دخل علينا رمضان المبارك الذي تزكو به النفوس وتطمئن إليه القلوب وتشرئب إليه أعناق المحبين لقيامه وصيامه، يأتي رمضان هذه السنة، والعالم كله يرزح تحت وطأة فيروس صغير الشأن كبير الأثر والفزع في قلوب الناس، ألجأ العالم إلى سنن الفطرة في التنظيف، وألبس النساء الحجاب، وكف المصافحة عنهن للرجال، وفرمل قوة العقل لصالح قوة الله عز وجل وقدرته في ملكه وملكوته، وألزمهم البيوت فوُصدت الجوامع والمساجد، وهُدمت قبور المنازل لتتحول إلى مساجد تلم الأسر والعوائل فقط، لنعيش دعوة سرية تكتشف النفس من جديد، وتقف معها وقفة الناقد الفاحص، فنسأل الله تعالى أن يرفع عن الإنسانية جمعاء هذا الوباء، وأن ينزل في رمضان رحمته وعطفه على الناس.
ويتجدد رمضان، وتتجدد معه بعض الأسئلة الفقهية المصاحبة له، وقد فصل أجوبتها علماؤنا رحمهم الله، فاستخلصتها من كتبهم لتُقدَّم للسائلين الكرام مختصرة هادفة ومحددة، اعتمادا على مذهب السادة المالكية الذي عليه يعتمد المغاربة في اجتهاداتهم واختياراتهم الفقهية، وقد جعلتها أسئلة وأجوبة لتفي بالغرض المقصود.
فما كان من توفيق من الله عز وجل، وما كان من نقص أو تقصير فمن نفسي ومن الشيطان عليه لعنة الله.
1- هل أنوي مرة واحدة لصيام رمضان، أم لكل يوم نيته الخاصة؟
تجزئ نية واحدة لرمضان في أوله، فيجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة
ودليله عند المالكية، أن الواجب صوم الشهر، لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ 1، والشهر: اسم لزمان واحد، فكان الصوم من أوله إلى آخره عبادة واحدة، كالصلاة والحج، فيتأدى بنية واحدة، قال ابن جزي رحمه الله: “تجزيه نِيَّة وَاحِدَة لرمضان فِي أَوله” 2.
2- متى يمسك الإنسان عن الأكل وقت السحور؟
روى البخاري عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ. قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ، قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً”، وقدره بعض المتأخرين بحوالي 20 دقيقة بين التوقف عن الأكل في السحور وبين آذان صلاة الفجر، قال أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي:
وثلث ساعة قبيل الفجر.. لا أكل في ذا الوقت للتحري
هذا الذي جرى به بفاس عملنا وقاله المواســــي 3.
3- ما حكم خروج المني والمذي؟ وما حكم النظر إلى الزوجة وتقبيلها في رمضان؟
من خرج منه المذي في نهار رمضان، من نظر أو تفكر، عن غير قصد، ولم يتابع النظر أو التفكر، فلا قضاء عليه، قال ابن رشد رحمه الله: “وأما إن نظر على غير قصد، أو تذكر، فأمذى، دون أن يتابع النظر أو التذكر، ففي ذلك قولان:
أحدهما: أن عليه القضاء – وهو قول مالك في هذه الرواية في النظر، والتذكر محمول عليه. والثاني: أنه لا قضاء عليه، إلا أن يتابع ذلك حتى ينزل، وهذا القول أظهر، لأن المذي لا يجب به القضاء على أي وجه كان عند الشافعي، وأبي حنيفة، وأكثر أهل العلم” 4.
وإن استدام النظر والتفكر عن قصد حتى خرج منه المني: فعليه الكفارة مع القضاء عند المالكية.
قال أبو زيد القيرواني رحمه الله: “ومن الْتذَّ في نهار رمضان، بمباشرَة أو قُبلة، فأمذى لذلك: فعليه القضاء، وإن تعمد ذلك حتى أمنى، فعليه الكفارة” 5.
وقال النفراوي المالكي: “المعتمد: لزوم الكفارة، بتعمد إخراج المني بالقبلة، أو المباشرة، أو الملاعبة، من غير شرط عادة ولا استدامة” 6.
وأما إن خرج المني بغير سبب، فلا شيء فيه، لأنه أمر خارج عن الكسب، فلا يتعلق به حكم.
قال ابن جزي: “وأما الإنزال بنظر أو فكر: فإن استدام فعليه القضاء والكفارة..، وإن لم يستدم فالقضاء خاصة… وإن خرج المني بغير سبب فلا شيء فيه” 7.
وأما من احتلم في نهار رمضان فلا شيء عليه إجماعا، قال ابن جزي رحمه الله “من احتلم في نهار رمضان لم يفسد صومه إجماعا” 8..
أما تقبيل الزوجة ولمسها، فقد. ثبت عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِه” 9.
قال ابن منظور: “وفي الحديث أَنه كان يُقَبِّلُ ويُباشِرُ وهو صائم أَراد بالمباشَرَةِ المُلامَسَةَ وأَصله من لَمْس بَشَرَةِ الرجل بَشَرَةَ المرأَة” 10.
