التربية الرمضانية: غرس القيم الإنسانية لبناء فرد مسؤول في مجتمع رقمي مترابط

Cover Image for التربية الرمضانية: غرس القيم الإنسانية لبناء فرد مسؤول في مجتمع رقمي مترابط
نشر بتاريخ

رمضان فرصة لإعادة بناء الفرد

شهر رمضان، كما هو معروف، ليس مجرد فترة للعبادة والامتناع عن الطعام والشراب، بل هو محطة تربوية روحانية يُقبل فيها المسلمون على تربية أنفسهم، ويتجدد فيها الإيمان، وتتعزز القيم الإنسانية. في هذا السياق، يعتبر رمضان فرصة لتوجيه الفرد نحو بناء شخصيته وتقوية ارتباطه بمحيطه

الاجتماعي، في عالم يشهد تحولات سريعة ويعيش في فضاء رقمي مترابط. فكيف يمكن لرمضان أن يكون أداة لبناء فرد مسؤول في هذا المجتمع الجديد؟ 

قال تعالى: يَا أيُّهَا الذينَ آمنُوا كُتبَ عَليكُم الصِّيام كمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلكُم لعَلَّكُم تَتَّقُونَ سورة البقرة، الآية 183. فهذه الآية الكريمة تلخص الهدف الأساسي من رمضان: تحقيق التقوى. ومن هنا، يصبح رمضان وسيلة لتنقية النفس من الشوائب وتوجيه الإنسان نحو أفضل صورة من الأخلاق والفضائل.

التربية الرمضانية: غرس القيم والتربية الروحية

إن التربية الرمضانية تمثل بداية لعملية إعادة التوجيه الأخلاقي والروحي للفرد، إذ يمتد تأثيرها ليشمل السلوك الشخصي والاجتماعي. خلال هذا الشهر الفضيل، يتعلم المسلم الصبر، العفو، والمساواة. هذه القيم الجوهرية هي التي ينبغي أن تظل حاضرة في جميع تعاملات الفرد مع محيطه، سواء في الحياة الواقعية أو الرقمية. لقد أشار الإمام عبد السلام ياسين، في العديد من مؤلفاته، إلى أن التربية تكون من خلال التطبيق العملي للقيم في كل مكان وزمان، فالأخلاق التي يغرسها رمضان في النفوس يجب أن تتحول إلى سلوك يومي يعكس التزام الفرد بمسؤوليته أمام الله وأمام المجتمع.   

غرس القيم الإنسانية في المجتمع الرقمي

في زمننا المعاصر، الذي أصبح فيه العالم الرقمي يشكل عنصرا أساسيا في حياتنا اليومية، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد أدوات ترفيهية أو وسائل للتواصل البسيط، بل صارت ساحة حيوية تُصاغ فيها العلاقات وتتبادل الأفكار، وأحيانا تُرسم فيها ملامح المستقبل. لذا، أصبح غرس القيم الإنسانية، وبالأخص تلك التي يتجدد إحياؤها في شهر رمضان المبارك، أمرا ملحا لا يمكن تجاهله. فالإنترنت، بما يتيحه من إمكانيات غير محدودة، أصبح منصة جديدة لبناء القيم الإنسانية المشتركة، ويُتاح لنا من خلالها تشكيل روابط قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر، لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع.

وفي هذا السياق، يشدد الإمام عبد السلام ياسين في كتابه “الإسلام بين الدعوة والدولة” على ضرورة استثمار التكنولوجيا بشكل يخدم الإنسان ويعزز من قيمه. حيث يقول: “وما أفخم الاسم في أفواه المتخلفين التائقين إلى الحرية المبتورة حرية الاقتصاد، لكن ما أهون كسب التكنولوجيا لأمة غيرت الإنسان وحولته، فضاعفت قدرته الفكرية والعملية كما يستطيع الإسلام أن يفعل. 1. هذه الكلمات تحمل في طياتها دعوة قوية إلى استخدام التكنولوجيا ليس فقط كأداة للرفاهية أو للتقدم المادي، بل كوسيلة تُسهم في تغيير الإنسان، من خلال تعزيز قدراته الفكرية والعملية بما يتوافق مع القيم الإسلامية السامية.

