الحرائر في السجون.. وجع واحد وصبر بلا حدود

Cover Image for الحرائر في السجون.. وجع واحد وصبر بلا حدود
نشر بتاريخ

من الإبادة في غزة التي تحولت فيها أطلال البيوت والخيم الممزقة لسجون مفتوحة، إلى ظلام وأقبية السجون في صيدنايا، ومن الجرائم والإرهاب في السودان إلى المعتقلات الظلامية، تتشابه قصص الحرائر في تمسكهن بقضاياهن وصبرهن على الظلم، يقينًا بوعد الله بالنصر والعدل. قصصهن ليست مجرد حكايات ألم، بل شواهد حية على الإيمان والصبر الذي كان سبيل الأنبياء والصالحين، وإيمان قوي بمصير الظالمين الذي توعدهم به الله في كتابه العزيز.

غزة: رمز الثبات والصمود

في غزة، حيث الحصار مستمر منذ سنوات، وحيث تختلط الحياة بالموت في ظل التخويف والتجويع والإبادة، تعيش الحرائر في سجن كبير، تحت وطأة القصف اليومي والدمار الشامل.. أم تُحارب لتأمين حياة أطفالها تحت القصف، شابة تحلم بمستقبل أفضل في ظل الحصار، ناشطة تحاصَر أفكارها قبل أن تخرج للعالم، مرابطة على أبواب المقدس، أرملة، يتيمة، مجروحة، مصابة ومكلومة… ورغم كل ذلك، غزة لم تسقط، ونساؤها يقفن في وجه آلة الحرب، حاملات الراية جيلاً بعد جيل. يقفن بثبات، وينظرن إلى أطفالهن ويقلن: “لا تيأسوا، فإن الله وعدنا بالنصر كما وعد عباده الصالحين من قبلنا”،  يرددن قول الله عز وجل: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (سورة محمد، الآية: 7)، موقنات أن مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (سورة الشورى، الآية: 36)، وأن الثبات على القضية هو مفتاح النصر مهما طال الجور، وأن مصير الظالمين عند الله لا محالة يملي لهم ثم يأخذهم أخذا شديدا، كما في حديث الصحيحين: “إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته”، ثم قرأ:  وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (سورة هود، الآية: 102).

بحسب تقارير حقوقية حديثة لعام 2024، يبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الصهيوني حوالي 98 أسيرة. بينهن عدد من القاصرات، وأخريات يعانين من ظروف صحية قاسية تشمل الإهمال الطبي. تُعتبر بعضهن معتقلات إداريًا دون تهم واضحة أو محاكمات عادلة، وعدد المعتقلات الإداريات وصل إلى 31 أسيرة. أصغر الأسيرات هي الطالبة أسيل شحادة، بينما تُعد شاتيلا أبو عيادة صاحبة أطول مدة حكم.

تتعرض الأسيرات لانتهاكات عديدة، تشمل العنف الجسدي والنفسي، وسوء المعاملة، والحرمان من الحقوق الأساسية. بعضهن يعانين من أمراض خطيرة، مثل السرطان، دون تلقي العلاج اللازم، مما يفاقم أوضاعهن داخل السجون. أبرز المعتقلات هن ناشطات أو أمهات الأسرى، أو من يُتهمن بالمشاركة في المقاومة.

سوريا: حرائر صدنايا وصوت القضية

صبر المستضعفات في سجون صدنايا على القسوة والتعذيب، حيث تختنق الحرائر بين الجدران الباردة ورائحة الدم وأصوات الصراخ والخوف، يتدثرن بكلمات الله التي كانت تضيء عتمة زنازينهن. يذكرن أنفسهن بقول الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (سورة البقرة، الآية: 155). فتُلهمهن هذه الآية أن الابتلاء جزء من طريق الإيمان، وأن الصبر مفتاح للنصر. يطمئِنَّ بعضهن بكلام الله: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (سورة القصص، الآية: 5). هذا الوعد الذي لا شك يزيد من قوة تحملهن وصبرهن، كان يربط قلوبهن بيقين أن النصر آتٍ، وأن الظلم لا يدوم.

