جاءتني تشتكي تسبقها عيناها في التعبير عن حزن دفين يسكنهما، سألتها بلهفة عما بها، وبعد تردد قالت: “زواجي في خطر! لقد فتحت عيني فجأة لأجد أن كل ما يربطنا سقف يأوينا، وأولاد نتقاسم همومهم.. ثم لا شيء بعد ذلك. لا أكاد أصدق عيني، لقد مر على زواجنا ست سنوات فقط، فأين العواطف الملتهبة والشوق الدائم ولهفة اللقاء التي طبعت سنوات زواجنا الأولى؟ لقد أصبح كل ذلك مجرد ذكرى جميلة لا سبيل لإحيائها. يا صديقتي، إنني أصاب بالرعب كلما تخيلت كيف سيكون حالنا – إن أطال الله في عمرنا – بعد عشر، عشرين، أو ثلاثين سنة. يا إلهي! إنه زوجي وحبيبي وأبو أولادي ولا غنى لي عنه. أغيثيني أغاثك الله”.
تأملت حال صديقتي، فوجدته حال أغلب الأزواج، يبدأون حياتهم الزوجية بعاطفة متوهجة ثم لا يلبث الفتور والرتابة أن يسكنا أرجاء البيت السعيد، ليبدأ الزوجان في تبادل التهم حول المسبب والأسباب. فأين الخلل؟ وهل يخبو الحب بين الزوجين؟ وما السبيل إلى الحفاظ على توهج هذه العاطفة التي هي من نعم المولى على عباده؟
أجل إن المودة نعمة عظيمة امتن الله بها على الأزواج، ولولاها لكانت الحياة وحشة وغربة وقلقا، ألم يقل عز من قائل: وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم، 20]. إنها نعمة جليلة، ولكنها ككل النعم تستوجب الشكر، ومن تمام شكر النعم المحافظة عليها.
إن الحب بين الزوجين نبتة مباركة تحتاج للرعاية الدائمة لتأتي أكلها كل حين بإذن ربها، تحتاج للتعهد المستمر لتزهر أنسا وسكينة تنعكس راحة وسعادة على الزوجين المؤمنين اللذين يطمحان لاستكمال رفقتهما إلى الدار الآخرة حيث سعادة الأبد. فما السبيل لذلك؟ هذا ما سنحاول الوقوف معه في هذا الموضوع إن شاء الله عبر حلقات نظرا لأهميته وتشعب جوانبه. والبداية مع أهمية التعبير عن المشاعر بين الزوجين في الحفاظ على الحب بينهما:
1 – الإخبار بالحب:
ألم يوصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: “إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره” فإذا كان هذا من حقوق الأخوة العامة، فلا شك أنها أوكد بين الزوجين.
2 – الغزل وتبادل الكلمات العذبة:
إن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. فكيف كان شأنه مع أزواجه؟
هذه سيدتنا عائشة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف حبك لي؟” فيجيبها إجابة الزوج المحب الحريص على إسعاد زوجه: “مثل العقدة” فكانت رضي الله عنها، بعد ذلك، تتدلل دلال الزوج الواثقة من حب زوجها فتسأله أحيانا: “كيف حال العقدة؟” لتسمع منه ما يثلج قلب كل زوجة: “هي على حالها”.
وهذا مثال آخر من بيت النبوة بين زوجين هما قدوة الأزواج. قال ابن القيم رحمه الله: قالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرأيت لو مررت بشجرة لم يرتع فيها وشجرة قد أرتع فيها، ففي أيهما كنت ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع فيها” تذكرة منها رضي الله عنها بأنها من بين نسائه التي تزوجها بكرا، شبهت نفسها بالشجرة التي لم يمسسها آكل إظهارا منها لميزتها على باقي نسائه وبالتالي مكانتها المتميزة عنده صلى الله عليه وسلم.
بل إن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام لم يكن يجد حرجا ولا غضاضة في التعبير عن حبه الكبير لأمنا عائشة وسط جموع الصحابة تعليما لنا لأهمية هذا الأمر: سأله صحابي -وهو في المسجد يوما- من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ أجاب الحبيب عليه الصلاة والسلام: “عائشة…” أية سعة هذه في ديننا وأين هي من تشديد المشددين وتمييع المائعين؟
3 – مناداة الزوج بأجمل الأسماء:
كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان يرخم اسم السيدة عائشة فيناديها “يا عائش” وكان يلقبها بالحميراء، إشارة إلى بعض مظاهر جمالها. فالحميراء: البيضاء المشربة بحمرة.
4 – القبلة الحانية واللمسة الرفيقة:
فليست كل حركة بين الزوجين ذات إيحاء جنسي كما ترسخ في أذهان كثير من الناس – رغم أهمية هذا الجانب في العلاقة الزوجية والذي سنفرد له حلقة خاصة إن شاء الله – وهذه أمثلة ناصعة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين ذلك:
• فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل أزواجه وهو صائم.
• وكان صلى الله عليه وسلم يدني زوجاته من مجلسه، بل حتى في عبادته وتهجده كانت أمنا عائشة تلامس جسده الشريف.
• عندما دخلت سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها على أبيها لتبلغه تشكي زوجاته صلى الله عليه وسلم من حبه لعائشة أكثر منهن، وجدته واضعا رأسه الشريف في حجر عائشة رضي الله عنها وعن كل أمهات المؤمنين.
• كان صلى الله عليه وسلم ينتظر حتى تشرب سيدتنا عائشة فيتناول الإناء ليشرب واضعا فمه الشريف مكان فمها (وهي حائض). إنه تعبير عن الحب دون كلام.
• اغتساله صلى الله عليه وسلم مع زوجته في مكان واحد ومن إناء واحد فيغدو الأمر مداعبة وبهجة وحبورا.
• انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ورأسه الشريف بين نحر وصدر أمنا عائشة رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين.
فلا تدخر أيها الزوج المحب جهدا في إشعار زوجك بحبك لها بأمور بسيطة لا تكلفك شيئا، منها تقبيلها قبل الذهاب إلى العمل وبعد العودة منه، ومن ذلك أن تربت على كتفها وأنت تمر من المطبخ أثناء انهماكها في إعداد الطعام بدل أن تسألها بجفاء: “متى يصبح الغذاء جاهزا؟”. ولا شك أن زوجك تحتاج منك حنوا إضافيا ورفقا زائدا إذا كانت تعمل خارج البيت.
وأنتِ أيتها الزوجة الودود، لا تبخلي على زوجك بحنانك وحبك، فحين يعود من عمله متعبا، رب لمسة حانية من أناملك تذهب عنه كدر اليوم وتشعره بالراحة وتبث فيه قوة إضافية لعبادة الله عز وجل والقيام بمتطلباتك أنت والأولاد.
ولا شك أن هذا الأمر لن يتم إلا بتعاون الزوجين، وهذا من البر المراد في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى.
أبقاكما الله ذخرا لبعضكما وأطال الله عمر المودة بينكما طول عمركما بل امتدادا إلى الدار الآخرة رجاء أن تكونا ممن يخاطبهم الباري جل وعلا: الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف، 69 – 70].