بناء فرد مسؤول في المجتمع الرقمي

من خلال فكر الإمام عبد السلام ياسين، الذي كان يؤكد دائمًا على أهمية “العدل” في بناء المجتمع، نجد أن التربية الرمضانية تكتسب بعدا جديدا في المجتمع الرقمي. فالشهر الكريم يدعونا إلى التفاعل مع الآخرين بروح من التعاون والتضامن، سواء عبر العالم الواقعي أو الرقمي. وفي هذا السياق، يمكن أن تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا مهما في نشر قيم رمضان من خلال حملات توعية، أو العمل الخيري الذي يتبنى القيم الرمضانية من خلال نشر الخير والمساعدة للأضعف في المجتمع.

المجتمع الرقمي أداة لبناء التضامن الاجتماعي

 التربية الرمضانية في العصر الرقمي يجب أن يكون الهدف منها هو بناء فرد مسؤول ومؤثر. وهذا يتطلب تغييرًا في أسلوب التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تصبح هذه الوسائل أداة لتفعيل القيم الإنسانية، ووسيلة لبناء التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع. يجب أن يسعى كل فرد إلى استخدام هذه الفضاءات الرقمية لتحقيق الأهداف النبيلة، لا أن تكون هذه الوسائل مجالًا للفتنة أو لتفشي العنف والكراهية.

لقد أكد الإمام عبد السلام ياسين في مؤلفه “العدل الإسلاميون والحكم ” على أن العدالة الاجتماعية ليست فقط في توزيع الثروات، بل في كيفية تعامل الأفراد مع بعضهم البعض في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك العالم الرقمي. 

رمضان: مدخل لبناء المجتمع الرقمي المتماسك

رمضان يشكل فرصة ثمينة لإعادة بناء الأفراد على أسس من الأخلاق الإسلامية، بحيث يصبحون عناصر فعالة في مجتمعهم، سواء على مستوى التفاعل المباشر أو عبر الوسائل الرقمية. وفي ضوء فكر الإمام عبد السلام ياسين، الذي يرى أن العدالة هي المفتاح الأساسي لبناء مجتمع متماسك، فإن رمضان يقدم فرصة لتجسيد هذا المبدأ في الواقع، ليشمل ليس فقط القيم الاجتماعية، بل أيضا القيم الرقمية. فلا يمكن أن نتصور مجتمعًا عادلًا ومترابطا دون أن يكون أفراده مسؤولين في تعاملاتهم على الإنترنت كما هم في حياتهم اليومية.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله” 2. وهذا الحديث يعكس فكرة أهمية الشكر والتقدير، والتي هي من القيم الأساسية التي يجب أن يتبناها كل فرد في تعاملاته داخل المجتمع الرقمي، وذلك في إطار تحفيز التضامن الاجتماعي والعمل الجماعي.

 القيم الرمضانية وبناء المستقبل الرقمي

تستمر الدعوة الرمضانية في دعوة كل مسلم إلى أن يكون واعيا بدوره في تشكيل المجتمع الذي يعيش فيه، ويجب أن نعي جيدًا أن القيم التي نتبناها خلال هذا الشهر المبارك هي التي تحدد شكل المجتمع الذي نريد بناءه في المستقبل. من خلال التربية الرمضانية، يمكن للمسلم أن يصبح أكثر وعيًا بمسؤولياته في المجتمع الرقمي، وأن يساهم بشكل فعال في خلق بيئة رقمية تتسم بالقيم الإنسانية النبيلة التي تبني فردا صالحا في مجتمع رقمي مترابط.   

 

 

 


[1] الإمام عبد السلام ياسين، “الإسلام بين الدعوة والدولة”. ص 106
[2] رواه الترمذي