ولهذا يجوز التقبيل أثناء الصيام لمن يقدر على ضبط نفسه، ولكن أَيُّنا يملك إربه؟
وبعض العلماء يفتون بأن التقبيل أثناء الصيام يكره لمن تحرك القُبلةُ شهوتَه، ولا تكره لغيره، ولكن الأولى ترك التقبيل في نهار رمضان، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك، والاعتبار بتحريك الشهوة، وسواء في ذلك تقبيل الخد أو الفم أو غيرهما.
4- هل يجب الصيام على الشَّخص المصاب بمرض السكري؟
يجوز للمريض الإفطار في شهر رمضان إذا كان الصوم يضرّه أو يشقّ عليه، أو كان يحتاج إلى علاج في النهار بأنواع الحبوب والأشربة ونحوها مما يؤكل ويشرب، لقول الله سبحانه: ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر 11، قال القرطبي رحمه الله: “للمريض حالتان:
إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال، فعليه الفطر واجبا.
الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل.
وقال جمهور من العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزيده صح له الفطر. قال ابن عطية: وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك وبه يناظرون” 12.
وحالة مريض السكري لا تخرج عن هاتين الحالتين:
فإن كان الصوم لا يؤثر عليه، أو تصحبه بعض المشقة، فيتحتم عليه مراجعة الطبيب المختص، لأخذ الموافقة وفقاً لحالته الصحية وقدرته على ضبط مستوى السكر في الدم، وفي حال موافقة الطبيب على الصيام، من المهم أن يبدأ المريض بإجراء بعض التغييرات المرتبطة بالتغذية لتصبح قريبة من تلك الموجودة في رمضان كي لا يصاب جسمه بصدمة.
أما إذا منع الطبيب الصيام وفقا لحالة المريض، كمن له مراحل متقدمة من المرض والناتج عنه وجود خلل واعتلال بالكلى أو خلل بالنظر وغيرها من المضاعفات، فهنا يصبح الصيام حراما عليه، لأنه يهدد حفظ النفس، وهذا المقصد أباحت له الشريعة المحظورات لكي يُحفظ، ومن صام وتأثر به فهو آثم، والله أعلم.
5- ما حكم استعمال جهاز الاستنشاق الخاص بالربو خلال شهر رمضان؟
البخاخ لم يكن عند المتقدمين، لأنه من صناعات الطب الحديث، وقد تناوله المعاصرون، فاختلفوا فيه إلى اتجاهين كل له ما يعضد به رأيه، وفي اعتقادي والله أعلم، أن قضايا الطب، العلماء فيها تبع للأطباء، كما قال الدكتور عبد العلي المسئول حفظه الله، وهذان الاتجاهان هما:
الاتجاه الأول: أنه لا يفطر الصائم، وهذا اختيار ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما وبه أفتت اللجنة الدائمة “السعودية”، ومستندهم، أنه هذا البخاخ ليس أكلاً ولا شربا ولا هو في معناهما.
وأنه ليس بعين ولا جرم، وإنما هو هواء يشبه الدخان، فلا يكون مفطرا عند الشافعية، فالإفطار عندهم إنما يحصل بالعين لا بالأثر. وأنه إنما يدخل مع مخرج النفس، لا مخرج الطعام والشراب، وأن ما يدخل منه إلى المريء والمعدة قليل جداً، وهو يشبه القدر المعفو عنه من المتبقي من المضمضة والاستنشاق والسواك 13.
الاتجاه الثاني: يفطر الصائم باستعمال بخاخ الربو، وهذا اختيار محمد المختار الشنقيطي وغيره وبه أفتت دار الإفتاء المصرية، ومستندهم، حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا” 14. فالمبالغة في المضمضة لا يجوز ولو أن إمكانية تجاوز اللهاة مستبعد ونزير، فأحرى أن يكون البخاخ الذي يدخل الجوف كلية.
وكذلك أن معنى الصوم هو الإمساك، ولا يتحقق الإمساك بدخول شيء ذي جِرم إلى الجوف، وإلا كان ركن الصيام منعدمًا، وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصور،
ثم إن بخاخ الربو يحتوي على مستحضرات طبية دواء (الفانتلين) + ماء + أوكسجين، فهو مادة مركبة من أجزاء خاصة لها جرم مؤثر، غير أجزاء الهواء المعتاد الذي يتنفسه الإنسان، وإلا لم يكن علاجاً فإن الهواء المجرد يتنفسه المريض وغيره. وعلى التسليم بأنه مثل الدخان والبخور؛ فإن الجمهور على اعتباره مفطرا خلافا للشافعية. 15.
وهذا الرأي، أي الثاني مال له الكثير، بناء على إقرار كثير من الأطباء، وبالتالي فإن بخاخ الربو يقع به الفطر، وذلك لاشتمال الرذاذ على جرم مؤثر من السوائل التي نهي الصائم عن تناولها 16، وبالتي وجب على المفطر القضاء إن شفي، أو الفدية إن لم يبرأ، والله أعلم.
