التربية والتعليم زوجان متلازمان لا يمكن للواحد منهما بمعزل عن الآخر أن ينتج شخصية متوازنة، ولا فردا صالحا، هذا ما توصل إليه الخبراء التربويون في الغرب فراحوا يحذرون من خطورة الانفصال بين التعليم والقيم التربوية، هذا الانفصال الذي وقع بموجب مرسوم سنة 1923 دعا إلى ضرورة استقلال المدرسة عن كل تعليم ديني، فنتج عن هذا عدة انعكاسات سلبية على الواقع التربوي والأخلاقي، يقول فيلبس كوبس: (.. ففي القرن التاسع عشر كانت هذه التربية تشكل قاعدة البرامج التعليمية في سائر بلاد أوربا وأمريكا الشمالية، ثم إن الطابع القروي كان لا يزال سائدا، كما أن الحركة العمرانية الحديثة لم تكن قد انطلقت بعد، وكانت العلاقات الأسرية متينة، والاعتقادات والمؤثرات الدينية قوية، لكن ابتداء من العقد الرابع للقرن العشرين أي منذ 1930 حصل تغيير جذري في المناخ الاقتصادي والسياسي والتربوي، كان من نتائجه أن اعتبرت التربية الأخلاقية أمرا بائدا ومنطويا على مغالطة تاريخية، وهكذا تم إهمال هذه التربية من قبل المدرسين والمشرفين على التعليم، وظلت على هذا النهج حتى نهاية السبعينات، وقتئذ حصل الاضطراب الثقافي محدثا أنواعا من الأزمات الاجتماعية التي أقلقت بال المسيرين السياسيين والمشرعين والمشرفين على المدارس وأولياء الأمور) [1].
هي شهادة من لدن أهلها تؤكد أن كل منظومة تعليمية لا تأخذ بنظر الاعتبار في برامجها القيم الدينية والأخلاقية والوطنية للمجتمع التي تنتمي إليه يكون مآلها الفشل المزدوج تربية وتعليما.
إذا كان هذا ما توصل إليه الخبراء في الغرب الذي نستورد منه كل خططنا للنهوض بقطاع التربية والتعليم، من تدريس بالكفايات ثم الأهداف ثم بيداغوجيا الإدماج.. فيلزم كذلك الإيمان بالنتيجة التي توصلوا إليها؛ وهي ضرورة إدماج القيم في البرامج التعليمية والمقررات الدراسية سواء في المواد الحاملة للقيم بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
فمظاهر انفصال التربية عن التعليم في بلدنا بادية للعيان لا تحتاج إلى كثير استدلال ولا إلى قليله، تكفي نظرة واحدة على أبواب أي مدرسة من مدارسنا وأي جامعة من جامعاتنا وأي شارع من شوارعنا وأي سوق من أسواقنا لنرى أثر هذا الفصال النكد، وليتبين لنا مدى النتائج السلبية لغياب التربية، ويزيد في استفحال الوضع عندما يكون المعلم المفروض أن يكون مربيا في حاجة إلى تربية وتقويم، وفي حاجة إلى من يلقنه المبادئ ويغرس في نفسه القيم ويسدد سلوكه حتى يكون ملائما للسلوك العام المبني على القيم الإسلامية ليستطيع بذلك أن يكون القدوة الصالحة والمثال القويم للمتعلم الذي يتأثر به سلبا وإيجابا.
إذن لابد أن يعود النظام التعليمي التربوي إلى القيام بمهمته التامة الشاملة للتعليم وترسيخ القيم الأخلاقية، بحيث تتكامل فيه كل العناصر المسهمة في العملية التربوية مدرسة وقسما ومعلما وبرنامجا وأنشطة موازية، لأن المدرسة مؤسسة اجتماعية تعمل على صياغة المجتمع وذلك بالحفاظ على ثقافته وقيمه، فهي التي تضمن استمرارية المجتمعات وتطورها، وعلى عاتقها تقع مسؤولية إعادة التعليم إلى حضن التربية للتوسل بهما معا إلى تحقيق عمارة الأرض وتحقيق مبدأ الاستخلاف.
[1] الأزمة التربوية العالمية لفيلبس كوبس نقلا عن أثر الاستغراب في التربية والتعليم لعبد الله الشارف، ص41.