافق لــ: 07 يونيو 2016م، السيد رشيد بلمختار وزير التعليم ضيفا بمناسبة انطلاق الامتحانات الوطنية لنيل شهادة الباكالوريا، وكان لافتا ارتباك معاليه، حيث بدا مركزا على ما سيقوله على الهواء مستحضرا ــ ولا شك ــ مؤهلاته التواصلية المتواضعة باللغة العربية، ففوّت على نفسه أن يبارك للمغاربة عموما ولنساء ورجال التعليم حلول شهر رمضان الفضيل، وفوّت على نفسه أن ينوه بمجهودات وتضحيات مختلف المتدخلين في هذه المحطة حفاظا على مصداقية المنظومة التعليمية، بل إن معاليه نسي ــ تحت الضغط النفسي ــ الدعاء للمترشحات والمترشحين لاجتياز امتحانات الباكالوريا بالتوفيق والنجاح؛ ارتباك بلغ ذروته جوابا على السؤال الأخير عن كلمته لكافة المتدخلين عشية انطلاق الامتحانات الوطنية للباكالوريا، فعوض شحذ همم جميع المتدخلين من أطر إدارية وتربوية وأسر وسلطات مختلفة لإنجاح الامتحانات توفيرا لشروط تكافؤ الفرص وضمانا لمصداقية شهادة الباكالوريا، آثر السيد الوزير لغة الوعيد والتحذير من الغش والتلويح بالإجراءات الزجرية في غياب مهُول لمعجم الخطاب التربوي. تساءلت مع نفسي عن مسوغات اختيار معالي الوزير شخصيا، لا سيما والوزارة حُبلى بالكفاءات التواصلية، إلا أن يكون القصد إحراج السيد الوزير أو بعث رسائل لأطراف معينة لا ترتاح لاختيارات الوزير في الشأن التعليمي، قبل تضايقها من نهجه التدبيري لقطاع يصنف القضية الثانية من حيث الأولوية بعد ملف الوحدة الترابية.
وارتباطا بالعنوان، ودون مقدمات، متى تتخلص الوزارة من البرمجة التي ورثتها عن الاستعمار الفرنسي؟ هل يعقل أن تنغلق الوزارة على نفس البرمجة دون استحضار ظروف إجراء امتحانات الباكالوريا التي تتزامن وشهر رمضان؟ أليس الأولى اعتماد شكل برمجة تساعد المترشحات والمترشحين على التركيز والعطاء؟ لماذا هذا الإصرار على برمجة الامتحانات الإشهادية في مختلف الأسلاك التعليمية في الوقت بدل الضائع ــ بتعبير المعلقين الرياضيين ــ من الزمن الدراسي، علما أن الدراسة معطلة فعليا قبل أسابيع؟ ومتى تنفتح الوزارة على اقتراحات مختلف الشركاء في العملية التعليمية في مجال تطوير برمجة تستجيب للانتظارات وتستحضر المعيقات؟ إذ كيف يستقيم رفع شعار “تكافؤ الفرص” ومترشحات ومترشحو المغرب العميق يمتحنون في ظروف مناخية صعبة، وخلال أول أيام رمضان لأكثر من ست ساعات كمتوسط في اليوم؟ أليس الأولى التفكير في صيغة جديدة تختزل ساعات الامتحان وتتخلص من المعيار الكمي، وإلا أي تركيز ينتظر خلال الفترة الزوالية في مناطق داخلية جاف مناخها؟
هذا من حيث الشكل، أما من حيث الجوهر، فما زالت فلسفة التقييم من خلال الامتحانات الإشهادية تعتمد استرجاع المعارف من خلال أسئلة نمطية ومنهجية رتيبة يغيب فيها الإبداع والتجديد، وإذا حدث أن خرج امتحان مادة عن هذا التقليد تعالت الأصوات تستنكر هذا الانزياح عن المألوف، كما حدث قبل ثلاث سنوات في مادة الرياضيات.
إن فلسفة بناء الامتحانات تعكس عقلية سائدة في تدبير الشأن العام، إذ لا ينتظر في وضع سياسي واجتماعي واقتصادي جامد، حيث لا منافسة ولا تكافؤ للفرص بين الفاعلين السياسيين قبل الاجتماعيين والاقتصاديين والثقافيين (ميزانية المهرجانات مثلا) أن يسمح للمنظومة التعليمية عموما، ومن خلال شكل الامتحانات تحديدا أن تكرس الإبداع وتحفز على التجديد.
إن تدابير المراقبة وتطوير آلياتها مطلوب، لكنه غير كاف للارتقاء بمصداقية الامتحانات الإشهادية، فما يبدو وسائل مراقبة فعالة اليوم، قد يفقد فعاليته بعد حين، وعليه يجب الاشتغال بجدية ومسؤولية لتطوير المناهج ونظام الامتحانات شكلا ومضمونا ومحاربة كل أشكال “الريع” التعليمي الذي يكون متعلمو ومتعلمات المدرسة العمومية ضحاياه الرئيسيين نتيجة عدة أمراض مزمنة في المنظومة التعليمية: اكتظاظ، خصاص في الأساتذة، إلغاء التفويج، الأقسام المشتركة ذات المستويات التعليمية المختلفة، رتابة المقررات، هشاشة البنية التحتية للمؤسسات (ستة آلاف قاعة دراسية لا تصلح فضاء لتدريس وفق اعتراف الوزارة الوصية…).