6- هل يجب الصيامُ على الأم الحامل والأمِّ المرضعة؟
بالنسبة للحامل لها الفطر إن خافت على جنينها، وإلا صامت، قال الخرشي المالكي رحمه الله: “الْحَامِل إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا هَلَاكًا، أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَجَبَ عَلَيْهَا الْفِطْرُ، وَإِنْ خَافَتْ حُدُوثَ عِلَّةٍ، أَوْ مَرَضٍ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْفِطْرُ حَيْثُ خَشِيَتْ حُدُوثَ عِلَّةٍ، وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ إنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا هَلَاكًا، أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَجَبَ عَلَيْهَا الْفِطْرُ، وَإِنْ خَشِيَتْ عَلَيْهِ مَرَضًا، أَوْ حُدُوثَ عِلَّةٍ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لا يَقْبَلَ الْوَلَدُ غَيْرَهَا… وَإِلا لَوَجَبَ عَلَيْهَا الصَّوْمُ” 17.
أما المرضعة فلها أن تصوم إذا كان الرضاع غير مضر بها ولا بر ضيعها، وإلا أفطرت، قال أبو عبد الله المواق المالكي رحمه الله: «المرضع إذا كان الرضاع غير مضر بها ولا بولدها، أو كان مضرا بها وهناك مال يستأجر منه للابن، أو للأب، أو للأم، والولد يقبل غيرها لزمها الصوم، وإن كان مضرا بها تخاف على نفسها أو على ولدها، والولد لا يقبل غيرها، أو يقبل غيرها ولا يوجد من يستأجر، أو يوجد وليس هناك مال يستأجر منه لزمها الإفطار، وإن كان يجهدها الصوم ولا تخاف على نفسها ولا على ولدها، والولد لا يقبل غيرها كانت بالخيار بين الصوم والإفطار” 18.
7- ما حكم القيء أثناء الصيام:
لا خلافَ بين الفقهاء في عدم إفطار مَن غلبه القيء، سواء كان قليلاً أو كثيراً؛ لِمَا رواه أبو هريرة – رضي اللَّه عنه – عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: “مَنْ ذَرَعَهُ 19. الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْداً فَلْيَقْض” 20، ومذهب المالكية أنّ المفطر في القيء هو رجوعه سواء أكان القيء لِعلة أو امتلاء معدة: قلّ أو كثر، تغيَّر أو لا، رجع عمداً أو سهواً، فإنه مفطر وعليه القضاء.
جاء في المدونة: «أرأيت القيء في رمضان ما قول مالك فيه؟ فقال: قال مالك: إن ذَرَعَه القيءُ في رمضان فلا شيء عليه، وإن استقاء فعليه القضاء… وقال أشهب: «إن كان صومه تطوعا فاستقاء فإنه يفطر وعليه القضاء، وإن تمادى ولم يفطر فعليه القضاء، وإن كان صيامه واجبا فعليه آن يتم صيامه وعليه القضاء، وإن ذرعه القيء فلا شيء عليه” 21.
8- ما حكم تجمل المرأة وتزينٌها في رمضان؟
أولا يجب أن نستشعر بكون رمضان شهر التزكية الروحية، لا شهر الزيادة الجسدية، وبأنه شهر التجمل الروحي، لا التجمل الجسدي، ومع ذلك، وبحكم أن المرأة تحب أن ترى في نفسها جمالا، ليرضى عنها زوجها، فمن هذا الباب فلا بأس من استعمالها لِمواد التجميل في رمضان فإنه لا يؤثِّر على صحة الصوم، ولا حرج فيه. لأنه ليس من المفطرات. فالصومُ هو الإمساك عنِ الطَّعام والشراب والجِماع والإنزال وتعمُّد القيء.
ولأن مواد التجميل توضع على الجلد، وما ينفذ من المسام لا يفطر.
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم” 22..
ووجه الاستدلال أن الماء يؤثر في الجلد فإن كان ساخنا أسخن الجسد وإن كان باردا أنعشه.
ثم ما يدخل من المسام هو أثر الدهن وليس الدهن بعينه.
9- ما حكم الكحل؟
المشهور: أن الكحل إذا أحس به الصائم في حلقه فسد صومه، وبه قال الحنابلة 23.
وللمالكية في الكحل قولان:
القول الأول: جاء في المدونة: قال مالك: «إذا دخل حلقَه وعلِم أنه قد وصل الكحل إلى حلقه فعليه القضاء” 24.
ولا يتحقق الصوم بوصل شيء سائل مائع الحلق، قال الشيخ خليل: “إيصال مُتَحَلِّلٍ (أي مائع) وإن من أنف وأذن وعين”، واستدلوا بحديث الدارمي والبيهقي أن النبيﷺ قال: «لا تكتحل بالنهار وأنت صائم اكتحل ليلا» 25، وهو حديث ضعيف.
