قد يحيل عنوان المقال القارئ للرجوع بتفكيره لرواية الكاتب الشهير “غابرييل غارسيا ماركيز ” وحديثه عن الحب في زمن الكوليرا، وكيف أن الحب يشتد كثافة كلما اقترب من الموت، وكلما اشتدت الظروف المحيطة به من حرب أهلية وجائحة، ولكنه يكون قد أخطأ الربط لأنه تشابه في العنوان فقط، فحديثي عن التعليم في زمن “الكورونا” لا وجود لمشاعر الحب فيه، ليس لأن مزاوليه من المتعلم والمعلم لا يملكانه، إنما لأنهما جردا منه عنوة، ووجدا نفسيهما داخل دائرة دون سابق إنذار أو إعلام.
سيقول قائل وهل الجائحة أخبرت أحدا بقدومها؟
طبعا لا، لأنه بين لحظة وأخرى وجد العالم نفسه يعيش كابوسا رهيبا، فرض على الجميع أن يتأقلم، ويجد لنفسه مكانا ملائما يسمح له بالبقاء فيه، فوباء كورونا لم يميز بين فقير أو غني، وصاحب تاج أو حامل معول.. إلا أن التعليم ببلادنا اختار لنفسه مكانا أو حيزا أضيق مما سمح له به “فيروس كورونا”، فطغى وتجبر واتخذ لنفسه قانونا غابويا، فيه الكثير من التحيز والطغيان، ففرق بين الغني والفقير، وسمح لنفسه بسن القوانين وفرض النظم وتمرير ما استصعب عليه فرضه قبل الجائحة، فأرسى نظاما قضت دول الطليعة سنوات ضوئية في تثبيت قواعده، ليحذو حذوها في أيام معدودات، دون مراعاة للفوارق الطبقية والهشاشة المعرفية لنظام لم يعرفه تلامذتنا إلا في تصفح أخبار الفنانين وتتبع فضائحهم تبعا لثقافة تنشر ضمنيا عبر وسائل الإعلام لعقود خلت، فكيف سيقاوم المتعلم الذي اعتاد متابعة “للا العروسة” و”سامحيني” تغيير القناة لمتابعة المقرر الدراسي، هذا إن توفر له هذا الجهاز، فما بالك بأجهزة الدراسة عن بعد وما تتطلبه من كلفة مالية باهظة لا تصل إليها شريحة عريضة من المجتمع.
أما المعلم (المسكين) وهنا وضعته بين قوسين، حقا هو قاب قوسين أو أدنى، فهو يستخدم في مجاله كجدار يتلقى الضربات، ضربات الوزارة المعنية وذلك بتحميله جميع عمليات تنزيل البرامج، واقتتاله مع آلياتها، سواء أكان ذا علم بها أو عليه اقتحام هول تعلمها من البداية، وضربات أولياء أمور التلاميذ الشرسة، وهم يرون أنهم سيدفعون واجبا شهريا مقابل تعليم وهمي، متبررين بظروف الحجر الصحي التي أصبحت نتائجها سلبية أضعاف المرات على هذا الموظف المستضعف الذي عليه العمل ليل نهار من أجل إمداد التلاميذ (أسرهم) بمدد يشبع نهمهم ويسد متطلباتهم.
فكيف لمنظومة التعليم أن تقدم مقاربة من شأنها تعميق الهوة بين طبقات المجتمع وإنهاك نفسية المعلم والمتعلم في آن واحد، في فترة عصيبة من الزمن تتطلب الوقوف مع الذات والتأمل وإعادة بناء الحسابات، لا تحين الفرص لتمرير سياسات الفشل وكسر الرقاب في الوقت الضائع؟