في سياق الحرب السورية، هناك آلاف النساء المعتقلات والمفقودات. وفقًا لتقارير المنظمات الحقوقية مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن عدد النساء المعتقلات والمختفيات قسريًا يتجاوز 10,000 امرأة منذ بداية النزاع، بينهم ما يفوق 3 آلاف طفلا.

السودان: وسط الحرب والمأساة

في السودان، حيث اندلعت حرب أكلت الأخضر واليابس، رغم ضعف الأنباء عنهم وسيطرة مشاهد الإجرام في غزة على العالم، تحولت حياة النساء إلى معركة يومية من أجل البقاء. بين النزوح والتشريد والبحث عن مأوى والخوف من الاعتداء، تحمل النساء العبء الأكبر، بين جمع الشمل وسط الفوضى، ومدّ الأيدي بالحب والحنان في ظل عالمٍ ينهار، وبين الحفاظ على النفس والعرض والكرامة. ومع ذلك، كثيرات فقدن حريتهن أو واجهن اعتداءات لأنهن رفضن الخضوع.

ووفقًا لتقارير حقوقية ودولية حديثة، بلغ عدد النساء المحتجزات أو المفقودات في السودان بسبب الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 ما لا يقل عن 24 امرأة حسب التوثيق المتاح حتى منتصف عام 2024. هذا الرقم يمثل الحالات الموثقة فقط، بينما يُعتقد أن العدد الفعلي قد يكون أعلى بسبب صعوبات التوثيق.

تتعرض النساء في السودان لانتهاكات واسعة النطاق تشمل: الاعتقال التعسفي، سوء المعاملة، والاختفاء القسري. كما أن هناك تقارير عن استخدام العنف الجنسي بشكل ممنهج من قبل الأطراف المتنازعة، وخاصة في مناطق النزاع بدارفور وكردفان. ظروف الاحتجاز غالبًا ما تكون قاسية مع غياب الخدمات الأساسية.

المعتقلات: صوت الحرية المكبوت

في دول أخرى، نجد أن المعتقلات مليئات بالحرائر اللواتي اعتُقلن بسبب أفكارهن أو نشاطهن الحقوقي. قصصهن متشابهة؛ قصص جهاد وشجاعة، ألم وأمل. النساء اللواتي يُعذّبن ويُحاكمن في صمتٍ، يكشفن كيف يستخدم السجن كأداة لكسر صوت الحق وروح الحرية في المجتمعات.

الظروف داخل المعتقلات غالبًا تكون قاسية، وتشمل التعذيب، وسوء المعاملة، والإهمال الطبي، والتحرش.
الأرقام قد تكون غير دقيقة بسبب غياب الشفافية وصعوبة الوصول إلى الإحصائيات الحقيقية، خاصة في مناطق النزاع.

الرابط: الأمل بالجزاء والحرية

رغم اختلاف السياقات بين سجون سوريا، ودمار غزة، وحروب السودان، والمعتقلات العربية، إلا أن الرابط المشترك هو الإيمان بأن العدل آتٍ. كل حرة تعتقل أو تقهر تصبح رمزا للثبات والصبر. هؤلاء النساء يدركن أن الظلم في الدنيا مؤقت، وأن الله وعد عباده بالنصر ولو بعد حين، موعود الله دائما حاضر في قلوبهن، وأن الحق منتصر، وأن الله لا ينسى عباده الصابرين، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ (سورة البقرة الآية: 143).

في قصصهن نجد انعكاسًا لصراع الإنسان مع الطغيان، وشهادة حية على أن النساء هنّ خط الدفاع الأول عن القيم والمبادئ والكرامة.

بهذا الإيمان، تصير قصصهن شواهد خالدة على قوة الحق، ومصير الظالم الذي ينتظره حساب رب العالمين، قال الله تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِۦ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. (سورة العنكبوت: الآية 40)، إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ (سورة آل عمران، الآية: 57).