القول الثاني: يجوز الكحل وتقاس عليه قطرة العين، ولا يضر الصائمَ وإن وجدَ طعمَه في حلقه، فقد روى أشهب عن مالك أن فيه الجواز قال مالك: “وما كان الناس يُشَدِّدُونَ في مثل هذه الأشياء هكذا” 26، وهو مذهب الحنفية والشافعية.
واستدلوا بما روَى ابن ماجه والبيهقي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم» 27. وإسناده ضعيف.
والراجح والله أعلم، أنه لا يفسد صيامها ومن الأحوط أن تترك المرأة الكحل لليل، قال الترمذي: “ولا يصح عن النبيصلى الله عليه وسلم في باب الكحل للصائم شيء” 28.
10- حكم الفحص الداخلي للمرأة عبر المهبل؟
ما يدخل إلى الجسم عن طريق المهبل من غسول مهبلي، وتحاميل (القويلبات)، ومن آلات كالمنظار مثلا…
اختلف فيه الفقهاء على قولين:
القول الأول: في المدونة لسحنون ذهب المالكية، والحنابلة أيضا، إلى أنَّ المرأة إذا قطرت في قٌبُلها مائعًا لا تفطر بذلك، مستدلين بأنَّ فرج المرأة ليس متَّصلاً بالجوف.
القول الثاني: ذهب الأحناف، والشافعية، إلى أن دخول المائع إلى قُبُل المرأة يُفطر ودليلهم أن لمثانتها منفذًا يصل إلى الجوف؛ كالإقطار في الأذن. 29.
لكن الطب الحديث، أثبت أنَّه لا منفذ بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين جوفها، ولذلك فليس هناك في الحقيقة ما يوجب التَّفطير.
11- هل يجوز للمرأة أن تؤجل نزول دم الحيض إلى ما بعد رمضان بشرب عقاقير وأودية لذلك؟
الأمر المستحب هو أن يكون الجسد طبيعيا في تصرفاته، فالحيض مسألة طبيعية للمرأة، تفطر أيامها في رمضان، وتقضيها بعد ذلك،
جوز الأطباء ذلك ما لم يكن هناك ضرر على صحة المرأة، وبناء عليه، فقد جوزه الفقهاء أيضا، ويُحْكَم بالطُّهْر لمَن رفعت حيضَتها عن النزول في وقتها المعتاد، وقد رُوِيَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سُئِلَ عن الحائض تشرب الدواء ليرتفعَ حيضُها حتى تَطوف وتَنفِر، فأجاز ذلك، ووصف لها ماء الأراك، بل إن فقهاء الحنابلة يَرَوْن جواز تناول المرأة دواء لقطع الحيض مطلقًا، إذا كان الدواء مُباحًا لا يَضُر المرأة تناوله.
ومَن ثَمَّ فلا حرج على المرأة أن تَتَّخِذ وسيلة من دواء أو غيره تؤخر بها نزول دم الحيض عليها حتى تَفْرُغ من صيامها.
12- ما حكم الاستحاضة في رمضان؟
في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة رضي الله عنها شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم فقال لها: «أمكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي« 30.
فهنا أرجعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عادتها.
وعند البخاري ومسلم أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تُستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم” 31.
وهنا أيضاً ردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عادتها المتقررة قبل استحاضتها.
وفي رواية أبي داود أنه قال لها: «إن دم الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلي” 32.
وهنا ردها إلى التمييز بين صفات دم الحيض وبين صفات دم الاستحاضة.
وفي حديث حمنة قال لها: «فتحيضي ستة أيامٍ أو سبعة أيام ثم اغتسلي” 33. الحديث، فردها إلى العمل بغالب الحيض، فمرة رد المستحاضة إلى عادتها المتقررة ومرة ردها إلى العمل بالتمييز الصالح، ومرة ردها إلى العمل بغالب الحيض.
وعليه فإن المستحاضة تعمل بعادتها إن كان لها عادة وإلا فبالتمييز الصالح وإلا فبغالب الحيض. والله أعلم .
وتصبح المستحاضة في حكم الطاهرات فإذا ذهب قدر أيام عادتها فإنها تغتسل، وتغسل فرجها وتعصبه بخرقه ليمنع الخارج حسب الإمكان وتتوضأ لكل وقت صلاة هكذا ثبتت به السنة الصحيحة.
13- فهل يجوز لزوجها أن يطأها وهي مستحاضة؟
ذهب الجمهور للجواز وذلك لأن حمنة بنت جحش كانت تستحاض وكان زوجها طلحة يغشاها.
وأم حبيبة أيضاً فإنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكان يغشاها وهي مستحاضة.
وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي” 34. والله أعلم .
14- فهل يجب على المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة؟
الراجح أن ذلك مستحبا وليس واجبا ولو أن مسلما روى “أن أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة، قال الليث بن سعد: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل لكل صلاة، ولكن شيء فعلته هي” 35.
ودون ذلك أن تغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وللفجر غسلاً واحداً وتتوضأ فيما بين ذلك، لحديث أسماء بنت عميس «ولتجلس إحداكن في مركن، فإن رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب وللعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للصبح غسلاً واحداً وتتوضأ فيما بين ذلك« والله أعلم.
