قال الأستاذ عز الدين صامبا مقرا بأنعم الله على عباده في هذا الشهر الكريم، شاكرا فضله، “أكرمنا الكريم بشهر الكرم، وأفاض فيه علينا من النعم، ومن علينا فيه بالتوفيق للصيام والقيام، والبكاء على ما كان منا من التفريط والندم، نحمده تعالى ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونصلي على أفضل من صلى وصام، وأشرف من تهجد وقام، سيدنا وحبيبنا المعظم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم”.
وزاد منبها لاقتراب انصرام هذا الشهر الجليل “فإن شهر الصيام والقيام أوشك على الانصرام، بالأمس استقبلناه، وها هو اليوم يتهيأ للرحيل، ذهب أكثر من نصفه، وغدا يمضي كله، ما أسرع مواسم الخير في الزوال! ما أسرع انقضاء الليالي والأيام! آه كم هي سريعة هذه الدنيا، تنقضي أعمارنا بدون أن نشعر، تذبل قسماتنا دون أن نحس”، متسائلا “فهل لنا من فرصة لنتدارك ما فات؟ كيف لنا أن نستعد لما هو آت؟”.
وأجاب، في تصريح لبوابة العدل والإحسان حول فضل العشر الأواخر وأعمالها، “نعم هناك فرصة؛ فها هي عشر النفحات والبركات هلت علينا، فيها سلام من الله للعباد ورحمة، فيها الهداية والرعاية والصفاء، فيها صنوف العطايا من ربنا، فيها مزيد وهب، فيها الكرم والسخاء”.
وبسط الأعمال المسنونة الفاضلة في هذه العشر المباركة، فقال:
“حول مأدبة القرآن الملتقى، فيه النور، فيه الهدى والشفاء، بتلاوته وحفظه نعلو، بتدبره نسمو، هو الروضة الفيحاء.
بالتهجد نجتلي المعاني، في ساعة يجيب الكريم المعطاء، فيها نجتهد ونشمر، سلاحنا التبتل والدعاء، هي عشر زاهية، لا لغو فيها ولا صخب، يضاعف الله فيها الأجر كما يشاء”.
واستدل بقول الناظم وهو يدعو للاجتهاد فيها:
يا أيها العبد قم لله مجتهدا ** وَانهض كما نهضت من قبلك السعدا
قم فاغتنم ليلة تحيا النفوس بِها ** ومثلها لم يكن في فضلها أَبدا
طوبى لمن مرة فِي العمر أَدركها ** ونال منها الذي يبغيه مجتهدا
وبحديث السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ” رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. رواه مسلم.
وأوضح أن الحديث “دليل على أن للعشر الأواخر من رمضان مزية على غيرها، فالسعيد من استزاد فيها من الطاعة، وجعلها للصلاة والذكر والعبادة، والشقي ميت القلب لا ترجى له حياة هنا ولا هناك”.
واستقرأ معاني الحديث مفسرا “هي أيام الإقبال والتشمير، والاجتهاد والنفير، وصفت فيها أمنا عائشة رضي الله عنها نبينا وقدوتنا محمداً صلى الله عليه وسلم بأربع صفات فقالت رضي الله عنها:
(أحيا الليل) أي أحياه بالطاعة وأنوار العبادة، فيصير الليل منورا بتجليات عبادته، فتدب فيه الحياة بهدي القرآن، ونورانية النبوة، فيحل الضياء محل الظلام.
(وأيقظ أهله) فيشاركنه رضي الله عنهن في اغتنام الأوقات المباركات، والتزين بأنوار الطاعات.
(وجدَّ) أي جدَّ واجتهد في العبادة، والجدّ هو: بذل الجهد في طلب الطاعات، وفي فعلها، فيستدعي ذلك الإقبال بنشاط ورغبة، وصدق ومحبة. جد وجد وجد، جد في الصلاة والتلاوة، جد في الذكر، وجد في العلم والتعلم وما يتصل بذلك.
(شد المئزر) وفيه الإشارة لمضاعفة الجهد والتشمير، يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي: تشمرت له وتفرغت، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات. هي عشر خاتمة، والأعمال بخواتيمها، نسأل الله أن يختم لنا بالعمل الصالح، وأن يتقبل منا صالح الأعمال”.
وقبل الختام، أوصى صامبا، أن “نجعل نصب أعيننا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صح في السنة أنه قال: «آمين، آمين، آمين» وفي رواية: صعد رسول الله المنبر فلما رقي عتبة قال: «آمين». ثم رقي أخرى فقال: «آمين». ثم رقي عتبة ثالثة فقال: «آمين» قيل: يا رسول الله! إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين. فقال: «إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان، فلم يغفر له، فدخل النار؛ فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما، فلم يبرهما، فمات، فدخل النار؛ فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده، فلم يصل عليك، فمات، فدخل النار؛ فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين». قال الألباني رحمه الله: (حسن صحيح / صحيح الترغيب: 1679)”.
ليختم بالتوجه إلى الله تعالى داعيا: “اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، وتجاوز عن تقصيرنا، وأكرمنا بكرمك، ولا تخرجنا من هذا الشهر إلا بذنب مغفور وعمل مبرور وسعي مشكور، ودعاء مستجاب”.