15- ما حكم الصَّلاة إذا كان الإمام يصلي التراويح مثلاً والمؤتم يصلي فريضة أداء أو قضاء؟
اختلف فيها العلماء، لكن المالكية، أبطلوا صلاة المأموم المخالف لنية الإمام، ودليلهم في المسألة عموم قول النبيﷺ: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» 36، وهذا لفظ عام من كلام النبيﷺ يشمل الاتباع في كل مكونات الصلاة: في النية وفي القول وفي الفعل، ولا يمكن تخصيص هذا العموم إلا بدليل؛ وصلاة المفترض وراء المتنفل أو العكس، يخالف فيها المأموم إمامه في أعظم أركان الصلاة وهو النية، ولا يكفي عند المالكية موافقة الإمام في معظم الأركان، بل في كل الأركان.
أما قصة معاذ بن جبل رضي الله عنه «أنه كان يصلِّي مع رسولِ اللهﷺ، ثم يرجع إلى قومه فيؤمُّهم» 37، فهي اجتهاد منه لم يفعله غيره ولم يثبت عن رسول اللهﷺ بسند صحيح أنه فعله ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم؛ ومن هنا قال المالكية هذا خاص به من أجل فضيلة التعليم؛ لأنه حدث في بداية الإسلام في المدينة المنورة حيث كثير من الناس لم يكونوا على علم تام بكيفية الصلاة” 38.
16- ما الكفارة؟ وما القضاء؟ وما الفدية؟ وعلى من تجب؟ ومتى تجب؟
أولا: الكفارة:
ذهب المالكية إلى أن من أفطر عمدا في رمضان، سواء بأكل أو شرب أو بجماع أو باستمناء، أو غير ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم: يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي… الحديث. 39، وحديث «من أفطر يوماً في رمضان من غير رخصة ولا مرض، لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه» 40.
قال الشوكاني رحمه الله «في رواية أن رجلا أفطر في رمضان. وبهذا استدلت المالكية على وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بجماع أو غيره” 41.
أنواع الكفارة: ثلاثة وهي على التخيير:
– الأول إطعام ستين مسكينا، لكل واحد مد بمُدِّه عليه الصلاة والسلام ولا يجزئ غداء وعشاء، وتعددت الكفارة بتعدد الأيام، والإطعام أفضل الأنواع، الثاني، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله في الفدية.
– صيام شهرين متتابعين بالهلال، فإن أفطر في يوم عمدا، بطل الذي صامه واستأنف من جديد.
– عتق رقبة مؤمنة ليست فيها شائبة حرية سالمة من العيوب، وهذا لم يعد قائما اليوم.
ودليل الكفارة ما رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: ثم جلس، فأوتي النبي صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه تمر، فقال صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا، قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك» 42.
ثانيا: القضاء
اتّفق العلماء على وجوب قضاء المسلم للأيّام التي أفطرها في شهر رمضان، سواءً كان الفِطْر بسبب عذرٍ شرعيٍ، كالسفر، والمرض، والحيض، أو دون عذرٍ شرعيٍ -مع ترتُّب الإثم عليه- والأفضل التعجيل في القضاء، إسقاطاً للواجب، وإبراءً للذمّة، مع الإشارة إلى أنّ وقت القضاء يبدأ بعد انتهاء رمضان، أمّا تأخير القضاء إلى حين دخول رمضان آخرٍ، فيُوجب القضاء والفدية عند جمهور العلماء بخلاف الحنفيّة الذين قالو بوجوب القضاء فقط، وقال الشافعيّة بتكرار الفِدية بتكرار الأعوام.
ثالثا: الفدية
17- ما هي الفدية؟ وعلى من تجوز؟ وما مقدارها؟
الفدية ما يدفعه العاجز عن صيام رمضان إطعاما للمساكين بعدد أيام الإفطار، وتسمى بالكفارة الصغرى” 43 بالمقارنة مع الكفارة الكبرى الواجبة على من أفسد الصيام عمدا بدون عذر شرعي، وهي إطعام ستين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، أو عتق رقبة” 44.
وفدية الصيام رخصة، والرخصة لا تتعدى محلها، ومحلها عند المالكية في ست حالات، وتنقسم باعتبار حكمها إلى قسمين:
الأول: ما فيه الفدية استحبابا وله أربع حالات:
1- الشيخ الكبير الذي يضر به الصيام ولا يقوى عليه؛ يجب عليه الفطر مع الفدية استحبابا.
2- المريض مرضا مزمنا لا يرجى شفاؤه بحيث يضر به الصيام ولا يقوى عليه؛ يجب عليه الفطر مع الفدية استحبابا أيضا.
3- المكره بإرهاق الجوع والعطش فأفطر خوفا على نفسه، عليه القضاء مع الفدية استحبابا لا وجوبا؛ لأنه لا يستطيع أن يتفادى الفطر وإلا هلك فأشبه المريض والشيخ الكبير.
4- الخائف من حدوث مرض إذا لازمه هذا الخوف؛ والخوف الْمُجَوِّزُ للفطر هو المستنِد صاحبُه إلى أحد أمور ثلاثة: قول طبيب ثقة حاذق، أو لتجربة من نفسه أو لإخبار ممن هو موافق له في المزاج، فالصحيح الذي تلحقه المشقة بدوام صومه، لا يجوز له الفطر إلا لخوف الموت أو حدوث المرض، فيجب عليه حينئذ الفطر مع الفدية استحبابا.
الثاني: ما فيه الفدية وجوبا وله حالتان:
1- المرأة المرضع، عليها القضاء والفدية وجوبا، لأنها يمكن لها أن تتفادى الفطر بوسائل أخرى مثل: استئجار امرأة مرضع، أو بالرضاعة الاصطناعية.
2- المفرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر دون عذر، عليه القضاء مع الفدية وجوبا أيضا لتفريطه. 45.
ومقدار فدية الصيام هو نفسه مقدار الكفارة في إطعام ستين مسكين.
أما مقدار الفدية فلا يوجد في تحديده نص صحيح من القرآن الكريم أو من قول النبيﷺ، وينقسم إلى قسمين:
أ- المقدار المتفق عليه من جميع المذاهب؛ وهو الإطعام إلى الإشباع بدون تحديده بالصاع ولا بغيره، ويكون من أوسط ما يطعم به المفطر للعذر نفسه؛ لما روى الدارقطني عن أنسِ بن مالك «أنه ضَعُفَ عنِ الصوم عاما فصنع جَفْنَة من ثريد ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم» 46.
وقال البخاري: “وأما الشيخ الكبير إذا لم يُطِقْ الصيام، فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر” 47.
ونقل ابن قدامة أن الإمام أحمد: “سُئل عن امرأة أفطرت رمضان؟ فقال: كم أفطرت؟ قال السائل: ثلاثين يوماً، قال الإمام: اجمع ثلاثين مسكيناً وأطعمهم مرة واحدة وأشبعهم، قال السائل: ما أطعمهم؟ قال الإمام: خبزاً ولحماً إن قدرت من أوسط طعامكم” 48.
وقال القرافي: في إطعام كفارة اليمين: “وإن غُذِّيَ أو عُشِّيَ بالخبز والإدام -أما الزيت واللحم وهو أجوده- أجزأه لأنه إطعام معتاد” 49.
ب- والمقدار المختلف فيه وهو تحديد الفدية؛ فقد اختلف فيه، من الصاع، إلى نصف الصاع، إلى ربع الصاع.
قال؛ المالكية والشافعية قالوا: مقدارها: ربع صاع؛ أي: مد واحد عن كل يوم؛ واشترط المالكية غالب القوت في فدية الأذى في الحج فأمكن أن يعتبر هنا أيضا(14). 50.
وحجة المالكية والشافعية في تحديد الفدية بالمد وهو ربع الصاع، ما ورد عن بعض الصحابة موقوفا، منه ما روى الإمام مالك، «أنه بلغه، أن عبد الله بن عمر سُئِلَ عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام؟ قال: «تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مُدًّا من حنطة بمد النبيَّﷺ» 51، وما روى البيهقي والدارقطني: عن أبي هريرة موقوفا: «من أدركه الكبر، فلم يستطع أن يصوم رمضان، فعليه لكل يوم مد من قمح».
وما روى البيهقي والدارقطني: عن ابن عباس قال: «إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أطعم عن كل يوم مدا مدا» 52.
18- هل يصح دفع القيمة نقدا في فدية الصيام؟ وما مقدارها؟
أما إخراج القيمة فمنعها المالكية والشافعية، وأجازها الحنفية 53، قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: “الدراهم أحب إليَّ لأنها أيسر على الغني وأنفع للفقير” 54.
والأخذ بمذهب الحنفية في هذا العصر أرفق بالناس وأوفق للمصلحة؛ لأن الهدف دفع حاجة المسكين، وهذا يحصل بدفع القيمة له، بل دفع القيمة يحصل به المقصود على وجه أتم وأكمل.
19- ما مقدار القيمة في فدية الصيام بالعملة؟
مقدار القيمة إما أن يكون حسب الإطعام من غير تحديد، وإما حسب التحديد بالصاع أو نصفه أو ربعه.
فإن كان حسب الإطعام من غير تحديد، فهو الإطعام المتفق عليه، والمنصوص عليه في القرآن الكريم، وهو: أن يطعم المساكين مما كان يطعم به نفسه حتى الإشباع بعدد أيام الصيام التي أفطر فيها لعذر؛ كما يفعل أنس بن مالك رضي الله عنه؛ فإذا أراد حينئذ القيمة على مذهب الحنفية فليدفع قيمة ما يطعم به نفسه؛ حسب حاله من الغنى والفقر؛ فمن الأغنياء من لا يتغذى إلا بمائتي درهم فأعلى، ومن الفقراء من لا يتغذى إلا بعشرة دراهم فأقل، فلا ينبغي تسوية الفقراء مع الأغنياء في قيمة الفدية اعتبارا بمقاصد الشريعة.
وحتى أستخرج قيمة الإطعام، قمت بزيارة ميدانية لأحد الممونين للحفلات، فسألته عن قيمة إطعام عشرة بأوسط الطعام فقال: هي (200 إلى 300 درهم) مغربية؛ وعليه فقيمة فدية يوم واحد هي 20 درهما، كما سألت عن الغذاء الأرخص ثمنا فقال لي: هو (سانداويش)، وهو مكون من خبز وحوت سردين مطحون؛ مشوي أو مقلي، وثمنه ستة دراهم وهو قيمة الفدية حسب هذا النوع من الطعام.
وإن كان حسب التحديد بالصاع أو نصفه أو ربعه فهو كما يلي:
أما مقدارها بالصاع حسب مذهب الحنفية المجيز للقيمة فهو (15درهما) حسب تحديد المجلس العلمي الأعلى لقيمة الصاع في زكاة الفطر في رمضان (سنة1438هـ)، وبنصف الصاع 8 دراهم.
أما تقدير ها بالمد حسب المذهب المالكي فلا تتجاوز (4 دراهم) ومن المعلوم أن أربعة دراهم لا تفيد في الإطعام شيئا في الواقع، والإطعام هو المقصد من الآية الكريمة: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَام مَسَاكِين 55.
ويمكن هنا أن نخرج بنتيجة وهي أن قيمة الفدية من ستة دراهم إلى عشرين درهما، حسب الغنى والفقر؛ فمن أحب أن يزيد على هذا بما يحقق الإطعام حسب غالب عيشه فلا حرج في ذلك.
20- لمن تعطى فدية الصيام وكيفية توزيعها:
اتفق العلماء على أن الفدية لا تعطى إلا للمساكين حصرا كما في الآية الكريمة، واختلفوا في كيفية توزيعها إلى قولين:
قال المالكية: “يجب أن يدفع لكل مسكين مدا واحدا، فلا يصح إعطاء الـْمُدِّ لأكثر من واحد، ولا إعطاءُ أكثر من مُدٍّ لواحد، فإن فعل لم يُعْتَدَّ بالزائد” 56. وفي المدونة قال الإمام مالك: “لا يُجْزِئُ أن يطعم أمدادا كثيرة لمسكين واحد ولكن مدا لكل مسكين” 57.
وقول المالكية هنا بوجوب صرف فدية كل يوم إلى مسكين مستقل، هو الأبرأ للذمة والأحوط خروجاً من الخلاف.
21- هل يجوز تعجيل فدية الصيام قبل رمضان؟
اتفق الفقهاء على عدم جواز إخراج الفدية قبل بداية شهر رمضان؛ لعدم حلول أجل وجوبها، ولأنه تقديم للحكم قبل سببه؛ ولكنهم اختلفوا في إخراجها عن الشهر كاملاً أول رمضان؛ فأجازه الحنفية ومنعه الشافعية 58، ولم أقف للمالكية في المسألة على قول.
ولم أقف للمالكية في المسألة على قول؛ إلا ما جاء عن أشهب فيما يخص المفرط في القضاء -ويمكن أن يقاس عليه غيره- حين قال: “ومن عجل كفارة التفريط قبل وجوبها لم يجزه؛ فإن كان عليه عشرون يوما فلما بقي لرمضان الثاني عشرة أيام كفَّر عن عشرين يوما، لم يجزه منها إلا عشرة أيام” 59، والله أعلم 60.
22- هل تصح صلاة العشاء وراء إمام يصلي التراويح؟
ذهب المالكية إلى أن نية صلاة المأموم إذا كانت مخالفة لنية الإمام بطلت صلاته عكس المذاهب الأخرى، ودليلهم في المسألة عموم قول النبيﷺ: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» 61، وهذا لفظ عام من كلام النبيﷺ يشمل الاتباع في كل مكونات الصلاة: في النية وفي القول وفي الفعل، ولا يمكن تخصيص هذا العموم إلا بدليل، وصلاة المفترض وراء المتنفل أو العكس يخالف فيها المأموم إمامه في أعظم أركان الصلاة وهو النية، ولا يكفي عند المالكية موافقة الإمام في معظم الأركان بل في كل الأركان.
أما قصة معاذ بن جبل رضي الله عنه «أنه كان يصلِّي مع رسولِ اللهﷺ، ثم يرجع إلى قومه فيؤمُّهم» 62، فهي اجتهاد منه لم يفعله غيره ولم يثبت عن رسول اللهﷺ بسند صحيح أنه فعله ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم؛ ومن هنا قال المالكية هذا خاص به من أجل فضيلة التعليم؛ لأنه حدث في بداية الإسلام في المدينة المنورة حيث كثير من الناس لم يكونوا على علم تام بكيفية الصلاة 63.
هذه بُلغة من مبلغ لم يبلغ في العلم بعد، فأستغفره سبحانه من كل ذنب، وأستعطفه سبحانه بكل رحمته، أن يبلغني رمضان غير فاقد ولا مفقود، وأن يرزقني فيه صوما خالصا، وقياما دائما، واحتسابا متقبلا، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
[2] القوانين الفقهية ص 80.
[3] النوازل الصغرى للمهدي الوزاني ج1ص436.
[4] “البيان والتحصيل” 2 / 314.
[5] الرسالة 1/ 62.
[6] الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 1 / 317.
[7] القوانين الفقهية 1 / 81.
[8] القوانين الفقهية1 / 81
[9] صحيح البخاري كتاب الصيام، باب المباشرة للصائم.
[10] لسان العرب ج 4 ص 59.
[11] البقرة 185.
[12] الجامع لأحكام القرآن ج1ص 28.
[13] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى الطب والمرضى ص: 101.
[14] الترمذي كتاب الصوم باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم برقم 788، وأبو داود في كتاب الطهارة باب في الاستنثار برقم 142.
[15] دار الإفتاء المصري، www.dar-alifta.org. وينظر أيضا موقع فقه ويب.
[16] المفطرات الطبية العلاجية والتشخيصية لوسيم فتح الله www.saaid.net.
[17] حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل 2/262.
[18] أورده محمد بن أحمد ميارة المالكي في كتابه: الدر الثمين والمورد المعين ص 480.
[19] ذرعه، بمعنى غلبه القيئ ولم يستطع مقاومته.
[20] رواه الخمسة، واللفظ للترمذي، كتاب الصوم باب ما جاء في من استقاء عمدا.
[21] مدونة سحنون 1/ 271.
[22] صحيح البخاري كتاب الصوم باب الصائم يصبح جنبا
[23] المغني لابن قدامة 3/121.
[24] المدونة 1/ 269.
[25] سنن الدارمي 2/ 1081، سنن البيهقي 4/437.
[26] النوادر والزيادات 2/44و45.
[27] ابن ماجة كتاب الصيام باب ما جاء في السواك والكحل للصائم.
[28] سنن الترمذي كتاب الصوم باب ما جاء في الكحل للصائم.
[29] بدائع الصنائع 2/ 93.
[30] صحيح مسلم كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها.
[31] صحيح البخاري، كتاب الحيض باب الاستحاضة.
[32] سنن أبي داوود كتاب الطهارة باب من قال توضأ لكل صلاة.
[33] كتاب الأم للشافعي كتاب الحيض باب المستحاضة.
[34] صحيح البخاري كتاب الحيض باب إذا رأت المستحاضة الطهر.
[35] صحيح مسلم كتاب الحيض باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم.
[36] صحيح البخاري، كتاب الجماعة باب إنما جعل الإمام ليؤتم به.
[37] صحيح البخاري كتاب صلاة الجماعة باب إذا صلى ثم أم قوما.
[38] نفحات من الفقه المالكي عبد الله بن طاهر.
[39] صحيح البخاري كتاب الصوم باب فضل لصوم.
[40] سنن الترمذي كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في الإفطار متعمدا، وهو ضعيف رواه البخاري تعليقا وبصيغة التمريض.
[41] نيل الأوتار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار 2/ 229.
[42] صحيح البخاري كتاب الصوم باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر.
[43] الفواكه الدواني على الرسالة: 1/310لأحمد بن غانم النفراوي.
[44] القوانين الفقهية: ص:83 لابن جزي.
[45] الفواكه الدواني على الرسالة: 1/ 317.
[46] سنن الدارقطني 3 /199، قال ابن حجر العسقلاني في إتحاف المهرة 1/ 429 عن رجال إسناده: “كلهم ثقات”.
[47] صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: “أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ”.
[48] المغني لابن قدامة المقدسي 3/154.
[49] الذخيرة للقرافي 4/ 62.
[50] الاستذكار 3/ 366 لابن عبد البر، والفواكه الدواني على الرسالة 1/369.
[51] موطأ مالك، كتاب الصيام: باب فدية من أفطر في رمضان من علة.
[52] سنن الدارقطني 3 /200، والسنن الكبرى للبيهقي 4/451.
[53] (18) الفواكه الدواني على الرسالة 1/414، وأسنى المطالب لزكريا الأنصاري الشافعي 1/427.
[54] بدائع الصنائع للكاساني الحنفي 2/72، والاختيار لتعليل المختار لمجد الدين أبي الفضل الحنفي 1/ 124.
[55] البقرة 184.
[56] الفواكه الدواني على الرسالة 1/310.
[57] التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق العبدري 3/387.
[58] المجموع شرح المهذب 6/260.
[59] النوادر والزيادات: لابن أب زيد القيرواني 2/ 53.
[60] ما يتعلق بالفدية فقد اقتصرت فيه لبحث الأستاذ عبد الله بن الطاهر الإمام بمسجد البخاري أكادير.
[61] صحيح البخاري كتاب صلاة الجماعة اب إنما جعل الإمام ليؤتم به.
[62] صحيح البخاري كتاب صلاة الجماعة باب إذا صلى ثم أم قوما.
[63] نفحات من الفقه المالكي عبد الله بن طاهر.